رؤى

هل يُنقذ احتياطي “اليورانيوم”.. الاقتصاد الأردني من عثرته؟

أمام واقع اقتصادي يُعاني من مديونية تجاوزت 55 مليار دولار، وفي بلد يعتمد على القروض في ظل نسبة بطالة قاربت 25% تبدو احتياطيات اليورانيوم التي يتمتع بها الأردن، والتي تُعد الأولى عربيًا، الملاذ الأهم لإنقاذ البلاد من التعثر الاقتصادي، الذي لازمها سنوات طويلة.

لكن رغم ذلك، ورغم الفوائد التي تعود على الاقتصاد الأردني، عبر مشروع تعدين اليورانيوم، على الأقل لجهة حل مشكلات الطاقة وندرة المياه التي يعانيها، فضلًا عن توفير فرص عمل جديدة؛ فإن الأمر لا يخلو من تحديات، تتنوع بين الاقتصادية والمعارضة الداخلية للمشروع، بسبب مخاطر استخدام اليورانيوم كمصدر للطاقة؛ إضافة إلى الاعتراض الدولي، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، على “تخصيب اليورانيوم” محليًا في الداخل الأردني.

كما يبدو، فإن ثمة أبعادا متعددة، ومتشابكة في ما بينها، يستند إليها المشروع الأردني في تعدين اليورانيوم.. لعل أهمها ما يلي:

أولًا: تحوّل الأردن إلى مصدر رئيس للوقود:

فكما يبدو.. يسعى الأردن بالاعتماد على خام اليورانيوم المنتشر في صحرائه الشاسعة، إلى التحول لقوة اقتصادية إقليمية، قادرة على تصدير الطاقة إلى دول الجوار وتحقيق عوائد مالية، تُساعده في التغلب على العجز الدائم في الموازنة؛ إضافة إلى أن يُصبح مركزًا إقليميًا لبنك وقود نووي إقليمي للمنطقة العربية، كما يؤكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية.

ويُعوّل الأردن من خلال هذا المشروع؛ أن يُصبح مصدرًا رئيسًا للوقود النووي في العالم العربي. فبعد أكثر من 12 عامًا من إطلاق مشروع البرنامج النووي الأردني، أعلن خالد طوقان أن شركة تعدين اليورانيوم، قد انتهت من إنشاء أول مصنع لليورانيوم في الأردن لإنتاج “الكعكة الصفراء”؛ مؤكدًا أن “كيلو غرام واحد منها يكفي لتوليد طاقة تعادل نحو 60 ألف كيلو واط/ساعة”.

ثانيًا: ارتفاع عائدات مشروع تعدين اليورانيوم:

يؤكد طوقان أن هيئة الطاقة الذرية الأردنية تُقدر العائدات المتوقعة من تعدين اليورانيوم، بنحو 40 مليار دولار؛ هذا فضلًا عن أن المشروع يمثل حلًا جذريًا لأزمة الطاقة والمياه في الأردن؛ من حيث إن الكميات المتوافرة من اليورانيوم “تكفي لإضاءة المملكة 80 عامًا”.

ومن ثم، يتبدى الهدف من مشروع تعدين اليورانيوم، وبحسب رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية، خالد طوقان، في تصريح لموقع “اندبندنت عربية”، في 30 أغسطس الماضي، هو إنتاج 800 طن سنويًا، وسط تقديرات لوجود أكثر من 42 ألف طن من اليورانيوم وسط الأردن؛ مُشيرًا إلى أن “هذه الكميات مُدرجة في الكتاب الأحمر للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعتبر كميات ضخمة وتجارية”.

ثالثًا: محاولة تقليل تكلفة الحصول على الطاقة:

إذ يعتمد الأردن بشكل كبير على واردات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي، من منظور أنه -على عكس محيطه الإقليمي- لا يمتلك موارد طاقة كبيرة؛ لذا يُعتبر مشروع تعدين اليورانيوم حيويًا بالنسبة للبلاد، حيث تعتمد عمان على النفط والغاز المستوردين لإنتاج 95% من حاجاتها من الطاقة؛ وتبدو هذه الحاجة أكثر وضوحًا مع تزايد احتياج البلاد من الطاقة من 4700 ميغاواط حسب تقديرات عام 2020، إلى 12 ألف ميغاواط حسب التوقعات في عام 2037.

هذا، بالإضافة إلى ما يضطر الأردن إلى إنفاقه لاستيراد ما يزيد على 93% من إجمالي إمدادات الطاقة، حيث يصل الإنفاق إلى نحو 3.5 مليار دولار سنويًا، وهو ما يُمثل حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ضاغطًا بذلك على الاقتصاد بشكل كبير، وذلك بحسب دراسة حديثة لأستاذ الاقتصاد الأردني محمد طربيه، نُشرت على موقع “زاوية” في 16 ديسمبر 2022.

رغم الفوائد التي تعود على الاقتصاد الأردني، عبر مشروع تعدين اليورانيوم، فإن الأمر لا يخلو من تحديات متنوعة تواجه المشروع.. لعل أهمها:

أولًا: التكلفة العالية والمخاوف البيئية والصحية:

بينما تُشير الدراسات الجيولوجية إلى جودة خام اليورانيوم في الأردن، لكن في المقابل ثمة معوقات تواجه استخراجه، مثل: التكلفة والمخاوف البيئية والصحية، المرتبطة بعمليات التعدين وضعف البنية التحتية.

وبحسب مدير عام الشركة الأردنية لمصادر الطاقة الأسبق، نضال الزعبي، في مقال حديث له، على موقع “جراسا” الإخباري الأردني، فإن الدراسات الأولية لتكلفة تعدين اليورانيوم، من خامات وسط الأردن، بينت أن “تكلفة الإنتاج تتراوح بين 145-220 دولار/كلغم، وهذا يفوق سعر البيع في السوق العالمي الذي يتراوح بين 110-121 دولار/كلغم”.

ثانيًا: الاعتراض الدولي على تخصيب اليورانيوم:

حيث يحاول الأردن التوصل إلى اتفاق تعاون نووي سلمي مع الأطراف الدولية المتنفذة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ ويعود ذلك إلى الإصرار الأمريكي على وضع قيود لمنع تخصيب اليورانيوم محليًا في الأردن، عبر ضغوط متنوعة، لاسيما أنها تُقدم له بعض المنح الاقتصادية، فضلًا عن الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه منذ توقيع اتفاقية “وادي عربة” عام 1994، مع إسرائيل.

واللافت أن الأردن يسعى إلى الاتفاق على حل وسط لا يُغضب واشنطن، ولا يُهدد أُسس تحالفه الاستراتيجي معها؛ وفي الوقت نفسه لا يُريد أن يتنازل عن الحق في تطوير برامج نووية سلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ثالثًا: المعارضة الداخلية لمشروع اليورانيوم:

إذ إن الخطاب الذي يقدمه عدد من النشطاء، المعارضون للبرنامج النووي الأردني عمومًا، ولمشروع تعدين اليورانيوم بوجه خاص، يتباين ما بين طرح معلومات وتحفظات تعتمد على هذه المعلومات، وما بين خطاب انفعالي يقع أحيانًا في إشكالية التحيزات السياسية.

إلا أن الأكثر تأثيرًا، هم أولئك الذي يعدون من خبراء الطاقة، ممن يؤمنون بضرورة وجود الطاقة النووية في الأردن؛ لكن رغم ذلك، وبحكم الإطلاع على التفاصيل الفنية لكيفية إدارة المشروع، وفي مقدمتهم نضال الزعبي، مدير عام الشركة الأردنية لمصادر الطاقة الأسبق، يقفون في الخط المعارض، كنوع من التحذير تجاه بعض القرارات المتسرعة، التي تتخذ من قبل إدارة المشروع.

في هذا السياق، يمكن القول بأن البيانات العالمية تُظهر أن الأردن، هو الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك مخزونًا من اليورانيوم في العالم العربي، يبلغ 1% من المخزون العالمي؛ ومن ثم تأتي أهمية تعدين اليورانيوم كمشروع يُمثل المحور الأساس لدعم الاقتصاد، فضلًا عن توليد الكهرباء وتحلية المياه.

وبرغم التحديات التي تواجه المشروع؛ فإن الأردن كغيره من الدول غير المنتجة للنفط في الشرق الأوسط، يسعى لأجل التوصل إلى أمن الطاقة؛ حيث إن التوجه إلى الطاقة النووية واستغلالها، يُعتبر بالنسبة إليه مُنقذًا اقتصاديًا، بديلًا عن الاعتماد على الطاقة المستوردة، التي تضغط تكاليفها على الموازنة الأردنية ضغطًا كبيرًا.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock