في تطور لافت.. أصبح البحر الأحمر في بؤرة الاهتمام العالمي، ليس فقط لقيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بشن هجوم على أكثر من 60 هدفًا تابعًا لجماعة الحوثي في اليمن، فجر الجمعة 12 يناير الجاري؛ ولكن أيضًا لأن الهجوم الأمريكي كان تاليًا لقرار مجلس الأمن رقم 2722، الصادر بتاريخ 10 يناير الجاري، بتأييد 11 عضوًا، وامتناع 4 أعضاء عن التصويت على القرار، هم: روسيا والصين وموزمبيق.. والجزائر.
والمُلاحظ أن الجزائر لم تكتف بالامتناع عن التصويت، بالنسبة إلى قرار مجلس الأمن؛ ولكنها- فضلا عن ذلك- أعربت عن “القلق البالغ والأسف جراء القصف الأمريكي البريطاني، الذي طال عدة مدن في اليمن”، وذلك في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، الجمعة 12 يناير؛ بما يؤشر إلى أن هناك ثمة دوافع تستند إليها الجزائر، في موقفها ذاك.
تتعدد العوامل التي تستند إليها الجزائر، في امتناعها عن التصويت على “إدانة الهجمات التي يشنها الحوثيون”.. وذلك كما يلي:
أولا: تأكيد العلاقة بين الحرب على غزة وتحركات الحوثيين في البحر الأحمر؛ ففي كلمته أمام مجلس الأمن، خلال جلسة التصويت، قال عمار بن جامع، الممثل الدائم للجزائر في الأمم المتحدة: “لا يُمكن تجاهل المشاعر التي أُثيرت في العالمين العربي والإسلامي، بسبب الانتهاكات في غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 23 ألف شخص، على مدار 3 أشهر”.
وإضافة إلى إشارة بن جامع إلى أن قرار الجزائر في الامتناع عن التصويت، يأتي “تفاديًا للارتباط بنص يتجاهل 23 ألف من الأرواح المفقودة في غزة”؛ فقد أكد في كلمته على أن “الوفد الجزائري عمل بشكل نشط مع مُقدمي مشروع القرار، حتى يتسنَّى لمجلس الأمن النظر في الرابط البديهي بين هجمات الحوثيين على السفن التجارية، المارة في البحر الأحمر، وبين ما يحدث في غزة منذ 3 أشهر”.
ثانيا: رفض التدخل العسكري في اليمن؛ إذ يأتي الامتناع الجزائري عن التصويت، على قرار مجلس الأمن، كنتيجة لما يتضمنه قرار مجلس الأمن، من التلويح بإمكانية التدخل العسكري في اليمن؛ خاصة أن البند الرئيس في القرار ينص على “حق الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقًا للقانون الدولي، في الدفاع عن سفنها من الهجمات”.
وقد اعتبرت الجزائر أن هذا البند بمثابة دعم لعملية “حارس الازدهار”، التي تُمثل قوة عمل بحرية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل هذا ما تبدَّى بوضوح في بيان وزارة الخارجية الجزائرية، الجمعة 12 يناير الجاري، إزاء الضربات الأمريكية البريطانية على أهداف لجماعة الحوثي في اليمن؛ وهو البيان الذي وصف هذه الضربات بأنها “تصعيد خطير”، سيؤدي إلى “تقويض الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة ودول المنطقة، من أجل إيجاد حل للصراع في اليمن”.
واللافت أن ممثل الجزائر في المنظمة الدولية، كان قد اعتبر أن “أي تدخل في اليمن، يُمكن أن يحمل في طياته عددًا من المخاطر، من شأنها القضاء على الجهود الأممية الحثيثة لتهدئة التوترات في المنطقة”؛ مُضيفًا أن مثل هذا التدخل “قد يحمل تقويض الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة في السابق، وخاصة من المبعوث الأممي هانس غروندبرغ”.
ثالثًا: التأكيد الجزائري على الحل السياسي للأزمة اليمنية؛ فإضافة إلى ما تضمنه بيان الخارجية الجزائرية، جراء الضربات الأمريكية البريطانية على أهداف حوثية في اليمن، خاصة الإشارة إلى أن الحوثيين “هم طرف أساسي في المعادلة السياسية اليمنية”؛ فقد ذكر بن جامع، ممثل الجزائر في الأمم المتحدة، في كلمته أمام مجلس الأمن، بدور المفاوضات الأخيرة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، في بعث “الكثير من الآمال بالمنطقة، مع فتح آفاق جديدة لتسوية النزاع اليمني”.
وكما يبدو، فقد عبَّر بن جامع عن رؤية الجزائر في ضرورة “الحوار السياسي” لحل الأزمة اليمنية، والتأكيد على أهمية هذه المفاوضات “بشأن احتمال حل الصراع في اليمن”.
أضف إلى ذلك، أن الموقف الجزائري الحالي، إنما يتوافق مع الموقف السابق من “عاصفة الحزم”؛ إذ يأتي الموقف الجزائري من قرار مجلس الأمن، ومن الضربات الأمريكية البريطانية على أهداف للحوثيين في اليمن؛ متوافقًا تمامًا مع موقفها السابق، في عام 2015، من “عاصفة الحزم”، حيث كانت أول بلد عربي، وثاني دولة إسلامية، بعد إيران، تعترض على التدخل العسكري ضد جماعة الحوثي في اليمن. وقد أعلن هذا الموقف الجزائري رسميًا، وزير الخارجية آنذاك، رمطان لعمامرة الذي أكد على “رفض الجزائر لهذه العملية” (عاصفة الحزم)، وأن “الجزائر لن تُشارك فيها”.
رابعًا: التماهي مع مواقف كل من روسيا والصين؛ حيث يأتي الموقف الجزائري في الامتناع عن التصويت، على قرار مجلس الأمن، ليتماهى مع الموقفين الروسي والصيني، فضلا عن موقف موزمبيق أيضًا، في الامتناع عن التصويت.
ومثلما أرادت روسيا، التي اقترحت ثلاثة تعديلات على القرار، من بينها أن من بين العوامل التي تُساهم في التوترات “الصراع في قطاع غزة”، ولكنها لم تنجح في إضافة هذه التعديلات؛ فقد تماهى الموقف الجزائري مع الموقف الروسي، ليس فقط في الامتناع عن التصويت؛ ولكن أيضًا في الربط بين هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وبين ما يحدث من حرب على غزة.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن الامتناع الجزائري عن التصويت، على قرار مجلس الأمن رقم 2722، في الوقت الذي يتوافق فيه مع رفض الجزائر لأي تدخل عسكري في اليمن؛ فهو، في الوقت نفسه، يأتي لتماهى مع مجموعة مواقف روسيا والصين وموزمبيق.
ورغم ما يعتبره البعض من أن الجزائر -في موقفها هذا- تُغرد في “سرب إيران”، خاصة في محاولة ربط هجمات الحوثيين، بما يحدث في غزة؛ فإن اللافت أن الموقف الجزائري هذا، كان قد عبّر عنه الرئيس عبد المجيد تبون، الأربعاء 3 يناير الجاري، في مؤتمر صحافي مع رئيس سيراليون جوليوس مادا بيو، الذي كان يزور الجزائر، حيث صرّح تبون بأن “الجزائر وسيراليون، باعتبارهما عضوين غير دائمين في مجلس الأمن، سيعملان سويًا على دعوة مجلس الأمن لتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية تجاه الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني”؛ وهو ما يُمثل موقفُا سياسيًا واضحًا للجزائر.