رؤى

لماذا تسعى تونس للانضمام.. إلى مجموعة بريكس؟

لال الآونة الأخيرة، تداولت تقارير إعلامية أخبارًا تُفيد بوجود نوايا لدى الإدارة التونسية لطلب الانضمام إلى مجموعة بريكس؛ وقد اعتمدت هذه التقارير على تصريحات نقلتها إذاعة “موازييك” عن محمد بن مبروك، المتحدث باسم مسار 25 يوليو المساند للرئيس التونسي قيس سعيد، قال فيها إن بلاده “لن تواصل مساعي الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وهي منخرطة في طريق الحرير، وستتجه إلى مجموعة بريكس، بما سيمكنها من الحصول على التمويلات اللازمة”.

اللافت.. هو تأكيد بن مبروك، السبت 8 أبريل، بأن ما أورده “ليس تحليلًا سياسيًا، بل هو معطيات حقيقية تتأسس على مفاوضات واتصلات”، مُشيرًا إلى أن بريكس “بديل سياسي واقتصادي ومالي، سيُمكن تونس من الانفتاح على العالم الجديد”. وهكذا، يبدو أن الأمر لا يتوقف عند حدود الطموح الاقتصادي التونسي، بل يتعداه إلى رهان سياسي عبر محاولة الانضمام إلى المجموعة.

رهان سياسي

لعل الرهان السياسي الذي تعتمد عليه تونس في السعي إلى عضوية بريكس، يستند إلى عدد من الدوافع.. أهمها ما يلي:

من جهة، تأكيد التقارب السياسي مع روسيا والصين؛ فمن الناحية التاريخية، ترتبط تونس بشراكة استراتيجية مع الغرب، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فالطلب التونسي لعضوية بريكس يمثل خطوة سياسية ترمي من خلالها إدارة الرئيس قيس سعيد، إلى تأكيد التقارب السياسي مع القوتين الآسيويتين، روسيا والصين؛ حيث إن الموافقة على طلب العضوية ربما تمتد إلى سنوات.

وقد أحيت مشاركة الرئيس التونسي في القمة العربية الصينية، التي شهدتها السعودية أواخر العام الماضي، دعوات تونسية من جهات متعددة، مثل حركة 25 يوليو وحزب التيار الشعبي وحركة النضال الوطني، وغيرها من القوى السياسية المُساندة للرئيس، إلى انتهاج دبلوماسية جديدة من خلال تعزيز الانفتاح باتجاه الشرق، بخلاف التعويل المُفرط على الغرب وعلى صندوق النقد الدولي، الذي تقول إنه يشترط على تونس إجراءات لها تكلفة اجتماعية باهظة.

من جهة أخرى، تخفيف شروط الصندوق والضغوط الغربية؛ حيث فتح رفض الرئيس التونسي إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، التساؤلات بشأن البدائل التمويلية المطروحة، أمام بلد يُعاني من فجوة هائلة في الموازنة، ومن حاجته إلى سداد ديون عاجلة. وفي أول رد واضح على برنامج الإصلاحات، الذي يفرضه الصندوق، أكد سعيد على أن “السلم الأهلي ليس أمرا هينًا”، في إشارة إلى الاضطرابات الشعبية التي ستنجم عن تنفيذ برنامج الصندوق، الذي يتضمن رفع الدعم والتقليص من كتلة الأجور.

وكما يبدو، من تصريحات بن مبروك إلى إذاعة “موازييك”، فإن أحد الخيارات البديلة أمام تونس في الوقت الراهن، هي “أن تطرح بجدية مسألة الانضمام إلى مجموعة بريكس”؛ خاصة أن ذلك يتوافق مع توقيع تونس على مذكرة تفاهم، للانضمام إلى مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” منذ يوليو 2018، وفي الوقت نفسه، مع إمكانية تدخل موسكو لدى الجزائر، ودفعها إلى تسريع دعمها لتونس، سواء في شكل مالي عاجل، أو في شكل استثمارات.

من جهة أخيرة، تنشيط الدور الإقليمي لتونس في شمال أفريقيا؛ إذ يبدو أن تعثر المفاوضات التي تجريها تونس مع صندوق النقد الدولي، يذهب إلى أبعد من مجرد مطالب بإصلاحات اقتصادية، إلى مسائل سياسية؛ حيث تحاول دول غربية ممارسة ضغوطٍ على الرئيس قيس سعيد، للتراجع عن مسار 25 يوليو، مستغلة أزمة تونس المالية.

وبالتالي، فإن الإعلان عن السعي التونسي للانضمام إلى مجموعة بريكس، في الوقت الذي يُمثل فيه خطوة للتقارب السياسي مع روسيا والصين؛ يعتبر نوعا من المراهنة المحسوبة، على دعم كل منهما، وسط مؤشرات عن توجه البلدين إلى مواجهة النفوذ الغربي في شمال أفريقيا، بما يعني محاولة تونس في تنشيط دورها الإقليمي في هذه المنطقة، التي تحتدم فيها معركة النفوذ والتمدد بين بكين وموسكو، وبين القوى الغربية.

طموح اقتصادي

ينبع اهتمام تونس بالانضمام إلى مجموعة بريكس، من قوة المجموعة الاقتصادية التي لا يمكن صرف النظر عنها على مستوى العالم؛ ويبدو الطموح الاقتصادي التونسي عبر عدد من الأهداف.. أهمها ما يلي:

من جانب، البحث عن شراكات اقتصادية دولية كبرى؛ فالاقتصاد التونسي يحتاج إلى المليارات حتى يتعافى، ويتحول إلى اقتصاد منتج ومنافس. وفضلًا عن العلاقات الدبلوماسية الجيدة، والطموح في التعاون الاقتصادي مع دول بريكس، فإن محاولة تونس في الانضمام إلى المجموعة، تُمثل خطوة متقدمة من حيث إن المجموعة فاعل اقتصادي مؤثر في العلاقات والتبادلات الدولية.

ولعل هذا، ما حاول المتحدث باسم مسار 25 يوليو التعبير عنه، حينما وصف المجموعة بأنها “بديل سياسي واقتصادي ومالي، سيُمكن تونس من الانفتاح على العالم الجديد”؛ فضلًا عن تأكيده بأن السلطات التونسية تبحث عن “خيارات توفر لها ضمانات تمويلية أوسع، دون تقييدها بشروط سياسية، ودون التدخل في سياستها الداخلية”، خاصة أن “انضمام تونس للمجموعة، سيفتح لها الباب لعقد تحالفات جديدة، وتنويع أسواقها التجارية”.

من جانب آخر، زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا والصين؛ حيث تحاول تونس الاستفادة من سعي دول بريكس لخلق توازنات جديدة في العالم، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي. فمع ما تحققه تونس من أرقام مهمة على صعيد استقطاب السياح الروس؛ فإنها تحاول الدفع في اتجاه زيادة التبادل التجاري مع روسيا. وبحسب السفير الروسي لدى تونس ألكسندر زولوتوف، خلال مُقابلة مع موقع “سبوتنيك عربي” في 12 فبراير الماضي، فقد “ارتفع حجم التجارة بشكل ملحوظ، في عام 2022″، مُشيرًا إلى أن حجم التجارة “ارتفع بنسبة 63 %، مُقارنة بالعام 2021، ليصل إلى 692 مليون دولار”.

وبالنسبة إلى الصين، فما زال الفارق كبيرًا بين ما تصدره لتونس وما تستورده منها؛ فقد أعلنت وزارة التجارة وتنمية الصادرات، الجمعة 17 مارس الماضي، أن واقع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تونس والصين، كانت محور اللقاء الذي جمع وزير التجارة كلثوم بن رجب قزاح، بسفير الصين لدى تونس وون لي؛ مُشيرة إلى أن حجم الصادرات الصينية لتونس، خلال عام 2022، بلغ 4.33 مليار دينار تونسي، في مُقابل صادرات تونس إلى السوق الصينية التي لم تتجاوز 60 مليون دينار.

من جانب أخير، تقوية الاقتصاد ومحاولة إنجاز مشاريع طموحة؛ إذ، تُراهن تونس على أن الإعلان عن محاولتها الانضمام لمجموعة بريكس، يمكن أن يُساهم في الحصول على تمويل خارجي يدعم ميزانيتها، لاسيما مع ارتفاع عجز الموازنة إلى 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة المالية التونسية، الأربعاء 15 مارس الماضي.

ولعل ذلك، يتكامل مع ما قامت به تونس من خطوة أولى في اتجاه الشرق، بانضمامها إلى عضوية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، لتُصبح، بدءا من 7 مايو 2022، العضو رقم 90 فيه. وفضلا عن أن كل من روسيا والصين تمتلك أسهمًا في هذا البنك؛ فإنه يمكن أن يتحول إلى ملاذٍ لتونس، على مستوى تعويض قرض صندوق النقد الدولي، الذي تعثرت المفاوضات بشأنه، حيث إن انضمام تونس لهذه المؤسسة المالية، يندرج في إطار “تنويع مصادر تمويل المشاريع التنموية”، بحسب موقع “سبوتنيك عربي”، نقلًا عن وزارة الاقتصاد التونسية، في 15 فبراير الماضي.

فرصة محتملة

في هذا السياق، يُمكن القول بأن صانع القرار التونسي قد قرأ بعناية توجه دول بريكس إلى الاهتمام، منذ سنوات، بإعادة توسيع نفوذ المجموعة، من خلال الانفتاح على اقتصادات ناشئة، ذات استقلالية نسبية عن الغرب. ومع التحولات الدولية الأخيرة، وتحديدًا منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، بدا أن اقتراح الصين توسيع بريكس، يُعد مؤشرًا على “فرصة محتملة” بالنسبة إلى تونس، لابد من الاستفادة منها.. إن لم يكن اقتصاديًا في المستقبل القريب، فعلى الأقل سياسيًا لتخفيف حدة الضغوط الغربية، فضلًا عن محاولة التقليل من الشروط القاسية لصندوق النقد الدولي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock