مختارات

رسالة إلى المقاومة: النصر صبر ساعة

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عمان

حسين عبد الغني

لا أجد مكافئا في تراثنا العربي لمقولة إسماعيل هنية الأخيرة «لن نسمح للعدو الإسرائيلي أن يحقق في مفاوضات باريس – الدوحة – القاهرة بالمكائد السياسية ما عجز عن تحقيقه بالقتال».. إلا العبارة المنسوبة لعنترة بن شداد «وما النصر إلا صبر ساعة». سيقول قائل: حرام عليك، لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها؛ فلقد صبرت وصمدت المقاومة ١٥٠ يوما وليس ساعة فقط.

وأقول نعم ولكن ليس أمامها خيار آخر غير مزيد من الصبر والصمود والاعتماد على الله وسلاحها وشعبها.

وأمتهم العربية والإسلامية الحكومية الرسمية -إلا فيما ندر- خذلتهم؛ فهم ما بين انهزامي مثبط وواهن، وما بين متآمر متواطئ ومشارك لأمريكا والأطلسي وإسرائيل سرا في تحقيق أهداف واشنطن – بروكسل وتل أبيب في مفرمة اللحم البشري ومقتلة الفلسطينيين المدنيين التي تخطت ١١٥ ألف بين قتيل ومفقود وجريح!!

أما الشعوب العربية التي ينفطر قلبها حزنًا وتمور نفسها غضبًا فقد تكفلت آليات الضبط والسيطرة بلجم الحزن والغضب وإبقائه محبوسًا داخل الصدور لا يخرج إلا زفرات المختنق المغلوب على أمره.

والسلطة الفلسطينية لن تتخلى عن المزايا وشبه الحكم والإدارة حتى لو كانت تحت إمرة جيش وشرطة الاحتلال، ولن توقف التنسيق الأمني وإبلاغ استخبارات العدو بتحركات المقاومة والمقاومين في الضفة الغربية والقدس. الدليل الأحدث هو كيف أضاعت السلطة الفرصة الذهبية لإعلان وقف التنسيق الأمني مع العدو والذي أتاحه لها حوار الفصائل الفلسطينية الذي انتهى في موسكو قبل أيام بوساطة روسية.

فعجز بيانها الختامي عن التعهد بوقف هذا التنسيق الزمني الذي يشل انتفاضة الضفة الغربية بإحباط المعلوماتي بل وحتى الميداني أحيانا من قبل أمن السلطة لخطط المقاومة في جنين وطولكرم ونابلس وبلاطة والقدس لإشعال المقاومة في الضفة وتخفيف الضغط الوحشي للعدو على قطاع غزة وإجباره على فتح جبهة جديدة يسحب إليها جزءا وازنا من كثافة حشده العسكري الراهن المسلط على القطاع.

والولايات المتحدة لن تتدخل ولن تسمح للعالم أن يتدخل لمنع أكبر مجزرة إبادة جماعية في الألفية الثالثة قبل أن يقول بنيامين نتانياهو: لقد شربنا وارتوينا حتى الثمالة من دماء جماجم أطفال غزة «١٢٥٠٠ طفل شهيد أي أكثر من أربعين في المائة من الشهداء».

في الحقيقة هي تمنحه كل الوقت بجسر السلاح الجوي الذي لا يتوقف لحظة مباشرة من أراضيها أو من قواعدها العسكرية المنتشرة كالفطر في العالم العربي والشرق الأوسط.. ويجعل الأمم المتحدة مشلولة ومنعها سياسيا من وقف حرب التطهير العرقي الأكثر بشاعة في الحروب المعاصرة.. بل والتآمر مع إسرائيل على وكالاتها الإنسانية بما فيها «الأونروا» من إيصال مساعدات الغذاء والدواء والوقود إلى نحو مليونين من الغزاويين الفلسطينيين يواجه نحو نصفهم خطر الموت جوعا أو مرضا مستهدفة من ذلك الضغط على نقطة ضعف المقاومة وهي معاناة شعبها الذي وصل إلى حد الموت جوعا أو من المرض والوباء.

الأخطر من ذلك ما كشفه موت الجندي الأمريكي البطل آرون بحرق نفسه أمام سفارة إسرائيل في بلاده بعد عدم تحمُّل ضميره ما توافر له من معلومات -من خلال وظيفته في تحليل البيانات- من أن القوات الخاصة الأمريكية متورطة مباشرة في حرب الإبادة الجماعية الجارية للفلسطينيين وأنها تحارب وتدمر وتقتل مع جيش الاحتلال في أنفاق غزة!!

ولكن هناك عاملان كبيران آخران لا يجعلان أمام المقاومة من سبيل سوى الصمود في جبهة الحرب والاستمرار في تكبيد العدو خسائر موجعة من جهة والاستمرار في الصمود والثبات على الموقف في الدبلوماسية والمفاوضات وأن تحذر في ذلك الأشقاء قبل الأعداء.. فما قاله القيادي في حماس محمد نزال قبل أيام كان دقيقا للغاية عندما قال إن المقاومة تخوض في المفاوضات والسياسة حربا شرسة في المفاوضات لا تقل ضراوة عن الحرب والقتال.

العامل الأول هو باختصار أن ليس لديهم ما يخسرونه أكثر مما خسروه؛ فما يُوعدون به وما يُعرض عليهم من إسرائيل (حسب خطة نتانياهو المهووس بالسلطة ودماء أطفال المخيمات الفلسطينية لما يسمى باليوم التالي هو الموت نفسه ولكن بطيئا ودون كرامة ولا قدرة على رد الصاع صاعين). فهما ما بين خيارين كلاهما مر وعلقم، الأول إسرائيلي يتمثل فيما يعرضه نتانياهو من مستقبل عليهم وهو لا يزيد عن قطاع غزة محتل في بعض أجزائه وقابل لاحتلالها كله في أي وقت ترغب إسرائيل.. قطاع غزة المستهدف هو منزوع السلاح.. منزوع المقاومة تديره إما روابط قبلية محلية عميلة على غرار روابط القرى القديمة أو سلطة فلسطينية (محدثة) تم تجريبها على مدى ٣٠ عاما الأخيرة وأثبتت قدرتها على الاستكانة والخضوع للتنسيقات الأمنية. أما بالنسبة للوهم الذي يدعي بحل الدولتين فإن نتانياهو كان شديد الوضوح لدرجة السواد القاتم وهو يغلق الباب تماما على انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية في أي يوم من الأيام وعلى قبول بأي دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو. والخيار الثاني أمريكي أوروبي أطلسي تدعمه دول عربية حليفة ووسيطة عديدة!! ويتمثل على مدى طويل وبطيء يستغرق سنوات عددا في إنشاء دويلة فلسطينية منزوعة السيادة منزوعة السلاح مصممة حدودها وصلاحيات حكومتها ومؤسساتها لضمان أمن إسرائيل ضمانا تاما عسكريا وتبعيته الاقتصادية واعتماده الكامل على الاقتصاد الإسرائيلي.

العامل الثاني هو أن أمريكا وإسرائيل ليسا استثناء من قوانين الطبيعة والاجتماع والعمران البشري كما أن كليهما ليس استثناء من سنن الله في الكون. تقول قوانين الطبيعة والفيزياء إن الإناء الذي يغلي وتكون فوهته مسدودة بإحكام لا بد له من أن ينفجر ويخرج بخاره الساخن. والغضب العالمي الإنساني على مشاهد القتل المروعة والذي لا تزيده مجزرة مثل مجزرة دوار الطرابلسي الأخيرة إلا فورانا وهو لا بد وليس ببعيد سيجعل في المستقبل القريب من بقاء حكومات منتخبة في الغرب شبه مستحيلة إن لم تسع بنزاهة وجدية لوقف الحرب وتستجيب لمشاعر الغضب لدى ناخبيها تجاه جريمة الإبادة الإسرائيلية وتوقف المشاركة الغربية المخزية لبلادهم فيها. يتنبأ توماس فريدمان أحد أشهر وأكبر الكتّاب الأمريكيين صهيونية إن نتانياهو لن يتسبب فقط في أخذ إسرائيل إلى الهاوية بل من المرجح أن يأخذ بايدن معه ويقضي تماما على آماله بالفوز في انتخابات الرئاسة في نوفمبر من العام الحالي.

الشعوب العربية والإسلامية وقد زاد سكوت معظم حكوماتها على المجزرة المستمرة منذ خمسة أشهر كاملة عن كل حدود الاحتمال الإنساني والقومي والديني وزاد معه اتضاح مواقف بعض هذه الحكومات في الضغط القاسي على المقاومة لتقديم تنازلات قد لا تستطيع حبس غضبها في صدرها أكثر من ذلك؛ خاصة مع مقدم شهر رمضان بمشاعره الدينية الجارفة وما رافقه من إعلان الحكومة الإسرائيلية المتطرفة عن تقييد دخول الفلسطينيين في أيامه للصلاة في المسجد الأقصى.

تفقد إسرائيل باستمرار أي تعاطف معها في العالم وتفقد الولايات المتحدة قيمها وصورتها الأخلاقية وتكسبان معا كراهية الأجيال العربية والإسلامية بل والغربية لسنوات طويلة قادمة ستمهد الأرض لمزيد من الحروب وعدم الاستقرار، حتى يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وأراضيهم كاملة السيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock