على غرار العاصمة السودانية الخرطوم، اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور غرب السودان؛ ومع توسع نطاق الصراع الدائر منذ أكثر من أربعة أشهر، وتمدده ليصل إلى هناك، خاصة مدينة نيالا المركز الاستراتيجي للإقليم، فضلًا عن الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، يثور التساؤل حول “مغزى التوقيت” في انتقال الصراع، أو نقله بالأحرى إلى الإقليم؛ خاصة أنه يأتي في توقيت تتصاعد فيه الدعوات إلى “التخلص من دارفور”؛ وانفصالها أو فصلها، مع الحمل الذي أصبح ثقيلًا بالنسبة إلى أصحاب هذه الدعوات، الدعم السريع.
وكما يبدو، فإن ثمة أهداف ومقاصد للجيش السوداني، في محاولة نقل الصراع إلى الأطراف بعيدا عن العاصمة، لتخفيف الضغط عليها؛ وفي الوقت نفسه، لا يخلو الأمر أيضا من دوافع للدعم السريع في انتقال الصراع أو جزء منه، إلى الإقليم حيث الانتماء القبلي ونافذة الإمداد اللوجيستي عبر الجوار السوداني.
عديدة هي مقاصد الجيش السوداني وأهدافه، في محاولة نقل الصراع الدائر مع قوات الدعم إلى إقليم دارفور، بعيدا عن العاصمة الخرطوم.
ولعل أهم هذه المقاصد هي التالية:
أولا: أهمية إقليم دارفور الجيوسياسية؛ فمن حيث إن دارفور، التي تنقسم إلى خمس ولايات، هي منطقة شاسعة وجافة تقع في غرب وجنوب غرب السودان؛ إلا أنها، رغم ذلك، تتمتع بأهمية جيوسياسية، سواء بالنسبة للداخل السوداني، أو لدول الجوار الجغرافي للسودان.
فإضافة إلى التماس الحدودي الداخلي، بين إقليم دارفور وجنوب كردفان، حيث تقع حقول النفط السودانية الرئيسة؛ فإن الإقليم بتداخلاته الإثنية وامتداداته القبلية الخارجية، يُمثل تاريخيا أحد أهم الأرقام الصعبة في أي صراع يشهده السودان، ولطالما وظفت التركيبة القبلية لهذا الإقليم في توجيه الصراعات الداخلية السودانية. ومن جانب آخر، فإن ثمة ارتباط جيوسياسي و”تمازج اجتماعي” لدارفور، مع أربعة من دول الجوار الجغرافي للسودان، هي: ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
ومن ثم، يبدو أن محاولة نقل الصراع إلى دارفور تأتي في اتجاه، تخفيف الضغط على العاصمة؛ وفي الوقت نفسه، استغلال التركيبة القبلية والعرقية للإقليم في توجيه مسار الصراع الدائر حاليا، حيث إن جنرالات الجيش يحاولون استقطاب القبائل الأفريقية إلى جانب القوات المسلحة، لإضعاف حواضن الدعم السريع من القبائل العربية، التي ينتمي إليها أغلب مقاتلي الدعم.
ثانيا: نقل الصراع بعيدا عن العاصمة الخرطوم؛ إذ إن عدة مؤشرات توضح أن من مقاصد الجيش نقل الصراع إلى دارفور، أي إلى الأطراف السودانية بعيدا عن العاصمة الخرطوم وضواحيها. فمن خلال الخبرة التاريخية للجيش السوداني، في إدارة الصراعات مع الحركات المسلحة في الداخل السوداني، يتبدى بوضوح أن أيًا من هذه الحركات لم يُشكل تحديًا وجوديًا للجيش، أو للحكومة السودانية في الخرطوم. فقد اعتادت الحكومات السودانية المتعاقبة، التعايش مع حركات التمرد طالما كانت تحركات هذه الحركات في الأطراف.
أضف إلى ذلك، بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على الصراع بين الجيش والدعم السريع، أن “التفوق النسبي” للجيش بدأ في الظهور بوضوح؛ وقد تحقق ذلك عبر مسارين: الأول، قطع الجيش الإمدادات اللوجيستية عن الدعم، وتدمير معظم المقرات والمرتكزات التابعة لقواته حول الخرطوم. أما المسار الآخر، فقد بدا من خلال استدراج عناصر قوات الدعم، خاصة القادمة من دارفور وليبيا وأفريقيا الوسطى، وتدمير أرتالها التي كانت في طريقها للانضمام إلى الدعم السريع. وبالتالي، استطاع الجيش السيطرة على أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم، وأصبح توجهه الحالي هو دفع قوات الدعم إلى الأطراف، إلى إقليم دارفور، واستدراجها إلى هناك وإخراجها نهائيًا من العاصمة.
في مُقابل مقاصد الجيش السوداني من انتقال الصراع، أو نقله، إلى إقليم دارفور؛ فإن الدعم السريع له أيضا مبرراته ودوافعه في هذا الانتقال.
ولعل أهم هذه الدوافع هي التالية:
أولا: الانتماء القبلي لقوات الدعم السريع؛ فهذه القوات من حيث إنها عناصر غير نظامية، تجمعها الانتماءات القبلية، فضلا عن بعض تكويناتها من دول جوار السودان، وتحديدا من القبائل الدارفورية الممتدة على جانبي الحدود بين السودان وهذه الدول، وفي مقدمتها قبيلة الرزيقات، التي ينتمي إليها محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم.
والملاحظ، رغم عدم وجود أي تمرد مُعلن من جانب عناصر الجيش السوداني، فإن هناك الكثير من ضباط الجيش الذين ينتمون إلى القبيلة نفسها، قبيلة الرزيقات، بما يدعو قوات الدعم إلى عدم التخوف من وجود هؤلاء الضباط ضمن صفوف الجيش السوداني، باعتبار أن الانتماء القبلي ما يزال هو الأقوى في السودان، خاصة في حالة حدوث أي تراجع في موقف الدعم السريع أمام الجيش.
أضف إلى ذلك، أن قوات الدعم كانت قد استثمرت، خلال السنوات الأخيرة، في موارد كبيرة في دارفور؛ وهي بالتالي تسعى إلى السيطرة على أصولها الاستراتيجية، خاصة المناجم والطرق الرئيسة، فضلا عن الممرات الجوية ومصادر المياه.
ثانيا: مناصرة بعض الأطراف الدارفورية للدعم؛ حيث ظهرت دعوة القبائل العربية “السبعة”، التي جاءت عبر مقطع مُصور، خلال الأيام القليلة الماضية، بالانضمام لصفوف قوات الدعم السريع، والانصراف عن تأييد الجيش؛ ومن بين زعماء هذه القبائل، الذين ظهروا في المقطع المُصور، ظهر زعيما قبيلتي المسيرية والرزيقات. هذا، وإن كان يُمكن أن يؤجج الصراعات العرقية والقبلية، في هذا الإقليم الذي يقع في غرب السودان، إلا أنه يُمثل مؤشرا للدعم السريع على إمكانية العودة إلى “المعقل القبلي”، في الصراع مع الجيش.
أضف إلى ذلك، أن إحدى الحركات المسلحة الدارفورية، وتدعى “تمازج”، قد أصدرت أوامر لأفرادها على الشريط الحدودي بين إقليمي دارفور وكردفان، بالانضمام إلى معسكرات الدعم السريع. وفضلا عن أن الحركة كانت من الحركات التي وقعت على اتفاق السلام التاريخي، الذي أبرم في عام 2020، في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، مع الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة عقب الإطارحة بالرئيس السابق عمر البشير؛ إلا أنها أفادت في بيان لها الخميس 17 أغسطس الجاري، ما مفاده “نُعلن وبصورة رسمية انضمامنا للقتال مع قوات الدعم السريع ضد فلول النظام السابق، الذين اتخذوا من الجيش مطية للوصول إلى السلطة”.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن إقليم دارفور يُمثل أهمية استراتيجية، بالنسبة إلى طرفي الصراع السوداني؛ إذ بينما يحاول الجيش دفع مقاتلي الدعم السريع إلى التخلي عن مواقعهم، والتوجه نحو الأطراف بعيدا عن العاصمة، فإن قوات الدعم تحاول، بدورها، التمدد والتواصل مع جذورها القبلية والإثنية في دارفور، لأجل إعادة ترتيب صفوفها والحصول على مزيد من التعزيزات.
إلا أن اللافت هو “سؤال التوقيت”، خاصة أن محاولات الجيش والدعم السريع كليهما، في نقل الصراع أو جزء منه، إلى غرب السودان في دارفور، يمكن أن يُمثل إلى بعض الأطراف السودانية فرصة سانحة، لانفصال الإقليم أو فصله بالأحرى، عن الوطن الأم تماما مثلما حدث مع جنوب السودان، في عام 2011، رغم أن سيناريو انفصال الجنوب لم يحل مشكلات السودان.