أثارت قمصان فريق “نهضة بركان” المغربي لكرة القدم جدلا في الجزائر، الأسبوع الماضي، بسبب تضمّنها منطقة الصحراء الغربية ضمن خريطة المملكة المغربية، التي هي محل نزاع مع جبهة البوليساريو؛ وهو ما عدَّته السلطات الجزائرية “شعارًا سياسيًا ممنوعًا”، وفق ما أوردته وكالة “أنباء العالم العربي” في 20 أبريل الجاري.
وقد رفضت سلطات مطار الجزائر الدولي السماح بمرور قمصان النادي المغربي، الذي كان يحل ضيفا على “اتحاد العاصمة” الجزائري، في ذهاب قبل نهائي كأس الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم؛ وذلك نتيجة اعتبار السلطات الجزائرية وجود الخريطة دعاية سياسية للقضية، التي ما تزال مطروحة للتسوية في الأمم المتحدة.
المثير في الأمر، أن فريق شبيبة الجزائر كان قد تعرّض للموقف نفسه، في عام 2021، قبل مواجهة فريق الرجاء المغربي في نهائي كأس الكونفيدرالية، في دولة بنين؛ حيث احتج الفريق المغربي على وجود الرمز الأمازيغي على قمصان شبيبة القبائل، رغم تبرير الفريق الجزائري بأن الأمازيغية لغة وطنية وفقا للدستور الجزائري.
وهكذا، يصل الأمر بين الجزائر والمغرب إلى الخلاف حول قمصان الأندية الكروية؛ سواء بسبب الرمز الأمازيغي، أو خريطة المغرب التي تتضمن الصحراء الغربية.
بالرغم من أن الخلاف بين الجزائر والمغرب يتمدد ليشمل أكثر من ملف، مثل ملف الطاقة والغاز، وملف الموانئ البحرية، إضافة إلى ملف التنافس الإقليمي.. وغيرها؛ إلا أن الصراع بينهما حول قضية الصحراء الغربية، يُمثل الملف أكثر بروزا في هذا الخلاف.
وكما يبدو، فإن النزاع حول الصحراء الغربية، بين الجارين العربيين، يُمثل أحد أكثر النزاعات استعصاءً على الحل في العالم؛ فالمغرب يعتبر الصحراء جزءا من أراضيه، في حين تستمر الجزائر “داعما رئيسا” لحركة البوليساريو الموجودة بـ”تيندوف”، والتي تسعى إلى استقلال الإقليم، وفصله عن المغرب.
بل، لم تتوقف القضية الصحراوية عند حدود أن تُصبح هي “القضية المفصلية”، في العلاقة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، وذلك منذ عام 1976؛ ولكن أصبحت إحدى قضايا التوتر السياسي في علاقات الجزائر مع الأطراف الدولية والإقليمية؛ فقد تسبب تأييد إسبانيا، كمثال، في مارس 2022، خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء الغربية، على غرار ألمانيا وفرنسا، إلى أزمة دبلوماسية بين مدريد والجزائر.
وعلى غرار هذه الأمثلة الثلاثة، اختارت الجزائر أيضا الاختلاف مع الإمارات بخصوص القنصلية التي افتتحتها الأخيرة في مدينة العيون جنوب المغرب، حيث ترى الجزائر أن العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها، من جانب البوليساريو، مع المغرب.
من الملاحظ أن القضية الصحراوية أصبحت هي “القضية المفصلية”، في العلاقة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، وذلك منذ عام 1976، على خلفية دعم الجزائر لجبهة البوليساريو، وموقف المغرب المعادي لها؛ حيث قُطعت العلاقات بين البلدين، في مارس من نفس السنة. وفي عام 1980، شيّد المغرب جدارا أمنيا على طول الحدود البرية مع الجزائر، استغرق 7 سنوات لإنجازه، تحت مبرر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو عسكريًا ولوجستيًا.
وبعد أكثر من عقدين من الزمان، من بدايات القرن الحادي والعشرين الحالي، صدم وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، المحيط الإقليمي للجزائر، وربما المحيط الدولي أيضا، بإعلانه القطع المفاجئ للعلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط، بعد ثلاثة عقود من تجاور بارد بين القوتين المغاربيتين. وكان لعمامرة قد اتهم، في بيان رسمي تلاه أواخر أغسطس 2021، المغرب بالتخلي عن التزامه بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية.
ومن الواضح أن الإشكالية بين الجانبين، تتمحور حول حق “تقرير المصير” والرؤية الدولية لحل النزاع؛ فقد قادت الأمم المتحدة مساعي عديدة للتوسط في حل النزاع حول الصحراء الغربية، بما في ذلك محاولات لتنظيم استفتاء، واجهته صعوبات عملية، بسبب تعسر تحديد الساكنة المؤهلة للمشاركة فيه.
وكانت الجزائر قد شاركت جبهة البوليساريو، في نوفمبر 2001، في اقتراح مفاده “تقسيم الإقليم كحل سياسي للنزاع حول الصحراء الغربية”، وهو ما رفضه المغرب بشكل قاطع. وفي عام 2007، اقترح المغرب خطة لـ”الحكم الذاتي” للصحراء الغربية، قُدّمت كحل عملي يضمن وضعية “رابح – رابح” لجميع أطراف النزاع.
وينص الاقتراح المغربي على إنشاء مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية تتمتع بصلاحيات مستقلة، بقصد تمكين ساكنة الصحراء الغربية من “إدارة شئونهم المحلية بشكل ديمقراطي”، حيث تتعهد الفقرة “8” من المشروع المقترح تعهدًا من المغرب بتقديم “قانون الحكم الذاتي لاستفتاء تشارك فيه الساكنة المعنية، تماشيًا مع مبدأ تقرير المصير، ومع أحكام الأمم المتحدة”.
وقد استرعى المقترح المغربي اهتمامًا دوليًا، فقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في عام 2020، حيث وصفت الاقتراح المغربي بأنه “واقعي وذا مصداقية، ويُشكل الأساس لحل عادل ودائم للنزاع حول أراضي الصحراء الغربية”.
ولأن هذا الإنجاز الدبلوماسي للمغرب، كان قد جاء من خلال “اتفاق ثلاثي” توسطت فيه الولايات المتحدة، وأقامت بموجبه الرباط علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؛ فقد ثارت حفيظة المسؤولين الجزائريين، الذين وصفوه بـ”محور عسكري مغربي صهيوني موجه ضد الجزائر”.
في هذا السياق، يمكن القول بأنه، وبعد ما يقارب خمسة عقود من اندلاعه، لم يُتوصّل إلى حل نهائي وتوافقي للنزاع بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية؛ بل وليصبح نزاع الصحراء جوهر الصراع الجزائري المغربي حتى يومنا هذا.
ولاعجب، والحال هذه، أن تتطور الإشكالية الجزائرية المغربية إلى نوع من العداء والاستهداف المتبادل؛ إذ لم تعد سياسات كل منهما تجاه الآخر تقتصر على مجرد التنافس الإقليمي. ومن ثم، فإن النتائج السلبية لهذا النوع من العلاقات، تُصيب في العمق حالة الاستقرار في إقليم المغرب العربي من جانب، وعموم حالة النظام الإقليمي العربي من جانب آخر؛ خاصة أن هذا الأخير ليس بحاجة إلى مصدر مُضاف إلى مصادر الانقسام بين أطرافه، لاسيما إذا اقترنت بمشاعر عدائية متزايدة.