بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري
نقلًا عن موقع عروبة 22
القصة باختصار هي أنّ مؤسسة الأمن القومي الأمريكي وحكومة نتنياهو المتطرّفة والنظام العربي الرسمي يسعون بقوة لتحويل تعثر الرئيس الأمريكي جو بايدن في مناظرته الأولى أمام غريمه دونالد ترامب الأسبوع الماضي إلى رافعة للضغط على المقاومة حتى تقدّم تنازلات جوهرية عجز الجيش الاسرائيلي عن تحقيقها بالقتال، تنازلات قد تضيّع كل تضحيات الشعب الفلسطيني الهائلة في غزّة وفي الضفة أيضًا.
الكل بات يعرف الآن أنّ مناظرة بايدن مع ترامب كانت كارثية بالنسبة للرئيس وحزبه الديمقراطي، ووصف تعثّره الحركي وتلعثمه الكلامي وفقدانه التركيز عدة مرات بأنه الأداء الأسوأ في تاريخ المناظرات الرئاسية على مدى ستة عقود.
طرحت المناظرة بقسوة خطر أن يفوز ترامب على بايدن ويخسر الديمقراطيون البيت الأبيض، وطرحت قيادات في الحزب الديمقراطي علنًا وبقسوة أيضًا إمكانية ممارسة ضغط على الرئيس لينسحب من السباق الانتخابي ويفسح المجال لمرشح ديمقراطي يكون قادرًا على هزيمة ترامب.
حالة عدم اليقين السياسي التي خلقتها المناظرة الكارثية بالنسبة لرأس الإدارة الأمريكية ستجعل هذه الإدارة تنشغل بالوضع الداخلي – في الغالب – في اتجاه الدفاع عن الرئيس ومنع انسحابه من السباق.
لكن؛ دونًا عن مناطق العالم، فإننا في العالم العربي يبدو أننا لوحدنا “الخاصرة الضعيفة” التي قد تتضرر وتتأذى بنتائج هذه المناظرة الداخلية.
انسحاق النظام العربي الرسمي أمام واشنطن من جهة، وانسحاق بايدن أمام نتنياهو الذي بدا متحكمًا في أصوات ناخبي المسيحية الصهيونية الأمريكيين في شهور العد التنازلي للانتخابات من جهة ثانية، كلاهما هيأ المجال للإدارة المنحازة للسعي لاستخدام إخفاق رئيسها وتحويله من فشل إلى نجاح على حساب الفلسطينيين والعرب.
اللعبة هنا واضحة وضوح الشمس والخديعة فيها قديمة قدم كل مفاوضات عربية – إسرائيلية رعاها المنحاز الأمريكي في الـ٥١ سنة الأخيرة، لكنه ما لم تنتبه المقاومة ويتم تصليب ظهرها فإنها قد تقع في شراكها.
ما هي أبعاد المؤامرة الأمريكية الجارية على المقاومة؟
بالمناسبة ليس هناك أسرار.. المهم فقط تجميع قطع الـPuzzle فتتضح الصورة.
تعترف المصادر الأمريكية علنًا أنها أعادت في الأيام الماضية التي تلت المناظرة إحياء تحركاتها لكسر الجمود في مفاوضات صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين المقاومة وإسرائيل، وهي تعترف علنًا على لسان الخارجية الأمريكية أنّ واشنطن تواصل حاليًا مع كل من مصر وقطر الضغط على “حماس” للقبول بالاتفاق الذي طرحه الإسرائيليون وسد الفجوات فيه. المعنى هنا أنّ إسرائيل لم تعد تتعرض لأي ضغوط. وأن الضغط يتم من الجميع في اتجاه واحد وعلى طرف واحد هو المقاومة.
وتزعم مصادر إسرائيلية أنّ التحوّل الكبير الذي طرأ في هذه المرحلة هو ممارسة واشنطن ضغوطًا هائلة على قطر، نقلت الدوحة إلى خانة ممارسة ضغط شديد على قادة “حماس” السياسيين المقيمين لديها، وأنّ إسرائيل مضطرة للاعتراف بأنّ قطر لم تعد واقفة في صف “حماس” طوال الوقت.
وتعترف هذه المصادر صراحة وبوقاحة أنّ تصريحات نتنياهو القاطعة بأنه سيعود لشن الحرب على غزّة بعد تبادل الأسرى قضت على أي شك في إجحاف الاتفاق المعروض على المقاومة، كما تعترف بأنّ تخوّف “حماس” من التوقيع دون ضمان بوقف تام للحرب كان منطقيًا تمامًا. الأخطر من ذلك أنها تعترف أنّ التغييرات التي أُدخلت على المقترح الإسرائيلي عن طريق الأمريكيين والوسطاء والتي استُدعي قادة “حماس” لجلسات عمل في الأيام الأخيرة لمناقشتها، لم تكن سوى تغييرات شكلية وتلاعب بالألفاظ، خاصة في البندين ٨ و ١٤.
باختصار توضع المقاومة الآن بشكل منهجي ومنسّق في جو محموم وعملية إرهاب نفسي تتضمن العناصر التالية:
– تضخيم التطور الذي نتج عن المناظرة بين بايدن وترامب القاضي بأنّ الإدارة الأمريكية بعد إخفاق بايدن في المناظرة الأولى سيتحوّل تركيزها للداخل، وبالتالي سيتضاءل اهتمامها بالسياسة الخارجية ومنها الشرق الأوسط وحرب غزّة.
اللعبة هنا أيها المقاومة، لا تضيعي فرصة التوقيع على اتفاق قد يصبح مستحيلًا إذا انصرفت واشنطن عن العالم لشؤونها الداخلية وفقدت الاهتمام بالحرب الغزّاوية، ربما حتى تنصيب الرئيس القادم في يناير ٢٠٢٥.
– العنصر الثاني أنه أفضل للمقاومة أن توقّع الآن اتفاقًا تحت إشراف بايدن الذي يتقيّد انحيازه لإسرائيل بحسابات مؤسسة الأمن القومي الأمريكي ومؤسسات الدولة عامة، مقارنةً بترامب الشخص المتمرّد على المؤسسة الأمريكية في واشنطن والقادم من خارجها، فهو لا يهتم إلا باتباع أفكاره ذات الطابع الشعبوي والانعزالي عامة وأفكاره المتطرّفة ضد الفلسطينيين خاصة.
– يضغط على المقاومة الآن بأنّ نار بايدن ولا جنّة ترامب وأنّ التوقيع على الاتفاق يساعد بايدن على البقاء في البيت الأبيض. وإذا حدث هذا فهو الرئيس الأمريكي الذي يمكن أن يقدّم ضمانة في فترته الثانية والأخيرة المحصّنة بإنهاء الحرب، مقارنةً بترامب الذي تعهد في المناظرة إذا وصل رئيسًا بترك إسرائيل تحارب وتقتل في غزّة كما تشاء حتى تتم مهمتها!!.
– العنصر الآخر وليس الأخير هو “الضحك على ذقن المقاومة” بوعد أنه متى بدأت عملية تبادل الأسرى وهدأت أعصاب عائلات المخطوفين وسرّح جزء من جنود الاحتياط وأوقف “حزب الله” عملياته وعاد نحو ثمانين ألف نازح للشمال، فإنّ إسرائيل ستكون قد ذاقت ثمارًا لوقف إطلاق النار وبالتالي لن تكون راغبة في العودة لشن الحرب مرة أخرى.
في هذه اللحظة تقف المقاومة وحيدة تمامًا تتلقى في نحرها سهام الضغط من كل الاتجاهات وقد لا ينقذها من الاستسلام إلا واقع “تعدد” مراكز صنع القرار لدى المقاومة. فـ”حماس” ليست وحدها بل معها شركاؤها، وحتى بفرض أنها وافقت تحت الضغوط على التنازل فقد لا تقبل “الجهاد” وباقي الفصائل.
– من ناحية أخرى، وهذا هو العنصر الأقوى تأثيرًا، فحتى بافتراض أنّ جناح “حماس” في الخارج وافق على الصفقة فقد لا يقبلها الجناح العسكري بالداخل ويصمّم على القتال حتى النهاية.