رؤى

الاقتصاد المصري بين مطرقة صندوق النقد.. وسندان تقارير البنوك العالمية!

فور إعلان ترشُّح الرئيس السيسي، لفترة رئاسية جديدة تلاحقت التصريحات والتقارير بشأن الاقتصاد المصري الذي يمر بأزمة شديدة منذ مطلع العام، مع انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار لأكثر من النصف، بعد تعويمه ثلاث مرات منذ فبراير الماضي.. وكان السيسي قد أعلن منتصف يونيو الماضي أن سعر صرف الجنيه قد صار مسألة “أمن قومي” لا يمكن للحكومة الاقتراب منه؛ لتأثير ذلك على نحو كبير على حياة المصريين.

لكن يبدو أن مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا.. لم تعِ جيدا أبعاد تصريح الرئيس المصري؛ فكان تأكيدها الثلاثاء قبل الماضي على المطالبة بخفض جديد لقيمة الجنيه.. وأشارت إلى أن تأخير هذه الخطوة سيكون من شأنه استنزاف احتياطات مصر من العملات الأجنبية.. وأن استمرار مصر في إرجاء ذلك مثل: “سكب الماء في وعاء مثقوب”.

كان صافي الاحتياطي النقدي المصري قد انخفض العام الماضي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2017، قبل أن يعود ليستقر عند 35 مليار دولار الشهر الماضي، وهو ما يعني تراجعه بنحو 20% عن أعلى مستوى حققه في 2020.

رغم ذلك فقد رفع صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي 2022- 2023 إلى 4.2% من 3.7% في أبريل الماضي، ولكنه توقع تباطؤ النمو إلى 3.6% في العام المالي 2023-2024.

من المعروف أن الصندوق أرجأ مراجعتيه اللتين قرر لهما مارس وسبتمبر من العام الجاري، لبرنامج التمويل البالغ ثلاثة مليار دولار لمصر؛ لذلك لم تتسلم مصر سوى الشريحة الأولى من القرض (347) مليون دولار.. فور إتمام الاتفاق في ديسمبر الماضي، ورغم الزعم المتكرر من جانب المسئولين من كلا الطرفين – الصندوق والحكومة المصرية- بشأن التوافق حول العديد من النقاط الخاصة ببرنامج الإصلاح؛ إلا أن الوضع الراهن لا يدعم هذ الرأي.

ففي حين يُصر الصندوق على خفض جديد لسعر صرف الجنيه؛ ترى الحكومة أن هذا الإجراء من شأنه الآن زيادة الأعباء على المصريين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وفي حين يرى مسئولو الصندوق أن على المصريين تسريع وتيرة بيع أصول الدولة برغم أن بعض العروض تحمل بخسا كبيرا لقيمة العديد من هذه الأصول، يرى المصريون أن العجلة لن تؤدي إلى نتائج مرضية، وهناك تباين واضح في بشأن إتاحة فرص أكبر للقطاع الخاص للمنافسة على حساب الشركات المملوكة لبعض مؤسسات الدولة.

ويرى مسئولو صندوق النقد أنهم يهدفون من خلال برنامج التعاون الحالي مع مصر إلى تحقيق أربع نقاط أساسية هي:

حماية الاقتصاد المصري من التقلبات والصدمات الخارجية (الحروب وتقلبات أسواق المال العالمية) وتعزيز النمو من خلال إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص.. وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية.. وأخيرا إعادة النظر في حجم القطاع العام المنافس للقطاع الخاص.

كما يرى مسئولو الصندوق أنه يجب على مصر أن تتبنى عدة تدابير للاستمرار في تحقيق فائض أولي في الموازنة. من خلال عدد من الإجراءات منها: ترشيد الإعفاءات المقدمة على ضريبة القيمة المضافة، وتحسين النفقات الإدارية للدولة، وخفض دعم الوقود الأحفوري.. واستخدام تلك الإيرادات في خفض مستوى الدين.

وكانت مؤسسات مالية عالمية، من بينها “مورغان ستانلي” و”موديز إنفستورز سيرفيس” قد نشرت تقارير مالية سلبية عن الديون المصرية وأدوات الدين خلال الأسبوع الماضي، إذ أعلنت “مورغان ستانلي” عن تبنّيها موقفا متشائما تجاه مصر، التي صارت تعاني من زيادة المخاطر خلال الاشهر القليلة القادمة حسب تقرير لبنك الاستثمار الأمريكي.

وكان البنك قد خفّض نظرته إلى أدوات الدين الحكومية لمصر من موقف “الحياد” إلى “عدم التحبيذ”، ضمن تقرير عَدَلَ فيه عن تفضيل ديون الأسواق الناشئة ذات المخاطر المرتفعة والعوائد السخية على الأوراق المالية ذات الدرجة الاستثمارية.. وبحسب موقع السرق بلومبيرغ فإن استراتيجيو “مورغان ستانلي” يرون أن الانتخابات الرئاسية المرتقبة في شهر ديسمبر، من شأنها إضعاف قدرة مصر على السير قُدما في تنفيذ برنامجها للإصلاح الاقتصادي.

وتبلغ الفوائد التي تدفعها مصر على ديونها حاليا 7% من الناتج المحلي الإجمالي، من المرجح أن تزيد خلال العامين المقبلين بوتيرة أسرع، وهذا سيؤدي إلى تفاقم العجز، وفق ما صرّح به نائب مدير إدارة شئون المالية العامة بالصندوق.

وطبقا للموقع السابق ذكره، فإن تصنيف مصر الحالي من قبل وكالة “موديز” ينخفض درجتين عن التقييم الذي حصلت عليه البلاد من “إس أند بي غلوبال ريتنغز” و”فيتش ريتنغز”.. من المعروف أن السندات الحاصلة على تصنيف (Caa)، يُنظر إليها على أنها “ذات طابع مضاربي، وموقف ضعيف، وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية للغاية” حسب تقديرات لوكالة “موديز”. كما أثار التحرك الأخير أيضا مخاوف من أن تجري “فيتش” و”إس أند بي” مزيدا من الخفض، وفق تقارير لبنك سنغافورة.

كل ذلك كان من شأنه ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية إلى 41 جنيها، في حين هبطت السندات المصرية الدولارية في الأسواق العالمية، لتصبح بين أكبر الخاسرين في الأسواق الناشئة، معمّقة تراجعها إلى مستويات منخفضة قياسية بلغت حوالي 50 سنتا للدولار أو أقل، قبل أن تعود وتقلّص خسائرها.

وكان البنك المركزي قد وجّه الأربعاء الماضي، البنوك العاملة في البلاد بوقف استخدام “بطاقات الخصم المباشر” للعملاء في الخارج، على أن يقتصر استخدامها داخل مصر فقط، دون أن يحدد الفترة الزمنية للعمل بهذا التوجيه، لمواجهة “ندرة العملة الأجنبية التي تعاني منها البنوك، وما رُصد من سوء استخدام لبطاقات الخصم من جانب العملاء خارج البلاد”. بع أن شهدت الأسواق حالة من الذُّعر خلال الأسبوع الماضي بسبب الوضع المتوتر في المنطقة  والذي قفز بحجم السحب إلى معدلات غير مسبوقة.

يبدو أن مؤشرات تعافي الاقتصاد المصري من أزمته الممتدة- تتراجع يوما بعد يوم في ظل عدم إيجاد حلول بحجم المشكلة.. فكيف سيتصدى الرئيس السيسي لتلك التحديات في فترة رئاسته الجديدة – وفق التقارير التي تؤكد حسمه للسباق الرئاسي- في ظل أوضاع اقتصادية داخلية بالغة الصعوبة وظرف إقليمي خطير.. واستقطاب دولي يفرض على مصر مزيدا من الخيارات الصعبة؟

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock