في التوقيت الذي تفضّله الحكومة المصرية دائما (ليلة الجمعة) لـ “الصب في المصلحة” وهو مصطلح تهكمي يجري على ألسنة كثير من المصريين؛ تعليقا على تصريحات حكومية متكررة بشأن رفع أسعار السلع والخدمات؛ بأنه يصب في مصلحة المواطن- رفعت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية أسعار البنزين والسولار واسطوانة البوتاجاز بدء من يوم الجمعة الموافق 22 مارس الجاري، بواقع جنيه لكل من بنزين 80 و92 و95 لتصل على الترتيب إلى 11 و12.50و13.50 جنيها.. بينما ارتفع سعر لتر السولار إلى 10جنيهات بزيادة قدرها 1.75 جنيه، وزاد سعر لتر الكيروسين إلى 10 جنيهات بدلا من 7.25 جنيه.. كما وصل سعر ملء اسطوانة غاز البوتاجاز المنزلية إلى 100 جنيه رسميا.
ستؤثر تلك الارتفاعات -لا شك- على معدل التضخم الذي سجل خلال الشهر الماضي ارتفاعا بنسبة 35.7% على أساس سنوي، لذلك من المتوقع أن تقفز أسعار معظم السلع خلال الأيام القادمة؛ تأثرا بارتفاع أسعار النقل.
وكانت لجنة السياسات النقدية قد رفعت أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، قبل أكثر من أسبوعين في اجتماع استثنائي، أعقب ذلك الإجراء خفض قيمة العملة المحلية إذ بلغ متوسط سعر الصرف 49.45 جنيه لكل دولار في أكثر من 10 بنوك مصرية، ما مثّل ارتفاعا في سعر الدولار مقابل الجنيه وصلت نسبته إلى 60%.. لكن سعر الدولار تراجع رسميا بعد ذلك بنحو جنيهين ليصل إلى 47.39 جنيها صباح اليوم.
رفع الفائدة وخفض قيمة الجنيه يعتبران بمثابة استجابة متباطئة لشروط صندوق النقد الدولي الذي زاد قيمة قرض برنامج الإنقاذ؛ ليصل إلى نحوٍ من ثمانية مليارات دولار، وذلك بعد تدفق نحو 35 مليار دولار إلى خزينة الدولة المصرية عقب إبرام اتفاق تطوير سياحي لمنطقة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط مع دولة الإمارات.. وتعد هذه الصفقة أكبر استثمار سياحي في تاريخ مصر.. في الوقت الذي أعلن فيه الاتحاد الأوربي عن دعم مالي لمصر قد يصل إلى حوالي 14 مليار دولار يبدأ بحزمة مساعدات بنحو من 8.1 مليار دولار، وترقية العلاقات مع مصر إلى شراكة استراتيجية وسط مخاوف أوروبية من تزايد الهجرة غير الشرعية بسبب ارتفاع وتيرة الصراعات المسلحة في المنطقة.
التدفقات الدولارية الجديدة من شأنها إخراج مصر من أسوأ أزمة عملة تشهدها البلاد منذ عقود، حسب تقرير نشره موقع بلومبيرج الذي أرجع أسباب الأزمة إلى تراكمات أعقبت الحراك الشعبي الواسع عام 2011، وأورد التقرير أن “مصر تحصل على معظم احتياجاتها من العملة الصعبة عبر صادرات الطاقة والسياحة ورسوم السفن التي تعبر قناة السويس، وتحويلات المغتربين في الخارج.. كما تعاني الصناعات المحلية من ضعف الاستثمار، وتشكو الشركات الخاصة من المنافسة غير العادلة مع كيانات ترتبط بالمؤسسة الأكبر نفوذا في البلاد. ما يعرقل الاستثمار الأجنبي المباشر خارج صناعة النفط والغاز، ما يجعل الموارد المالية لمصر أكثر عُرضة للتدفقات المتقلبة من “الأموال الساخنة” التي تستثمرها الصناديق العالمية على مدى فترات أقصر”.
أشار التقرير أيضا إلى أن التوسع في الاستدانة جعل الدولة المصرية تنفق أواخر عام 2023، ما يقرب من نصف إيراداتها على فوائد الديون، بعد تجاوز ديونها الخارجية حاجز الـ165مليار دولار.
وقد ساهمت الأحداث الأخيرة في قطاع عزة في تعزيز مكانة مصر الإقليمية؛ بوصفها بلد محوري يشكل رقما صعبا في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، ما لا يسمح بحال، بانهياره اقتصاديا حسب ما ورد في تقرير بلومبيرج، فهل تُحسن الحكومة استغلال تلك التدفقات الدولارية الهائلة للخروج فعليا من الأزمة، أم أن ذلك يستلزم رؤية مغايرة تتحدد من خلالها أولويات المرحلة القادمة.. بعد فترة طويلة من المعاناة تحمّل تباعاتها الفئات الأكثر فقرا، ما لا يسمح بحال بتحميل تلك الفئات أعباء أكثر خلال الفترة القادمة مع بداية الولاية الجديدة لرئيس البلاد؟!.