رؤى

الربيع العربي.. ووصية حكيم فلسطين

لا أعلم أو أتذكر على وجه التحديد في أي مناسبة قال حكيم فلسطين الدكتور جورج حبش٫٫ مؤسس حركتي القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين٫ للشعوب العربية “إن أفضل ما يمكن أن تقدموه لقضيتنا هو النضال ضد الأنظمة التي تحكمكم !”

لم يكن بوسع الحكيم الفلسطيني العربي أن يشاهد الشعوب العربية وهي تنتفض بالفعل ضد حكامها لأنه كان قد رحل بسنوات قبل بداية الانتفاضات الشعبية العربية التي بدأت منذ العام ٢٠١١ أو ما عرف ب “الربيع العربي”.

الدكتور جورج حبش
الدكتور جورج حبش

القضية الغائبة

لكن ما فات “الحكيم” جورج حبش- في رأيي الشخصي- هو أن الشعوب وهي تناضل من أجل حريتها وفي سبيل حياة ومستقبل أفضل لا بد أن تتوافر لها قيادة تربط بين نضالها وبين قضية فلسطين وتدرك الصلة الوثيقة بين الإثنين.

وهذا الأمر تحديداً هو الذي لم يتوفر قط للانتفاضات الشعبية العربية على اختلاف الأقطار التي وقعت فيها ، حيث ابتُليت هذه الانتفاضات بقيادات هبطت عليها فجأة، لا تختلف كثيرا عن الأنظمة التي ثارت هذه الشعوب عليها.

لم تطرح هذه القيادات في مصر مثلا- على اختلاف توجهاتها- أي شيء يذكر عن قضية استقلال القرار الوطني المصري وتخليصه من التبعية للبيت الأبيض أو عن استقلال قرار مصر الاقتصادي عن شروط وإملاءات صندوق النقد والبنك الدولي وكلاهما في واشنطن.

والأخطر- في رأيي الشخصي- أن هذه القيادات المزعومة، من الشيوخ والشباب على حد سواء، كانت ترسل طيلة فترة الانتفاضة ضد نظام حاكم مصر الأسبق مبارك برسائل طمأنة للولايات المتحدة عبر الإعلام والقنوات التليفزيونية التي كانت تغطي الانتفاضة بشكل شبه يومي أن شيئا لن يتغير، وأن العلاقة مع واشنطن ستظل كما هي وكذلك العلاقة مع تل أبيب وستظل اتفاقية ال”سلام” الشهيرة باسم كامب ديفيد تابوهاً غير مسموح لأحد بالاقتراب منه!

وكلاء واشنطن

ولعل هذا ما يفسر أن هذه القيادات اعتبرت القضية الفلسطينية “موضوعا مؤجلا” على حد تعبيرها آنذاك ولم تنبس ببنت شفة عن دور مصر الإقليمي والعربي ، واعتبرت – ويا للسخرية- أن تظاهر عدد من المصريين عند سفارة العدو الصهيوني في القاهرة “حماقة” في حين أن التظاهر في أماكن اخرى لا داعي لذكرها شجاعة ما بعدها شجاعة !!

وهكذا كان وصول جماعة الإخوان إلى السلطة في ظل وضع كهذا أمرا مفهوما تماما كما كانت صفقاتهم التي عقدوها مع واشنطن وممثليها أيضا مفهومة ومن الطريف حقا أن من عارضوا الإخوان طيلة عام حكمهم لم يعارضوا أبدا تقاربهم مع الولايات المتحدة لأنهم ببساطة كانوا يتمنون هذا التقارب لأنفسهم !

بعبارة أخرى.. فإن الاعتراض هنا لم يكن إطلاقاً على قبول جماعة الإخوان لعب دور وكيل واشنطن في المنطقة بل كان الاعتراض على احتكار الجماعة وساستها ورجال أعمالها هذا الدور!

أما في ليبيا وسوريا، فحدث ولا حرج، فقد سقطت قيادات الانتفاضتين في كلا البلدين في فخ سبقتها إليه المعارضة في بلد عربي آخر هو العراق : الإستعانة بالأجنبي للتخلص من طاغية محلي، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، وكانوا كمن استبدل القمع بفوضى دموية كنتيجة مباشرة وطبيعية لتفكيك المؤسسة العسكرية في كلا البلدين.

خلاصة القول: إن أي انتفاضة شعبية عربية لا تضع الاستقلال الوطني على رأس أولوياتها ولا تضع العداء مع العدو الصهيوني نصب عينيها ولا تجعل من فلسطين بوصلتها، ستسقط لا شك في فخ الاحتواء الأمريكي الذي يفرغها من محتواها مهما كانت تضحياتها، ويحصرها في مطالب إصلاحية مختلفة من قبيل البرلمان والدستور وغير ذلك من أمور لا تغير ولا تمس جوهرالجريمة الحقيقية لكافة الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب ألا وهي التبعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock