يستعد البنك المركزي المصري لإطلاق مؤشر خاص بالجنيه المصري، يضم سلة من العملات الدولية والذهب.. الهدف المعلن لهذا المؤشر هو إيجاد سعر صرف واقعي من خلال تحديد الأوزان النسبية المتباينة للعملات التي يضمها المؤشر.. في سبيل التحرر التدريجي من الاعتماد على عملة رئيسية واحدة وهي الدولار الأمريكي.
كان حسن عبد الله، القائم بأعمال محافظ البنك المركزي والذي جُدد له نهاية الأسبوع لمدة عام واحد فقط – قد ألمح سابقا إلى أن ربط الجنيه المصري بالدولار على هذا النحو؛ يُعدُّ أمرا خاطئا؛ لأن الولايات المتحدة ليست الشريك التجاري الأساسي لمصر.. ومن المرجح أن تضم سلة العملات إلى جانب الدولار، اليورو والجنيه الاسترليني.. وربما عملات أخرى بالإضافة إلى الذهب.
ومازال التراوح كبيرا بين سعر الدولار في السوق الرسمية والموازية.. مع عجز الإجراءات التي اتخذتها الحكومة عن توفير احتياجاتها من العملة الصعبة.. ما يجعل من أي عملية تعويم قادمة؛ إجراء بلا فائدة.. سيكون من شأنه مفاقمة الأزمة.
وعلى طريق حلحلة الأزمة المستحكمة التي تسببت فيما سُمّي بالفجوة الدولارية.. شهد الأسبوع المنقضي عددا من الإجراءات لسد تلك الفجوة التي صارت هائلة.. فقد شهدت بداية الأسبوع سعي الحكومة المصرية للترويج لأكثر من 150 فرصة استثمارية في عدد من المجالات الصناعية بهدف توفير ما قيمته 30 مليار دولار سنويا، كان المصريون ينفقونها لاستيراد هذه المستلزمات والمنتجات. شارك في عملية الترويج وزارة التجارة والصناعة واتحاد الصناعات، وجمعيات المستثمرين، وهيئة الاستثمار، واتحاد الغرف التجارية، ومكاتب التمثيل التجاري.
كما أعلن مجلس الوزراء في بيان له موافقة مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على تخصيص 28 قطعة أرض، لصالح بعض الشركات، بنظام البيع بالدولار من خارج البلاد.. بعد موافقة مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على طلب الحكومة، بجلسته رقم 181 بتاريخ 12 يوليو 2023.
وفي اجتماع مجلس الوزراء أمس الخميس بالعلمين الجديدة، وافقت الحكومة على إصدار مؤسسة التمويل الدولية، سندات بالجنيه المصري في الأسواق الخارجية.. وذلك بعد هبوط سندات مصر الدولارية عند مستويات الإعسار، وسط مخاوف خفض التصنيف الائتماني، ما دون الدرجة الاستثمارية خلال المراجعة التي بدأت منذ مايو الماضي من قبل وكالة “موديز إنفستورز سيرفيس”.
كما قلَّص مصرف سيتي غروب، نظرته المتفائلة للسندات المصرية، بسبب مخاوف بشأن بطء تقدّم الدولة في بيع الأصول الحكومية.
وقال محللو البنك إنهم خفّضوا توصيتهم بـ”زيادة المراكز” في الديون المصرية، مشيرين إلى أن خطة الخصخصة في البلاد “تتخلف بشكل متزايد عن الأهداف”.
كانت الحكومة قد أصدرت سبعة قرارات أخرى ضمن مساعيها لتخفيف حدة الأزمة المتفاقمة.. تعلّق القرار الأول بتسهيل التصحيح الهيكلي السابع، بين الحكومة المصرية وصندوق النقد العربي.. والتشاور مع الصندوق للاستفادة من التسهيلات المتاحة للدول الأعضاء، بغرض دعم برنامج الإصلاح الهيكلي للقطاع المصرفي والمالي.
وجاء القرار الثاني بشأن الاتفاق مع الحكومة الكندية لتنفيذ مشروع تعزيز الزراعة الذكية مناخيا والتنوع الحيوي الزراعي.. وكان القرار الثالث متضمنا موافقة المجلس على مشروع قرار بشأن اتفاقية تمويل من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، لتطوير خط سكة حديد أبو قير بالإسكندرية وتحويله إلى مترو كهربائي.
رابع القرارات جاء بالموافقة على مشروع قرار بشأن إعادة تخصيص مساحة 1763.02 فدان تقريباً من الأراضي المملوكة للدولة، ملكية خاصة، ناحية الفشن، بمحافظة بني سويف، وذلك لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة؛ لاستغلالها في الاستصلاح والزراعة، في إطار مشروع “مستقبل مصر”.
وجاءت الموافقات الثلاثة الأخيرة التي تضمنتها القرارات من الخامس إلى السابع على مشروع قرار بخصيص مساحة 642.7 فدان، من الأراضي المملوكة للدولة، ملكية خاصة، ناحية الجفيرة بمحافظة مطروح، لصالح بنك الاستثمار القومي، وذلك نقلاً من الأراضي المخصصة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.. كذلك الموافقة على تعاقد وزارة المالية مع شركة مصر لتأمينات الحياة لإبرام عقد تأمين جماعي مؤقت على حياة الموظفين المنتقلين للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة.. وأخيرا التصديق على الموافقات الصادرة عن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بشأن إقامة 20 مشروعا في 10 محافظات، وذلك في إطار تنفيذ مشروعات النفع العام التي تقدّم بها المحافظون.
لا تُقدم إجراءات الحكومة ومساعيها نتائج ملموسة تسهم في تخيف آثار الأزمة الاقتصادية، خاصة بعد وصول التضخم إلى معدلات قياسية، بالإضافة إلى أزمات أخرى.. مثل عودة انقطاع التيار الكهربي يوميا بصورة منتظمة قد تمتد إلى ساعات، في عموم البلاد باستثناء المناطق السياحية، وبعض المناطق الأخرى.. بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات.
ومع قرب بداية العام الدراسي الجديد أطلت مشكلة الارتفاع الجنوني في أسعار الكتب الخارجية التي يعتمد عليها غالبية الطلاب؛ في ظل ضعف محتوى كتب الوزارة.. وقد عزا البعض ذلك إلى ارتفاع أسعار الورق والأحبار عدة أضعاف، مع ارتفاع المقابل الذي يدفعه منتجو الكتب للحصول على الترخيص.. بينما اتهم البعض هذه الشركات بالجشع ومحاولة مضاعفة الأرباح باستغلال للأزمة.
مع توالي الإخفاقات يتطلع كثيرون إلى البحث عن حلول غير نمطية، تستطيع أن تُحدث الفارق.. وهذا ما يستلزم توسيع رقعة المشاركة.. وترك الإصرار على أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، والتنصل التام من الأسباب التي أنتجت هذا الوضع الخطر.. فمصر لديها من العقول الاقتصادية القادرة على تقديم رؤى واعدة للإصلاح الكثير والكثير.. يبقى فقط أن نترك التمترس خلف قناعات أثبتت التجربة أكثر من مرة عدم نجاعتها في مواجهة المتغيرات والأزمات.. وما أكثرها اليوم في عالم يعصف بالأحداث الكبيرة.