مختارات

قمة “بريكس”.. نقلة شطرنج صينية تحبط الهجمة الأمريكية المرتدة

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عروبة 22

حسين عبد الغني

يمكن القول باطمئنان إنّ القمّة رقم ١٥ لـ”بريكس” – على الأقلّ فيما يتعلق بالشرق الأوسط الكبير – قضت على مقولتين شائعتين عند كثير من الاستراتيجيين الغربيين تُستخدمان باستمرار للتشكيك في وزن وفعالية هذا التجمّع. الأولى؛ ترى أنّ هذا التجمّع ينطوي على كثير من الكلام والأحلام، وقليل من الأفعال والواقع، والثانية؛ أنه لا مستقبل له لأنه أولًا وأخيرًا عبارة عن مجموعة اقتصادية غير متجانسة وليس تحالفًا أيديولوجيًا صلبًا مثل “الناتو”، أو حتى مجموعة اقتصادية بعملة واحدة وسياسات أمنية تقوم على قيم مشتركة مثل الاتحاد الأوروبي.

في القمّة الأخيرة، حدث تطور بالغ الأهمية وهو الموافقة على ضم ٦ دول، من بينها ٥ دول تقع في منطقتنا، والمغزى الاستراتيجي من هذا التطوّر يكمن أولًا: في الرسالة الصريحة التي تبعث بها الصين الزعيم الحقيقي أو الأول لـ”بريكس” لواشنطن من أنّ الشرق الأوسط أصبح في درجة متقدّمة من سلّم أولوياتها العالمية، وأنها مصمّمة على عدم التراجع عن أيّ موقع مؤثّر حصلت عليه في الإقليم.

ويكمن ثانيًا: في طبيعة الدول التي تمّ قبولها، إذ يمثّل أربعة منها على الأقل دولًا “مفتاحية” تتحكّم أو تلعب الدور الرئيس في إقليمها المباشر وتمتلك مزايا (جيو –استراتيجية) ذات طابع مستمر في التاريخ، ومن ثمّ فإنّ إضافتها ولو ببطء شديد وعلى نار هادئة جدًا هي خصم صريح من خانة نفوذ الغرب المطلق على المنطقة، وإضافة صريحة لخانة نفوذ الصين ومعها روسيا حليفتها الاستراتيجية.

هذه الدول في أفريقيا هي أولًا مصر الدولة الأكبر في شمال القارة سكانًا واقتصادًا وحداثة تولّدت من ريادتها لنهضة التنوير العربية منذ قرنين ونيف، والدولة العربية الأفريقية الوحيدة الممتدة في آسيا عبر سيناء وتمتلك في فترات عديدة تأثيرًا تقليديًا على منطقة المشرق العربي وشرق المتوسط.

بريكس

والثانية هي إثيوبيا الدولة الأهمّ في شرق أفريقيا المتحكّمة في منابع النيل وصاحبة النفوذ التقليدي على جوارها المباشر في إريتريا وجيبوتي والصومال الواقعة على البحر الأحمر وخليج عدن، وإذا وضع في الاعتبار أنّ أهمّ دولة في أفريقيا الجنوبية وهي جنوب أفريقيا موجودة بالفعل في “بريكس” وأنّ الدولة الأكبر في غرب أفريقيا وهي نيجيريا تقدّمت بطلب للعضوية قد يُقبل في وقت لاحق، فإنّ هذا التجمّع سيمسك بأركان القارة الأربع، أضف إليهم أيضًا نفوذ (موسكو- بكين) المتزايد في منطقة الساحل في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى. وهي قارة لها خصوصية سياسية إذ إنها لسوء حظها ظلّت منطقة نفوذ تام للغرب ينفرد لوحده بثرواتها الهائلة من المواد الخام دون أن يُشرك طرفًا دوليًا آخر، وحتى دون أن يشرك معه الأفارقة أنفسهم أصحاب هذه الثروات.

في آسيا تمّ ضمّ إيران والسعودية أكبر قوّتين، نفطًا وسكانًا ونفوذًا، في غرب آسيا والخليج بضفّتيه الفارسية والعربية، وإذا كانت إيران جغرافيًا وثقافيًا تتجاوز قيمتها الاستراتيجية الخليج فتصل تأثيراتها إلى أحد أهمّ مناطق الأمن القومي الصيني وهي منطقة آسيا، فإنّ السعودية لها دور بالغ الأهمية في شبه الجزيرة والبحر الأحمر ودور معنوي في العالم الإسلامي السنّي لا يقلّ عن  دور دول مثل مصر وتركيا.

لكن هذا الاختيار للدول المفتاحية يؤكد آراء من قالوا من البداية إنّ “بريكس” مثلها منظمة شنغهاي في التصوّر الذهني لكلّ من بكين وموسكو هي تجمعات جيوسياسية بامتياز.

بعبارة أدقّ، أفصح العملاق الصيني والدبّ الروسي صراحةً في القمة ١٥ عن الهوية الجيوسياسية لـ”بريكس” من انتقاء هذه الدول المفتاحية من بين ٤٠ دولة تقدّمت للعضوية، فكلّ من مصر وإيران وإثيوبيا تواجه حاليًا مصاعب اقتصادية جمّة لأسباب مختلفة، فيما كانت توجد دول أخرى متقدّمة للعضوية في أوضاع اقتصادية أفضل بكثير لكنها لم تُقبل.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لم يدَع أيّ مجال للشك في تقدّم الدوافع السياسية لـ”بريكس” على أيّ دوافع اقتصادية، فقال: “الاعتبارات الأهمّ التي اعتُمدت في قبول عضوية دولة من الدول المرشّحة كانت هيبتها ووزنها السياسي وبطبيعة الحال، موقفها على الساحة الدولية، أي من الدول التي تحمل الأفكار المشتركة، تلك التي تؤيّد تعدّدية الأقطاب، وضرورة جعل العلاقات الدولية أكثر ديمقراطية وعدالة، وزيادة الدور العالمي للجنوب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock