رؤى

الاقتصاد الجزائري.. ومحاولات الخروج من هيمنة النفط

وسط تقلبات سوق الطاقة العالمية، وتحقيقا لطموحات قديمة، جاء إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن النجاح في اتخاذ خطوات لتحرير الاقتصاد من الاعتماد على النفط. وقد جاء ذلك، خلال احتفالية “جائزة الوسام الشرفي للتصدير” حيث أثنى فيها تبون على من وصفهم بـ”الخلاقين للثروة”؛ أي العاملين في تنويع الاقتصاد والبعد عن الاقتصاد الريعي.

ولعل هذا الإعلان يطرح العديد من التساؤلات، التي تختص بإمكانية نجاح الجزائر في تجاوز هيمنة قطاع المحروقات على الاقتصاد. إذ رغم وجود عدد من العوامل الدافعة، لتحقيق هذا الهدف، من قبيل رفع وتنمية الصادرات غير النفطية، في إطار التحسن المستمر في الميزان التجاري، فضلًا عن التوجه إلى السوق الأفريقية -خاصة في غرب القارة- رغم ذلك فإن ثمة مؤشرات على صعوبة التخلص من الهيمنة النفطية على الاقتصاد الجزائري، يأتي في مقدمتها الارتكان الطويل إلى الاستيراد، إضافة إلى صعوبة التنافس على الصعيد العالمي، بل والإقليمي أيضًا.

عوامل دافعة

كما يبدو، فإن ثمة عوامل دافعة إلى تحقيق الهدف الجزائري في “البعد عن الاقتصاد الريعي”، بحسب تعبير الرئيس الجزائري.. أهمها ما يلي:

أولًا: محاولة تجاوز اقتصاد النفط وتذبذب أسعاره؛ فالمُلاحظ، أن تبون كان قد أعلن، خلال احتفالية “جائزة الوسام الشرفي للتصدير” منذ أيام أن بلاده حتى عام 2019، كانت تعتمد بنسبة 97 % من صادراتها على المحروقات؛ إلا أن هذه النسبة باتت تتراجع إلى أن استطاعت الصادرات الوصول إلى ما نسبته 11 % خلال العام الماضي؛ مؤكدًا على ضرورة أن ترتفع النسبة إلى 16-22 % في العام القادم 2024.

ولعل التأكيد على ضرورة ارتفاع النسبة، يشير إلى محاولة استقلال الجزائر عن الاعتماد بشكل رئيس على اقتصاديات النفط؛ التي جعلت من الاقتصاد الجزائري غير متزن؛ بل وفي حالة غير مستقرة نتيجة التذبذب في أسعار النفط. يأتي هذا في الوقت الذي تمتلك فيه الجزائر حوالي 1 % من احتياطي النفط في العالم، و3 % من الغاز، وفق تحليل نشرة موقع “أوبن إديشن جورنالز”، في 5 يونيو الماضي.

ثانيًا: تنمية القطاعات الصناعية غير النفطية؛ ففي كلمته بمناسبة إشرافه على افتتاح “الوسام الشرفي للتصدير” أوضح الرئيس الجزائري أن بلاده “التي لم تتجاوز صادراتها خارج المحروقات في عامي 2018 و2019، ما نسبته 3 % من إجمالي الصادرات، تحقق اليوم نسبة 11 %”. وأضاف تبون، أن “رقم 13 مليار دولار، كصادرات غير نفطية، والمُسَطَّر كهدف للسنة الجارية هو على وشك التحقق”.

وكان البنك الدولي قد أصدر، في 22 يونيو الماضي، تقريرًا حول “رصد الوضع الاقتصادي للجزائر”، أكد فيه على تسارع وتيرة النشاط الاقتصادي للصناعات غير الهيدروكربونية، في عام 2022، مدعومة بانتعاش الإنتاج الفلاحي والنمو المتواصل للاستهلاك الخاص. وسلط التقرير الضوء على أن نمو إجمالي الناتج المحلي للجزائر قد وصل إلى 3.2 %، في عام 2022، حققت فيه القطاعات غير الهيدروكربونية نموًا سريعًا بلغ 4.3 %، في مُقابل 2.3 % في عام 2021.

ثالثًا: تحسن الميزان التجاري والتوجه إلى أفريقيا؛ فإضافة إلى النمو المتسارع في القطاعات غير الهيدروكربونية، وارتفاع نسبتها في إجمالي الناتج المحلي للجزائر، ما ساهم في تحسن الميزان التجاري؛ يأتي التوجه إلى السوق الأفريقية عمومًا، وأسواق غرب القارة بوجه خاص، ليُمثل أحد العوامل الدافعة في محاولة الجزائر لتجاوز الاعتماد على اقتصاديات النفط وقطاع المحروقات عمومًا.

إذ، إن مثل هذا التوجه الذي تنتهجه الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، يأتي ضمن آلية دعم المنتج خارج نطاق المحروقات، وتسهيل تصديره؛ خاصة مع إنشاء طريقين استراتيجيين: أولهما، طريق “الوحدة الأفريقية” الذي يربط الجزائر بالعاصمة النيجيرية لاغوس؛ والآخر، طريق “تندوف – الزويرات”، إضافة إلى الخط البحري بين الجزائر والسنغال.. بما يمكن أن يُساهم في دخول المنتج الجزائري إلى أسواق غرب أفريقيا، وأيضًا إلى منطقة الساحل الأفريقي ووسط القارة.

معوقات إشكالية

رغم هذه العوامل الدافعة للجزائر، نحو تنمية الاعتماد على الصادرات غير النفطية؛ إلا أن هناك عدد من المعوقات الإشكالية، التي يمكن أن تحد من تحقيق الهدف.. لعل أهمها:

أولًا: صعوبة الخروج من تبعية قطاع المحروقات؛ فرغم التراكم في احتياط الصرف الأجنبي، الذي وصل إلى 61.7 مليار دولار أمريكي، بحسب تقرير البنك الدولي حول “رصد الوضع الاقتصادي للجزائر”، بما يمكن أن يؤدي إلى تعزير قدرة الاقتصاد الجزائري على الصمود في وجه الصدمات الخارجية.. رغم ذلك، فإن توازنات الاقتصاد الكلي، تظل متأثرة بالتذبذب في أسعار النفط العالمية. ومن ثم، يبدو أن الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، ما زال أمامها طريق طويل لكي تتمكن الجزائر عن طريقها من الخروج من تبعية اقتصادها إلى هذا القطاع.

ثانيًا: إشكالية الفقر والارتكان الطويل إلى الاستيراد؛ حيث تبدو المفارقة، هنا، في أن الجزائر التي تزخر بموارد طبيعية هائلة، إلا أنها “لم تستطع بعد الخروج من دائرة الدول الفقيرة”، وذلك بحسب تقرير نشره موقع “وورلد كرانش”، الخميس 8 يونيو الماضي، مقارنة بجيرانها تونس والمغرب. واعتمادًا على هذه المقارنة، أشار التقرير إلى تسجيل الجزائر أدنى مستوى لدخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وذلك خلال عام 2021، ضمن البلدان المغاربية الثلاثة “قبل أن يرتفع مجددًا في العام التالي 2022، بسبب ارتفاع استثنائي وجيز في أسعار المحروقات”.

وكما يؤكد التقرير، فإن “ثروة الجزائر الهائلة من الموارد الطبيعية، لم تعد كافية لإخفاء تخلف اقتصاد البلد عن الجيران المغاربيين”؛ وبالتالي، يبدو أن نقص الخبرة الإنتاجية، التي تحتاج إلى سنوات طويلة، فضلا عن الاتكال الطويل على الاستيراد في مجالات كثيرة، لاسيما المواد الاستهلاكية، يُصعِّب من مسعى الحكومة الجزائرية، على المدى القصير.

ثالثًا: صعوبة التنافس على المستوى الدولي والإقليمي؛ فرغم أن رسم خطة لدعم الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، هو “شيء إيجابي يجب التنويه به”؛ ورغم التفاؤل الذي أبداه الرئيس الجزائري في الحديث عن إمكانية خروج اقتصاد بلاده من إشكالية الاعتماد على قطاع المحروقات؛ إلا أن الواقع يُشير، بحسب عدد من الاقتصاديين الجزائريين، إلى أن عدد هذه المؤسسات، التي كرمت في احتفالية “جائزة الوسام الشرفي للتصدير”، وساهمت في الدفع بأرقام التصدير خارج المحروقات، ما تزال تُعد على أصابع اليد، وربما لا تزن حتى الآن الشيء الكثير في واقع اقتصاد البلاد.

بل إن هذه المؤسسات كما يبدو ليست مؤهلة للتنافس على الصعيد العالمي والإقليمي أيضا؛ خاصة إن أرقام صادراتها تأتي قياسًا إلى أسواق غرب أفريقيا، حيث منطقة التجارة الحرة التي تُتيح للجزائر فرصة كبيرة؛ وذلك على عكس الشروط القاسية للاتحاد الأوروبي، الذي يُمثل الشريك التجاري الأول للجزائر، من حيث حماية المستهلك والحفاظ على البيئة، بما يدفع المؤسسات الجزائرية إلى التوجه نحو الأسواق الأفريقية، حيث الشروط أقل.

طموح مستقبلي

في هذا السياق، يُمكن القول بأن تأكيد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، على “حرص الدولة في الدعم المستمر، ومُرافقة المتعاملين الاقتصاديين الخلاقين للثروة”، في الوقت الذي يُمثل السعي الجزائري للتخلص من الاعتماد “شبه الكلي” على صادرات النفط، وأنه بذلك يأتي كـ”طموح مستقبلي” للبلاد؛ لكن رغم ذلك.. تظل الآفاق الاقتصادية للجزائر متأثرة بمدى التقلبات التي تنتاب قطاع المحروقات، بما يعني أن تنمية الصادرات خارج المحروقات، أمامها طريق طويل، وسنوات عديدة، يتمكن فيها المنتج الجزائري من المقدرة على المنافسة الإقليمية، ومن ثم العالمية.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock