رؤى

الفصائل العراقية المسلحة.. وتداعيات الحرب على غزة

في خطوة تبدو لافتة، قام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بجولة إقليمية، بدأها بزيارة طهران، الاثنين 6 نوفمير، وأتبعها إلى عواصم عربية في الخليج، تتمحور حول تطورات الأحداث والحرب الدائرة في غزة.

اللافت في هذه الجولة، أنها تأتي على خلفية تداعيات الحرب على غزة؛ فقد فرضت هذه الحرب تداعياتها القوية على العراق، مثله في ذلك مثل تداعياتها على دول عربية وإسلامية متعددة. إلا أن تلك التداعيات قد تجاوزت في العراق، المواقف الرسمية والشعبية للعراقيين، الرافضة للحرب والعدوان على قطاع غزة؛ لتشمل مواقف -وهذا هو اللافت في الأمر- ذات بُعد عسكري، يختص بالفصائل العراقية المسلحة، التي تُقدم نفسها بأنها جزءٌ من “محور المقاومة”، الذي يتمدد في دول أخرى بالمنطقة.

يأتي موقف الفصائل المسلحة العراقية، من الحرب على غزة، ليحمل ويتضمن تداعيات سياسية على الواقع العراقي؛ بل وعلى الدول التي تتمدد فيها هذه الفصائل، مثل سوريا.. ولعل أهم هذه التداعيات هي التالية:

أولا: التحدي المستمر للحكومات العراقية المتتالية؛ فمع نهاية عام 2017، وبعد إعلان القضاء على تنظيم داعش، نشطت عشرات الفصائل العراقية المسلحة، وأبرزها تلك المرتبطة بإيران؛ خاصة أن تلك الفصائل قد جرى تأطيرها ضمن الحشد الشعبي، الذي كان قد تأسس أثناء الفترة التي سيطر فيها داعش على أجزاء من العراق. ومع ما قامت به الفصائل من مواجهة داعش، والمساهمة في اندحاره، حصلت على تسليح ضخم ونفوذ واسع داخل الساحة العراقية.

ورغم انهيار داعش، إلا أن هذه الفصائل العراقية، وجدت الفرصة في استمرار تواجدها، ضمن هذا المحور الذي يتمدد خارج العراق، في إطار ما يُطلق عليه “محور المقاومة”، والاحتفاظ بأسلحتها خارج إطار الدولة العراقية؛ فضلا عن الاحتفاظ بهياكلها التنظيمية ومواردها المالية.

ولعل هذا الانتشار لتلك الفصائل، لم يشكل فقط تحديًا مستمرًا للحكومات العراقية، حتى بعد إقرار شرعية الحشد الشعبي، واعتباره جزءًا من القوات الأمنية العراقية، منذ عام 2018؛ ولكنه أدّى أيضا إلى ما نراه حاليًا من خلاف مع الحكومة العراقية، واختلاف مع الخطاب الرسمي العراقي الراهن بخصوص حرب غزة.

ثانيًا: الاختلاف بين المكونات المجتمعية العراقية؛ إذ يأتي الخلاف داخل ما يمكن تسميته “البيت الشيعي” في الداخل العراقي؛ ليُضاف إلى عددٍ من الخلافات بين الفئات المجتمعية العراقية، بخصوص الحرب على غزة.. ففي شأن كيفية مواجهة تداعيات هذه الحرب، وفي ظل “صمت الرفض” للانخراط في الحرب الذي ينتاب المكونات السُنية والكردية، فقد انعكس الخلاف الشيعي على عدم قدرة البرلمان، على عقد جلسةٍ تلبيةً لدعوة زعيم التيار الصدري، مقتضى الصدر، بشأن إصدار قرار برلماني بغلق السفارة الأمريكية في بغداد؛ رغم جمع التوقيعات اللازمة لعقد الجلسة.

والمُلاحظ، أن هذا الخلاف، بين الصدر وأتباعه، وقوى الإطار التنسيقي الشيعي، يتمثل في أن هذه الأخيرة تريد الاكتفاء بإخراج الأمريكيين من العراق بالوسائل الدبلوماسية، مع إبقاء السفارة؛ من حيث إنها -أي قوى الإطار- ترى أن غلق السفارة يُعد بمثابة “إعلان حرب” ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يضع العراق أمام مجموعة من الإشكاليات التي يصعب الخروج منها.

لا تتوقف تداعيات موقف الفصائل المسلحة العراقية، من الحرب على غزة، على التداعيات السياسية على الواقع العراقي؛ بل تتجاوز ذلك إلى تداعيات عسكرية أيضا.. ولعل أهم هذه التداعيات هي التالية:

أولا: اختلاف موقف الفصائل عن الموقف الرسمي؛ ويبدو هذا الاختلاف بوضوح، ليس فقط عبر التغيير الحاصل في لهجة الخطاب الرسمي العراقي، بخصوص الحرب على غزة؛ ولكن أيضا في إعلان بعض الفصائل العراقية ما أسمته “تحرير العراق عسكريًا”. إذ بعد يوم واحد من إعلان الحوثيين في اليمن شن المزيد من الهجمات على إسرائيل، أعلنت “حركة النجباء”، وهي إحدى الفصائل المسلحة العراقية، ما قالت إنه “تحرير العراق” من بوابة الاستهداف المُعلن للوجود العسكري الأمريكي في البلاد.

ورغم تبرير ذلك بأنه يأتي ردًا على “دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في عدوانها على غزة”؛ إلا أنه يُعبر أيضا عن مدى الاختلاف الجذري الحاصل، بين موقف الفصائل المسلحة في العراق من الحرب على غزة، والموقفين الرسمي والشعبي بشكل عام، حيث تتصرف تلك الفصائل بمعزل عن الدولة والحكومة؛ هذا رغم أن جميع هذه الفصائل تقريبًا، تنخرط ضمن مظلة قوى “الإطار التنسيقي” الذي يُشكل حكومة السوداني.

ثانيًا: التدهور المتوقع للعلاقات مع الولايات المتحدة؛ إذ يمكن لاستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أن يؤثر على عدد من دول المنطقة، خاصة تلك التي توجد في داخلها فصائل تمتلك قدرات عسكرية ونفوذ سياسي، مثل لبنان وسوريا والعراق، فضلا عن اليمن؛ ومن ثم، فإن مشاركة هذه الفصائل، أو بعضها، في الحرب ضد إسرائيل كما تُعلن وتتوعد، حتى ولو “رمزيًا”، يعني انجرار هذه الدول إلى الحرب بشكل أو بآخر.

وبالرغم من أن العراق يبدو أقل حدة من لبنان وسوريا، على الأقل من منظور عدم وجود حدود مباشرة له مع إسرائيل؛ إلا أن انتقال بعض الفصائل العراقية المعنية بالحرب، إلى سوريا ولبنان للقيام بذلك، يعني أن إشكاليات هذه المشاركة سوف تقع على عاتق الحكومة العراقية، وأن التداعيات التي سيكون على الحكومة تحملها ليست بالهينة؛ خاصة أن الحكومة لن تستطيع منع هذه الفصائل من الحركة.

وبالتالي، فالتداعيات سوف تتعلق بشكل أساسي بالتدهور المتوقع للعلاقات مع الولايات المتحدة؛ بما يعنيه ذلك من متاعب سياسية واقتصادية، على الحكومة العراقية مواجهتها؛ خاصة أن جميع الأموال العراقية من مبيعات النفط محفوظة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ويمكن لواشنطن أن تقوم بتعطيل صرفها أو حجبها.

في هذا السياق يُمكن القول بأن الفصائل المسلحة في الداخل العراقي، تُمثل نمطًا من القوى العابرة لحدود الدولة العراقية؛ فهي تحتفظ لنفسها بالحق في اختياراتها وأجنداتها ومصادر قوتها، خارج رقابة الحكومة العراقية؛ وبالرغم من أن بعض هذه الفصائل، يُعتبر جزءًا من تحالف القوى الشيعية الذي يستند إليه تشكيل حكومة السوداني الحالية؛ إلا أن قيادات مهمة في ذلك الحشد، تتزعم بعض الفصائل التي تعمل بشكل منفرد بعيدًا عن الحشد والدولة ورئيس الوزراء.

ولعل أهم هذه الفصائل، التي تعمل بشكل منفرد، ولها ارتباطات وثيقة بإيران، هي كتائب “حزب الله العراقي”، الذي يتولى زعيمه عبد العزيز المحمداوي، منصب رئيس أركان الحشد الشعبي؛ إضافة إلى حركة “حزب الله النجباء”. ومن المعلومات المتوافرة، فإن كل من هذين الفصيلين على علاقة وثيقة عملياتية وتنظيمية مع حزب الله اللبناني، كما شاركت في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب الحكومة السورية.

ورغم اعتراض الحكومة العراقية، فإن سلوك هذين الفصيلين، باستهداف القوات الأمريكية في العراق وسوريا، يأتي تأكيد على الاختلاف مع الحكومة العراقية؛ وأنهما يعتمدان على كونهما قوى عابرة لحدود الدولة العراقية، وبعيدا عن قراراتها الرسمية.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock