رؤى

حول مفهوم الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان)

يرى معظم المتخصصين في العلوم الاجتماعية أن التطورات النوعية التي أحرزتها الانثروبولوجيا، في دراسة المجتمعات الإنسانية، بدايةً من الإثنوغرافيا والإثنولوجيا وصولا إلى مرحلة تأسيس الأنثروبولوجيا العامة، قد ساعد على منحها مكانة بارزة في مجال دراسة المجتمعات البدائية ونشر الثقافة الحداثوية والتقنية فيها، وتغير مسار العلاقة القائمة ما بين دول الشمال والجنوب من السيطرة الاستعمارية إلى المثاقفة والتأثير والتنوير والاستقلال الذاتي.

انقسمت المدارس الأنثروبولوجيا بكل ما تحمل من توجهات وأهداف إلى حقل علمي وأربعة مدارس هي: (الإنجليزية والألمانية والفرنسية والأمريكية) تتنوع أسسها النظرية والمنهجية وزاوية اقترابها من الواقع المدروس ما بين التطورية والمادية التاريخية والوظيفية والبنيوية والانتشارية والأنثروبولوجيا الفلسفية والوجودية… إلخ.

وقد ساد تصور إيجابي في الأوساط الأكاديمية حول الإنجازات غير المسبوقة التي حققتها الأنثروبولوجيا في مجال دراسة نشأة الإنسان والتطورات التي لحقت به، ودراسة وتحليل وتفسير الأنظمة الثقافية والاجتماعية في المجتمعات البدائية؛ بهدف فهم آلية عمل عاداتها وتقاليدها التي قد تبدو غريبة، هذا إلى جانب التركيز على المعتقدات الغيبية والمثيرة التي توجه مجمل الحياة الاجتماعية، وتعمل على تماسكها وتحقيق الاستقرار فيها، ما مهد الطريق إلى معرفة بنية تلك المجتمعات وتحديد الكيفية التي تدرجت بها الإنسانية خلال مراحل تطورها؛ حتى وصلت على ما هي عليه في المجتمعات المتقدمة والمعاصرة، كما ساعدت الأنثروبولوجيا في تحديد الأطر الحضارية للمجتمعات الإنسانية؛ لمعرفة عوامل وأسباب التغير الاجتماعي ومقارنتها بالمجتمعات المعاصرة لاستنتاج مؤشرات وتوقعات اتجاه التغير المحتمل في الظواهر الإنسانية، وبالتالي إمكانية التنبّؤ بمستقبل الجماعات البشرية التي أجريت عليها الدراسة.

وعلى العموم يسعى هذا المقال إلى توضيح مفهوم الأنثروبولوجيا وأهدافها وظروف نشأتها والأقسام الرئيسية التي تتفرع إليها من خلال استعراض العناصر التالية:

1- تعريف الأنثروبولوجيا: بالرغم من قدم مصطلح الأنثروبولوجيا في تاريخ المعرفة الإنسانية، إلا أن استعمالها بدأ فعليا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث ازداد الاهتمام بها وبالأخص في الأوساط الثقافية الأنجلوسكسونية*، وكان هذا الاهتمام مُنصبًّا على الأنثروبولوجيا البيولوجية أو الفيزيائية، أي أن الجسد كان محور اهتمامات الدراسات الأنثروبولوجيا ومركزها. وبعد ذلك جُمِعَ الموضوعين كليهما في موضوع واحد سمي بالأنثروبولوجيا الاجتماعية.

اصطلاحيا، يرجع مفهوم الأنثروبولوجيا إلى الكلمة يونانية المكونة من شقين أساسيين هما: الإنسان Anthropo   وعلم  Logy، وتعني علم الإنسان وهو علم من العلوم الإنسانية الذي يهتم بدراسة مظاهر حياة الإنسان دراسة كلية وشمولية، كما يهتم بدراسة الإنسان من حيث قيمه (الجمالية، الدينية، الأخلاقية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية) ومكتسباته الثقافية، وهو علم يركز على كل ما هو بدائي وبسيط في حياة الإنسان في المجتمعات المعزولة والصغيرة نسبيا.

ولقد تعددت اهتمامات الأنثروبولوجيا في الوقت الراهن، ولم تعد تقتصر على دراسة المجتمعات البدائية فقط ولكن أصبحت تهتم بدراسة مشكلات المجتمع الحديث وخاصة المناطق المتخلفة.

خلاصة القول “هو علم دراسة الإنسان في ثقافته وبنائه الاجتماعي” وهو أيضا “العلم الشمولي الذي يدرس الإنسان وأعماله، الذي تتمحور أبحاثه حول طبيعة الإنسان بوصفه مخلوقا ينتمي إلى العالم الحيواني، ويذكر جاك لومبار أن هذا العلم يهتم بدراسة المجتمعات البعيدة والغريبة، أي دراسة “الآخر” الذي يختلف عن الإنسان الغربي في ثقافته وعاداته وتقاليده، ودرجة وعيه وتقدمه، وهذه إشارة إلى الشعوب البدائية ذات الثقافة البسيطة والتقليدية مقارنة بثقافة الإنسان الأبيض (الغربي)”.

2- أهداف دراسة الأنثروبولوجيا: تسعى الأنثروبولوجيا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن حصرها في الأمور التالية:

أ‌- وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفا دقيقا، وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة المدروسة، وتسجيل كل ما يقوم به أفرادها من سلوكيات في تعاملهم، في الحياة اليومية.

ب‌- تصنيف مظاهر الحياة البشرية الحضارية بعد دراسة واقعية، وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة، في سياق الترتيب التطوري الحضاري العام للإنسان: (بدائي، زراعي، صناعي، معرفي، تكنولوجي).

ت‌- تحديد أصول التغير الذي يحدث للإنسان، وأسباب هذا التغير وعملياته بدقة علمية بالرجوع إلى التراث الإنساني وربطه بالحاضر من خلال المقارنة، وإيجاد عناصر التغيير المختلفة.

ث‌- استنتاج المؤشرات والتوقعات لاتجاه التغير المحتمل، في الظواهر الإنسانية – الحضارية التي تدرس، وبالتالي إمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة.

تنقسم الأنثروبولوجيا عموما إلى أنثروبولوجيا اجتماعية تدرس النظم الاجتماعية والحضارية للإنسان بوصفه صانعا للحضارة والمجتمع، “وهي بذلك تعد أقرب صلةً من حيث الموضوع والمنهج بعلم الاجتماع”، وأنثروبولوجيا ثقافية التي تنقسم بدورها إلى (الإثنولوجيا، اللغويات، علم الآثار القديمة – الحفريات)، وأنثروبولوجيا العضوية (طبيعية أي دراسة الإنسان في مظهره البيولوجي) والفرع الأخير منها يعد أكثر ارتباطا بالعلوم الطبيعية والبيولوجية منه بالعلوم الاجتماعية، “فهو مجال يحاول أن يبحث في أصل الإنسان، باعتباره نوعا ينتمي إلى الجنس، والبحث في الطبيعة وفي مفهوم التطور والأسباب والعلل التي تتحكم في الاختلافات البيولوجية عند الإنسان ومقارنته بالأنواع الأخرى من الكائنات الحية”.

3- ظروف نشأة الأنثروبولوجيا: ظهرت الأنثروبولوجيا خلال القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي خصوصا بعد قيام الرحالة الجغرافيين بتجوال العالم والوصول إلى أماكن بعيدة لم يصلها الإنسان من قبل ومثل هذه الرحلات الجغرافية التي اكتشفت أراضي وقارات جديدة مهدت السبيل للأنثروبولوجيين إلى دراسة شعوب هذه القارات دراسة أنثروبولوجية وصفية تلقي الضوء على عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ونظمهم الاجتماعية ومهنهم وأساليب حياتهم ومعتقداتهم وأديانهم. وقد سجل الأنثروبولوجيون الأخبار والمعلومات والحقائق المفصلة عن المعطيات المادية وغير المادية للمناطق التي درسوها وأحوال شعوبها ومعتقداتهم الدنيوية والدينية. “وهذا يعني أن للأنثروبولوجيا جذورها التي تمتد إلى عصور قديمة، كما أن لها أصولها النظرية التي تشكلت عبر قرون متتالية، إلا أنها اتخذت لنفسها طابعا أكاديميا متخصصا، وبدأت في بلورة موضوعاتها ومناهجها المميزة في نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”.

انشغل علماء الأنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات الصغيرة، التي تختلف في طبيعتها تمام الاختلاف عن مجتمعاتنا من حيث إنها لا تخضع نسبيا للتغير ولا تتوافر عنها سجلات تاريخية، وكانت المناهج المستخدمة في دراستها تتسق مع هذه الحقائق. غير أن هذا الموقف قد تغير في الوقت الراهن. فمعظم المجتمعات البدائية قد تغيرت، وبدأت الأنثروبولوجيا تتجه نحو الاهتمام بنفس المشكلات القيمية التي تهتم بها العلوم الاجتماعية الأخرى مثل علم الاجتماع. وأصبحت النظرة إلى المجتمعات البدائية بوصفها تمثل موضوع الأنثروبولوجيا الاجتماعية أخذت تختفي بصورة واضحة، كما أن انفراد علم الاجتماع بدراسة المجتمعات المتقدمة (دراسة معالم المجتمع والثقافة الغربية) هي مسألة موضع جدل إلى حد ما.

4- أقسام الأنثروبولوجيا: تنقسم الأنثروبولوجيا العامة حسب مجال الاهتمام والبحث إلى ثلاثة أقسام أساسية، وهي كالآتي:

أ- الأنثروبولوجيا الثقافية: لم تظهر الأنثروبولوجيا الثقافية كعلم مستقل عن الأنثروبولوجيا العامة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وربما يعود الفضل في ذلك إلى العالم الإنجليزي إدوارد تايلور 1832-1917، الذي يعد من أهم رواد الأنثروبولوجيا الثقافية؛ فقد عرّف مفهوم الثقافة عام 1871، في كتابه الثقافة البدائية بأنها: “ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع”.

– تعرف الأنثروبولوجيا الثقافية: بأنها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع لـه ثقافة معينة. وعلى هذا الإنسان أن يمارس سلوكا يتوافق مع سلوك الأفراد في المجتمع (الجماعة) المحيط به، يتحلى بقيمه وعاداته ويدين بنظامه ويتحدث بلغة قومه.

ولذلك، فإن الأنثروبولوجيا الثقافية: هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الثقافة الإنسانية، ويعنى بدراسة أساليب حياة الإنسان وسلوكياته النابعة من ثقافته. وهي تدرس الشعوب القديمة، كما تدرس الشعوب المعاصرة.

إذن الأنثروبولوجيا الثقافية، تهدف إلى فهم الظاهرة الثقافية وتحديد عناصرها. كما تهدف إلى دراسة عمليات التغيير الثقافي والتمازج الثقافي، وتحديد الخصائص المتشابهة بين الثقافات، وتفسر بالتالي المراحل التطورية لثقافة معينة في مجتمع معين.

ولهذا استطاع علماء الأنثروبولوجيا الثقافية أن ينجحوا في دراساتهم التي أجروها على حياة الإنسان، سواء ما اعتمد منها على التراث المكتوب للإنسان القديم وتحليل آثارها، أو ما كان منها يتعلق بالإنسان المعاصر ضمن إطاره الاجتماعي المعاش.

– أقسام الانثروبولوجيا الثقافية: على الرغم من تعدد العناصر الثقافية، وتداخل مضموناتها وتفاعلها في النسيج العام لبنية المجتمع الإنساني، فقد اتفق الأنثروبولوجيون على تقسيم الأنثروبولوجيا الثقافية إلى ثلاثة أقسام أساسية، هي: (الأثنولوجيا – علم الآثار – علم اللغويات) وفيما يلي شرح لكل منها :

1) الإثنولوجيا (علم الأقوام أو الأعراق) Ethnology ويختص بدراسة ثقافة المجتمعات الموجودة وقت الدراسة وكذلك الثقافات التي انقرضت بشرط توافر تسجيلات مكتوبة لشهود عاشوا في تلك الثقافات. ويدرس الإثنولوجي كل ثقافة المجتمع أو المجتمعات التي يبحثها، ولذلك يبحث النظم السياسية والاقتصادية والدين والتقاليد والفنون الشعبية وفروع المعرفة والفنون الصناعية وكذلك المثل العليا والفلسفات. وقد اتفق معظم العلماء على إطلاق اصطلاح “إثنوغرافيا”** على الدراسة التي تقتصر على وصف ثقافة مجتمع ما، ويطلق اصطلاح “إثنولوجيا” على الدراسات التي تجمع بين الوصف والمقارنة، فالإثنولوجي يهتم بالمقارنة بين الثقافات التي يصفها الإثنوغرافي، ويهدف الإثنولوجي من تلك المقارنات الوصول إلى قوانين عامة للعادات الإنسانية ولظاهرة التغير الثقافي وآثار الاتصال بين مجموعات أو أشكال على أساس مقاييس معينة.

2) علم الآثار Archeology : يدرس ماضي الإنسان، ويرمي إلى تحديد وتتابع التغير الثقافي على مر العصور، ويهدف كذلك إلى إعادة بناء “عملية تصورية” الحياة الاجتماعية لمجتمعات ما قبل التاريخ. ويوجد اختلاف جوهري بين علماء الآثار وعلماء التاريخ، فبينما يدرس علماء التاريخ الفترات المسجلة كتابة للمدنيات الكبرى في الشرق الأوسط وأوروبا والشرق الأقصى، يهتم علماء الآثار بالفترات والمراحل التاريخية الطويلة التي قضاها الإنسان قبل اكتشاف القراءة والكتابة. ويعتمد عالم الآثار في دراساته على البقايا التي خلفها الإنسان والتي تمثل ثقافاته. وقد توصل العلماء إلى أساليب دقيقة لحفر طبقات الأرض التي يحتمل وجود بقايا حضارية بها، وتوصلوا كذلك إلى مناهج دقيقة لفحص تلك البقايا وتسجيلها وتحديد المواقع التي توجد فيها وتصنيفها للتعرف عليها ومقارنتها ببعضها، ويستطيع علماء الآثار عن طريق تلك المناهج استنتاج الكثير من المعلومات عن الثقافات القديمة وتغيراتها واتصالاتها بغيرها. ويتعاون علماء الآثار في أبحاثهم مع المؤرخين والانثروبولوجيين باختلاف تخصصاتهم، فمثلا يمدهم الإثنوغرافيون والمؤرخون بالمعلومات الخاصة بالثقافات التي جاءت بعد أو نمت عن حضارات ما قبل التاريخ. كما أنهم يستفيدون من أبحاث ودراسات علماء الجيولوجيا وعلماء النبات والحيوان والمناخ في تأريخ وتحقيق هوية البقايا التي يكتشفونها. وكثيرا ما يستخدمون التجارب المعملية لاكتشاف خصائص ومناخ لبقايا “الآركيولوجية”، ولذلك يحتاج عالم الآثار إلى معرفة واعية بالكيمياء والطبيعيات والمهارات الدقيقة. وقد نجح العلماء المحدثون في اختراع وسيلة جديدة لتحديد عمر البقايا بدقة وهي طريقة “الكربون المشع”*** وتعرف باسم  “C14″وكثيرا ما يتعاون علماء الآثار مع غيرهم من العلماء المتخصصين في انثروبولوجيا الطبيعة وذلك لكثرة تواجد الحفريات الإنسانية مع البقايا الثقافية، وتوضع البقايا التي يكتشفها علماء الآثار في متاحف خاصة بذلك، ومن أمثلة تلك البقايا الأدوات الحجرية للإنسان القديم وكذلك قطع صغيرة من الأواني الفخارية، وحراب وأقواس وسهام قديمة للغاية. وتوجد بعض الأقسام – في الجامعات الكبيرة المتقدمة – المتخصصة في علم الآثار وتدرس مبادئ العلم لطلبة أقسام الأنثروبولوجيا بكليات العلوم الاجتماعية، على أن يتخصص الطالب في الدراسات العليا في علم الآثار.

3) علم اللغويات  Linguistics: يستخدم المنهج العلمي في دراسة اللغات، ويعتبر أحد فروع الأنثروبولوجيا الثقافية لأن اللغة أحد عناصر الثقافة بل هي أهم تلك العناصر. وينقسم علم اللغويات إلى أقسام فرعية أهمها علم اللغويات الوصفي، وعلم أصول اللغات. ويهتم علم اللغويات الوصفي بتحليل اللغات في زمن محدد ويدرس النظم الصوتية وقواعد اللغة والمفردات، ويعتمد عالم اللغة في دراساته على اللغة الكلامية ولذلك يستمع إلى المواطنين وخاصةً أن معظم دراساته تكون متعلقة بلغات كلامية لم تكتب بعد، فيقوم عالم اللغة بكتابة تلك اللغات عن طريق استخدام رموز دولية متعارف عليها. تتركز معظم تلك الدراسات في المجتمعات البدائية التي لم تعرف القراءة والكتابة ولكنها ذات لغة كلامية إذ لا يوجد مجتمع إنساني مهما تخلفت ثقافته دون لغة كلامية.

أما علم أصول اللغات فيختص بالجانب التاريخي والمقارن حيث يدرس العلاقات التاريخية بين اللغات التي يمكن متابعة تاريخها عن طريق وثائق مكتوبة، وتتعقد المشكلة بالنسبة للغات القديمة التي لم تترك وثائق مكتوبة، وتوجد وسائل خاصة لبحث تاريخ تلك اللغات، يهدف هذا القسم إلى تحديد أصول اللغات الإنسانية.

توجد علاقات تعاونية بين عالم اللغة والأنثروبولوجي الثقافي، وذلك لأن على الإثنولوجي والأنثروبولوجي الاجتماعي أن يدرس لغة المجتمع الذي يبحثه، ولا يتم ذلك إلا عن طريق دراسة مبادئ علم اللغويات، ولكن من الناحية الواقعية نلاحظ أن علم اللغويات له أقسام مستقلة في الجامعات، والسبب في ذلك إمكان دراسة اللغة وتحليل عناصرها بصورة مستقلة عن بقية عناصر الثقافة. ويدرّس المتخصصون في تلك الأقسام مادة اللغويات وفروعها لطلبة أقسام الأنثروبولوجيا. وقد تقدم علم اللغويات في العصر الحاضر ويستخدم الآن مناهج وآلات دقيقة في دراسة لغات العالم ولذلك توصل إلى قوانين عامة دقيقة لا تقل في دقتها عن قوانين العلوم الطبيعية… (يتبع)

* الدول الأنجلوسكسونية هي تلك الدول الناطقة باللغة الإنجليزية أي لغتها الرسمية هي اللغة الإنجليزية، أشهرها بريطانيا وأمريكا، كما نجد دولا ناطقة باللغة الفرنسية نسميها الدول الفرنكوفونية.

** الإثنوغرافيا: تعني الدراسة الوصفية لطريقة وأسلوب الحياة لشعب من الشعوب أو مجتمع من المجتمعات، واصطلاح الإثنوغرافيا (Ethnography) في بريطانيا يعني البحوث الوصفية والتحليلية، التي أجراها علماء الانثروبولوجيا البريطانيون حول الشعوب والأقوام البدائية التي درسوها دراسة ميدانية، وبالرغم من أن الإثنوغرافي يهتم  بالدراسة الوصفية للمجتمعات البدائية والأنثروبولوجي الاجتماعي يهتم بالتحليل البنائي أو التركيبي للمجتمعات البدائية؛ فإن هناك ارتباط وتداخل وثيق بين هذين العلمين بخصوص الدراسات العلمية التي يتناولانها.

*** وفرت طريقة التأريخ بالكربون تقديرا زمنيا موضوعيا للمواد التي يدخل في تركيبها الكربون وتنتج عن المواد الحية. يُقدر عمر المادة من خلال قياس كمية الكربون 14 الموجودة في العينة ومقارنتها مع مقياس مرجعي عالمي. تأثير تقنية التأريخ بالكربون على الإنسان المعاصر جعل منها إحدى أفضل اكتشافات القرن العشرين. لم تستطع أية طريقة إحداث ثورة في فهم الإنسان، ليس لحاضره فقط بل لأحداث حصلت منذ آلاف السنين. يستخدم علم الأحافير وبعض العلوم الإنسانية الأخرى التأريخ بالكربون المشع لإثبات أو دحض النظريات. اُستخدِم الكربون 14 على مر السنين في الجيولوجيا، والهيدرولوجيا (علم المائيات)، والجيوفيزياء، والعلوم المناخية، وعلم المحيطات وعلم المناخ القديم وصولًا إلى الطب الحيوي.

– المراجع المعتمدة:

  1. العثمان، وسام. (2002). المدخل إلى الأنثروبولوجيا. ط1. دار الأهالي. دمشق.
  2. فهيم، حسين. (فبراير 1986). قصة الأنثروبولوجيا- فصول في تاريخ علم الإنسان. العدد: 98. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت.
  3. الشماس، عيسى. (2004). مدخل إلى علم الإنسان (الأنثروبولوجيا). منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق.
  4. الحسني، السيد نبيل. (2009). الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية. ط1. قسم الشئون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة. العراق.
  5. زيود، زينب. (2017-2018). علم الإنسان (الأنثروبولوجيا الثقافية). منشورات جامعة دمشق. دمشق.
  6. بارث وآخرون، فريدرك. (2017). الأنثروبولوجيا حقل علمي وأربعة مدارس. ط1. (ترجمة، أبو بكر أحمد باقادر وإيمان الوكيلي). (مراجعة، ساري حنفي). المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. بيروت.

حسام الدين فياض

الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة قسم علم الاجتماع - كلية الآداب في جامعة ماردين - حلب سابقاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock