رؤى

“الحرية والتغيير”.. والتوافق على حل الأزمة السودانية

منذ اندلاع القتال في السودان، بين الجيش وقوات الدعم السريع، قبل 100 يوم؛ وفي أول اجتماع لها، عقدت قوى الحرية والتغيير اجتماعًا بالعاصمة المصرية، على مدى يومين، 24-25 يوليو، في محاولة لبحث الأزمة التي تمر بها البلاد، خاصة في ظل تزايد المعاناة الإنسانية في البلاد.

وفضلًا عن تجديد قوى الحرية والتغيير دعوتها لطرفي القتال الدائر في السودان، بضرورة التوصل لوقف الحرب، عبر جولة مفاوضات جدة، التي تجري بتيسير من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد أكدت أنها ستجري مشاورات مع القيادات السياسية للمجتمع السوداني، المتواجدة في مصر، حول بناء مستقبل جديد للسودان.

خارطة طريق

بالإضافة إلى ضرورة إنهاء الحرب، وإيجاد حلول جذرية للأزمة التي تعصف بالسودان، أطلق المشاركون، برئاسة الكتلة الديمقراطية، خارطة طريق لحل الأزمة السودانية، تحت شعار: “حل شامل بشراكة وطنية حقة”؛ تتضمن عددا من المحاور، تأتي في مقدمتها ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وتحقيق سلام مستدام عبر توحيد القوى السياسية، والحوار من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل.

ومن خلال البيان الختامي لاجتماع القاهرة، فقد تضمنت رؤية قوى الحرية والتغيير لإنهاء الحرب، وتأسيس وإعادة بناء الدولة السودانية، نقاط محددة.. أهمها هي التالية:

فمن جانب، محاولة اعتماد مسار سياسي شامل؛ حيث إن الوضع السياسي الحالي في السودان، أصبح مختلفا عما كان عليه قبل اندلاع الحرب، في 15 أبريل الماضي؛ ومن ثم دعا اجتماع القاهرة لاعتماد مسار سياسي جديد وشامل، يضم كل القوى الوطنية السودانية، باعتبار أن قوى الحرية والتغيير هي جزء من كل، يسعى للعمل مع الجميع لأجل وقف الحرب، وإعادة الاعتبار للمسار السياسي.

وبناءً على ذلك، جاء في البيان الختامي لاجتماع القاهرة، في البند الثالث تحت عنوان: “وحدة القوى المدنية ودورها في العملية السياسية”؛ أن الاجتماع “شدد على ضرورة إطلاق عملية سياسية تؤدي لوقف الحرب، وأن تتم بمشاركة واسعة للقوى المدنية السودانية”. إلا أن البيان، أكد على أن هذه المشاركة “يجب ألا تشمل المؤتمر الوطني وواجهاته، وقياداته، الذين ظلوا يعملون من أجل إعاقة التحول الديمقراطي”.

من جانب آخر، إعادة الدور الفاعل للمكون المدني سياسيًا؛ إذ، تبدى بوضوح أن اجتماع القاهرة، قد استهدف بشكل رئيس إعادة الدور السياسي الفاعل للمدنيين، في رسم مستقبل السودان؛ حيث يأتي هذا الاجتماع، بحسب تصريح عمار حمودة المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير في السودان، في إطار “بحث المستجدات بما فيها الحرب الحالية كواقع جديد”؛ والعمل على تطوير الخطط السياسية وفق الأوضاع الحالية، بهدف “الالتزام بخطة كاملة للانتقال من أجواء الحرب إلى استعادة المسار الديمقراطي”.

بل، إن محاولة إعادة الدور السياسي الفاعل للمكون المدني السوداني، قد تبدت أيضا عبر سلسلة الاجتماعات والمشاورات السياسية، التي أجراها في القاهرة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار؛ والتي شملت عددا من القوى السياسية والحزبية السودانية، لصياغة مبادرة لوقف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة في البلاد.

ومن جانب ثالث، إنشاء آلية وطنية عليا من القوى السودانية؛ فمن أجل محاولة وقف الحرب، وحول الوسائل التي ستلجأ إليها قوى “الحرية والتغيير” لذلك، تركزت معظم مساهمات المشاركين في اجتماع القاهرة، على النقاش في كيفية تكوين جبهة مدنية موسعة من خلال التواصل الإعلامي، والعمل على إنشاء آلية وطنية عليا من الأحزاب وحركات الكفاح المسلح والإدارة الأهلية وشخصيات قومية، للعمل مع المجتمع الدولي والإقليمي، ودول الجوار الجغرافي للسودان، في اتجاه تفعيل آليات وقف الحرب.

وكما يبدو، عبر عديد من تصريحات المشاركين في اجتماع القاهرة، فإن قوى الحرية والتغيير تعكف على إعداد ورقة شاملة، تتضمن رؤية سياسية موحدة لكيفية التعامل مع الواقع الجديد الذي أفرزته الحرب؛ وأن هذه الرؤية تشمل جميع السودانيين، ولا يُستثنى منها إلا حزب المؤتمر الوطني المنحل، بغرض استعادة المسار الانتقالي الديمقراطي، الذي يؤسس لبناء وطني جديد.

ومن جانب رابع،السعي لتشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة؛ حيث تضمن البيان الصادر عن المؤتمر، في إطار المحور الخاص بالقضايا السياسية، التأكيد على إطلاق حوار تمهيدي يهدف إلى بناء الثقة بين القوى السياسية السودانية، والاتفاق حول القضايا الإجرائية وتوحيد الرؤى السياسية، بصورة تُمهد للحوار الوطني الشامل.

والمُلاحظ، أن البيان كان قد حدد عدة مراحل من أجل التوصل إلى تأسيس وإعادة بناء جديد للدولة السودانية، في مقدمتها المرحلة الأولى التي تُختصر في “تشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة”، تكون محدودة المهام، وتتفق الأطراف على فترتها؛ والأهم، أن تنحصر مهامها في إعادة مرافق الدولة السودانية إلى الخدمة، وتسيير دولاب العمل اليومي.

وقد حدد البيان، أنه بناءً على مقترحات الحوار التمهيدي، يقوم رئيس مجلس السيادة بتشكيل حكومة تصريف الأعمال بالسرعة المتوخاة، استجابة للحاجة الملحة لوضع البلاد الأمني والخدمي والإنساني.

وأخيرا.. العمل على توحيد مبادرات حل الأزمة؛ فقد اعتبر المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير، عمار حمودة، أن الحل السياسي لن يبدأ قبل أن تتوقف الحرب في السودان، وأن هذا الأمر “حتمي، ومهما تبدلت مواقع القوات العسكرية على الأرض”. وفي اتجاه محاولة وقف الحرب، توافقت قوى “الحرية والتغيير” بحسب البيان الختامي لاجتماع القاهرة، على تثمين الدور الدولي والإقليمي، والتأكيد على “ضرورة أن تتكامل المبادرة السعودية الأمريكية، مع خارطة طريق الاتحاد الأفريقي والإيغاد، ومقررات مؤتمر دول الجوار”، لتصبح عملية واحدة بتنسيق من الميسرين والأطراف السودانية.

ضرورة التوافق

في هذا السياق، يُمكن القول بأن أهمية اجتماع قوى الحرية والتغيير بالعاصمة المصرية، القاهرة، يأتي من كونه “الأول بعد اندلاع الحرب”؛ فضلًا عن مناقشته لكيفية “بناء جبهة مدنية واسعة”، عدا حزب المؤتمر الوطني. وبالتالي، فهو يأتي كمحاولة لإطلاق عملية سياسية جديدة، تُفضي إلى انتقال يساهم في وقف الحرب ورسم مسار موسع، يشمل كافة القوى السياسية السودانية؛ وهو ما يؤكد أن الاتفاق السياسي الإطاري السابق للحرب، لم يعد يُمثل طموحات السودانيين، من منظور أن كثيرا من القوى السياسية كانت خارج هذا الاتفاق.

ولعل تشابك الأوضاع السياسية على الأرض، بعد دخول الحرب في السودان شهرها الرابع، والتداعيات الكارثية لها، هو ما أدى إلى البحث عن “ضرورة التوافق” بين القوى السياسية السودانية، وحل خلافاتها، بما فيها جناحي قوى الحرية والتغيير نفسها، الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي؛ حتى تكون بمثابة الرافعة التي تساهم في التوافق السوداني على ملامح المرحلة الانتقالية المطلوبة، لحلحلة الأزمة.

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock