على مدى عشرة أيام استمر العدوان الوحشي البربري الصهيوني على قطاع غزة مُخلِّفا آلاف الضحايا.. خلال تلك الفترة تحدّث قادة العدو عن خيارات مفتوحة في عملية انتقام موسَّعة تطال المدنيين العزل، في قطاع غزة.. ردا على الهجوم المظفر الذي أنجزته المقاومة الفلسطينية منذ صباح السابع من أكتوبر الجاري.
وفي ظل دعم غربي واسع، وصمت عربي مريب.. فُتح المجال واسعا أمام قادة العدو للتبجح بالقوة الباطشة، ومدى ما يمكن ان تُحدثه آلتهم الحربية من أثر تدميري، يعيد صياغة المنطقة بأسرها وفق معطيات جديدة.. وفي فورة الحماس الصهيوني.. انتقل الحديث عن اجتياح بري لقطاع غزّة للقضاء -بشكل نهائي- على المقاومة الفلسطينية.. إلا أن هذا الأمر سرعان ما تم التراجع عنه بسببٍ مُعلنٍ هو سوء الأحوال الجوية، وعدم ملاءمتها للاجتياح.. ولأسباب أخرى غير مُعلنة تتعلق بفداحة الثمن الذي من الممكن أن يدفعه المحتل، إذا هو أقدم بصلفٍ على تلك الخطوة غير مأمونة العواقب.
فالمعروف أن الجيوش النظامية لا قِبل لها بحرب المُدن، وقد أثبت جنود جيش الدفاع غيرَ مرةٍ أنهم يصبحون فرائس سهلة للمقاومين في مثل تلك الظروف.. كما أنه في حين وقوع خسائر بشرية بأعداد كبيرة في ذلك الاجتياح المزعوم؛ لن يتحمل الداخل الصهيوني.. خاصة أن أعداد القتلى والجرحى خلال الأيام العشرة الأخيرة لم يعرفه الكيان المؤقت منذ حرب أكتوبر/ تشرين 1973.
التكلفة الباهظة للحرب التي قُدِّرت بما لا يقل عن 27 مليار شيكل (6.8 مليارات دولار) حتى الآن، وفقا للتوقعات الأولية لبنك هبوعليم الإسرائيلي التي تأخذ في الاعتبار الاستدعاء الكبير والواسع النطاق لـ 300 ألف جندي احتياطي تركوا وظائفهم للتوجه لميدان المعركة، فيما اعتبر أكبر تعبئة منذ حرب عام 1973.
ومن المعروف أن المجتمع الصهيوني يعاني من مشكلات جمة تتعلق بطبيعته الطبقية، والتباين الكبير بين فئاته ثقافيا واجتماعيا وعقديا ومن كافة النواحي.. إلا أن الجميع يذهبون إلى أن الوضع الاقتصادي في ظل الحرب التي من المتوقع أن يطول أمدها- مهدد بخسائر غير مسبوقة.
منذ اليوم الأول الذي سقطت فيه صواريخ المقاومة في محيط مطار بن جوريون الدولي ألغت بعض شركات الطيران رحلاتها إلى الأرض المُحتلة، أما الطائرات التي كانت على وشك الهبوط في مطار بن جور يون، فقد غيَّرت وجهتها إلى مطار لارناكا في قبرص، أو إلى مطار إسطنبول أو عادت من حيث جاءت كما في طائرات روما.. وألغيت معظم الحجوزات المستقبلية في الفنادق، وهو ما يمثل ضربة للسياحة التي يعتمد عليها العدو كثيرا (2 مليون وستمئة وسبعون ألف سائح سنويا) وقد بلغت عائدات السياحة العام الماضي، ما يقدر بنحو ثلاثة مليارات وستمئة مليون يورو.
في اليوم الثاني للحرب هبط مؤشر البورصة بنحو 35 نقطة، بنسبة وصلت إلى 6.65% خلال التعاملات، قبل أن يهبط عند الإغلاق إلى 8.04%.. ليتراجع الشيكل إثر ذلك إلى أدنى مستوياته منذ سبع سنوات.. كما انخفضت أسعار السندات الحكومية بنسبة 3%.. وقد هبطت أسهم شركتي طيران العال ويسرائر، مع إغلاق تداولات بورصة تل أبيب بنسبة 16% فيما هبط مؤشر البنوك 9%.
صبيحة اليوم الثالث للحرب، وبعد أن أعلنت الحكومة حالة الحرب، أكدت 42 شركة طيران أميركية وكندية تعليق رحلاتها إلى إسرائيل إلى أجل غير مُسمى.. بالتزامن أعلنت شيفرون الأميركية، المشغلة لحقل تمار بالبحر المتوسط، أنها علّقت عمليات إنتاج الغاز الطبيعي من الحقل حتى إشعار آخر.. في حين واصل الشيكل تراجعه ليصل إلى نحو ربع دولار، وهو ما لم يحدث منذ ديسمبر 2015، رُغم عدد من الإجراءات التي اتخذتها حكومة نتنياهو التي ضخت 45 مليار دولار سيولة نقدية في الأسواق لحماية الشيكل.
وكان من التأثيرات المباشرة للحرب أن أعلن أصحاب المطاعم عن توقف العمل بمحالهم، كما أعلنوا أنهم لن يدفعوا الضرائب عن تلك الفترة التي ربما تمتد، بدءا من 15 أكتوبر.
السياسات المتبعة في هذا الظرف الخطير من جانب وزير المالية – تهدد بتدمير الاقتصاد وخسارة الحرب في آن.. هذا ما ذهب إليه محللون اقتصاديون في موقع “ذا ماركر” الصهيوني، في حين رد مسئولو المالية بأن هذا الحديث سابق لأوانه؛ خاصة في ظل الدعم الأمريكي والأوروبي غير المسبوق للكيان الغاصب في حربه الإجرامية على قطاع غزة.
ليس بخاف على أحد ما تفتقر إليه المجتمعات الاستيطانية التي تنشأ غصبا على أرض الغير- من لُحمة وجلد تدفع إلى الصمود في مثل هذه الظروف.. لذلك فإن المجتمع الصهيوني لن يتحمل مزيدا من الانهيار الاقتصادي، كما أنه لا قبل له بحرب طويلة الأمد، إذ تمثل قوات الاحتياط أكثر من 60% من قوام جيش الدفاع، كما أن المجتمع “الهش” غير قادر على تحمّل المزيد من القتلى.. مع تزايد الانقسام الداخلي، واتهام نتنياهو بالتسبب في الكارثة، بعد أن سخّر كافة أجهزة الدولة لمصالحه الشخصية، وجعل عداءه لبعض قادة الجيش عاملا مؤثرا في توتر الأجواء داخل مقر قيادة الجيش، ما أسهم في حالة الارتباك الكبيرة التي ساهمت بدور ملموس في وقوع الكارثة؛ رغم توارد الأخبار حول هجوم وشيك على نطاق واسع ستشنه المقاومة الفلسطينية.
لا يدل إقدام العدو أمس الثلاثاء على قصف المستشفيات؛ إلا على اليأس والإرهاب الذي تمارسه تلك العصابات الإجرامية التي تحكم الكيان المؤقت.. هم ليسوا قادرين على أي شيء سوى تلك الممارسات البربرية.. أما على كافة الاصعدة فهم منهزمون – بإذن الله- وستنتصر المقاومة، وسيكون هذا النصر هو العامل الأكبر في تغيير الحسابات على الأرض إن شاء الله.. تحسبونه بعيدا وهو عند الله قريب.