رؤى

التواجد العسكري الأمريكي في العراق.. مشكلات وتداعيات

رغم إعلان بغداد -منذ أيام- أنها بدأت عملية سياسية تستهدف إنهاء مهمة التحالف العسكري، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في العراق؛ إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أعلنت الاثنين 8 يناير الجاري، إنها “لا تُخطط حاليًا لسحب قواتها ـ البالغ عددها 2500 جندي ـ من العراق”، وذلك اعتمادا على أن “القوات الأمريكية موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية”.

وكما يبدو، فإن إعلان البنتاغون “عدم سحب” القوات الأمريكية، دونما تحديد سقف زمني للتواجد العسكري الأمريكي هناك، سوف يكون له تداعيات مؤثرة على الداخل العراقي، بشكل يتضمن أبعادا متشابكة، في مقدمتها: المحاولة الأمريكية لتأكيد قانونية التواجد العسكري لها في العراق؛ وذلك كمقدمة لمحاولتها تحويل هذا التواجد من المؤقت إلى الدائم.

مشكلات متعددة

تتعدد مشكلات الإصرار الأمريكي على التواجد العسكري في الداخل العراقي، وتتشابك بناءً على إعلان البنتاغون الأخير.. وذلك كما يلي:

أولًا: المحاولة الأمريكية في تحويل التواجد المؤقت إلى وجود دائم؛ إذ رغم الفارق الكبير بين حجم القوات الأمريكية الحالي، وبين ما كانت عليه هذه القوات في السابق؛ إلا أن الحفاظ على وجود دائم في العراق يُمثل أهمية كبرى بالنسبة إلى الاستراتيجية الأمريكية عمومًا، واستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص. ومن ثم، تتضح الرغبة الأمريكية في “عدم سحب” قواتها من العراق؛ بما يؤشر إلى المحاولة في تحويل الوجود العسكري لها، إلى وجود دائم في العراق.

ولنا أن نُلاحظ مثلا، أن قاعدة “عين الأسد” في العراق، حسب بعض التقارير، تُعد قاعدة عملاقة من حيث البني التحتية؛ بل، وتتفوق تقنيًا على قاعدة “أنجرليك” في تركيا بما يُمثل “ثلاثة أضعاف”؛ وبالتالي لن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية منها. هذا بالإضافة إلى أن مسألة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، لا ترتبط فقط بالعلاقات الأمريكية العراقية، وإنما أيضًا بالموقف الاستراتيجي الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط.

ثانيًا: التأكيد الأمريكي على قانونية التواجد العسكري في العراق؛ حيث يأتي الإعلان عن عدم سحب القوات الأمريكية من العراق، بمثابة تأكيد على قانونية هذا التواجد العسكري؛ من منظور أن القوات الأمريكية كانت قد دخلت إلى العراق، بطلب من الحكومة العراقية، في يونيو 2014، وذلك عقب سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من البلاد.

ورغم أن العراق كان قد أبرم اتفاقية “الإطار الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة، في عام 2008؛ وهي الاتفاقية التي انسحبت على أساسها القوات الأمريكية من العراق، في عام 2011؛ فإن مما له دلالة -بهذا الخصوص- رسالة إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي، في 20 سبتمبر 2014، التي أرسلها إلى الولايات المتحدة، وأكد فيها على أن العراق “وفقًا للقانون الدولي، والاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف ذات الصلة، ومع المراعاة الواجبة للسيادة الوطنية والدستور العراقي، طلب من الولايات المتحدة الأمريكية أن تقود الجهود الدولية، من أجل ضرب مواقع داعش”، بما يُمثل موافقة صريحة عراقية.

ثالثًا: تدعيم التقارب الأمريكي مع الإقليم الكردي؛ إذ تأتي حكومة إقليم كردستان العراق، ضمن أكثر الأصوات العراقية التي تُطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق؛ وذلك اعتمادًا على مُساندة القوات الأمريكية للإقليم، عندما وصل تهديد “داعش” إلى تخومه. هذا، فضلا عن طبيعة العلاقات المتميزة بين الإقليم والإدارات الأمريكية المختلفة.

ويتأكد تدعيم هذا التقارب، من احتمال أن الولايات المتحدة، في حال أجبرت على الانسحاب من الداخل العراقي؛ أن تلجأ إلى سحب قواتها ونقل قواعدها العسكرية، ومستشاريها العسكريين في العراق، إلى شمال العراق في الإقليم الكردي.

تداعيات سلبية

لعل أهم التداعيات التي سوف تنتج عن الإصرار الأمريكي، على التواجد في العراق، هي تلك التداعيات السلبية على الداخل العراقي.. وذلك كما يلي:

فمن جانب، هناك التصدع  في “سياسة التوازن” للحكومة العراقية؛ حيث يبدو أن محاولات رئيس الوزراء العراقي، وحكومته، في إدارة حالة من التوازن في ما يرتبط بالصراع في الداخل العراقي، وخارجه أيضا بين واشنطن وطهران؛ قد بدأ في التصدع؛ خاصة مع وصول التصعيد المتبادل بين الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران، وبين الولايات المتحدة الأمريكية، في العراق، إلى حدود غير مسبوقة مؤخرًا.

وقد ظهر هذا التصدع، بوضوح، بعد الهجوم الأمريكي الأخير، في 4 يناير الجاري، الذي استهدف القيادي في حركة “النجباء”، مشتاق السعيدي؛ إذ ظهرت تصريحات الحكومة العراقية لتُبين حجم الاستنفار الكبير لحلفاء إيران في داخل العراق، خاصة في بيانها الذي أكدت فيه بأنها “تعمل على إنهاء مهمة التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، في البلاد”.

من جانب آخر، يبدو تنامي الانقسام السياسي على الساحة العراقية؛ فمع إظهار الحكومات العراقية المتتالية، الرغبة في استمرار وجود دعم عسكري أمريكي متواصل في العراق؛ إلا أن عدد من الفعاليات السياسية العراقية، خاصة تلك التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران، تُعارض أي تواجد أمريكي، وتحديدًا العسكري؛ من منظور انتهاء تهديد تنظيم “داعش”.

وهذا الانقسام بشأن الوجود العسكري الأمريكي، يتنامى في إطار “عدم قانونية” العمليات العسكرية الأمريكية ضد الفصائل العراقية المسلحة. إذ يعتمد المعارضون للوجود الأمريكي، وللعمليات العسكرية الأمريكية، داخل العراق، على وجوب إعطاء الدولة المُستقبِلة للقوات الأمريكية، وهي الدولة العراقية، “موافقة صريحة” والتعبير عن هذه الموافقة فعليًا؛ وهو ما لم يحدث، مُقارنة بالموافقة العراقية على العمليات العسكرية الأمريكية ضد “داعش”.

من جانب أخير، احتمال تصاعد مواجهة الفصائل العراقية للقوات الأمريكية؛ وهو الاحتمال الأرجح، في ظل إعلان البنتاغون الواضح “عدم سحب” القوات الأمريكية من العراق؛ إذ أصبحت الدعوات العراقية الداخلية، لاسيما من الجماعات والفصائل الشيعية، لانسحاب الولايات المتحدة مُرشحة للتصاعد؛ في ظل الإصرار الأمريكي على التواجد.

وكما يبدو، فإن مواجهة القوات الأمريكية، من جانب تلك الفصائل، سوف يتصاعد؛ من حيث اعتماد هذه الأخيرة على الاستشهاد بالقرار البرلماني ـ غير المُلزم للحكومة العراقية ـ بانسحاب الولايات المتحدة من العراق؛ هذا فضلا عما تعتبره الفصائل العراقية الشيعية من أن الوجود الأمريكي تحت مُسمى “الاستشارات والتدريب”، ما هو إلا إصرار على التواجد تحت مُسميات مُتعددة، ومختلفة.

ورقة ضغط

في هذا السياق، يُمكن القول بأن الإدارة الأمريكية الحالية، على خلاف الإدارة السابقة، إدارة دونالد ترامب، ليس لديها الرغبة في الانسحاب العسكري من العراق، باعتباره أحد الأوراق المهمة في الضغط الأمريكي على إيران؛ في ظل تمدد الأخيرة في المنطقة، وفي عدد من دولها، ومن بينها العراق. ونتيجة لعدم وجود توافق وطني عراقي داخلي، على مسألة الانسحاب الأمريكي، يمكن توقع أن يتزايد الاستقطاب العراقي السياسي، حول ضرورة الوجود الأمريكي كـ”ثقل مواز” للنفوذ الإيراني.

وبالتالي، يبدو أن التفاعلات الداخلية سوف تنطلق باتجاه فرض سياسات بعيدة عن مسار “التوازن” الذي كان مُتبعًا من قبل حكومة السوداني؛ خاصة أن وجود فصائل غير خاضعة لإرادة السلطة الحاكمة، يُمثل إشكالية كبرى لحكومة السوداني الحالية.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock