رؤى

المصالح المتبادلة.. في التقارب السوداني الإيراني

بعد مرور أقل من عام، على اتفاق وزيري الخارجية السوداني والإيراني، حول أهمية استئناف العلاقات بين البلدين، في 9 أكتوبر من العام الماضي؛ تسلّم رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في 21 يوليو الجاري، أوراق اعتماد حسن شاه حسيني، بصفته أول سفير إيراني لدى السودان؛ وذلك بعد حوالي ثماني سنوات، منذ أن قطع السودان علاقته مع طهران، في عام 2016، في خطوة تضامنية مع المملكة العربية السعودية، بعد اقتحام سفارتها في العاصمة الإيرانية من قبل محتجين إيرانيين.

والمُلاحظ، أن إعلان الخرطوم وطهران عن عودة العلاقات بينهما، قبل تسعة أشهر، لم يكن مُفاجئًا؛ حيث سبقه لقاء بين وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان، مع نظيره السوداني المُكلف علي الصادق، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز، الذي كانت العاصمة الأذربيجانية باكو قد استضافته، خلال يوليو 2023.

كما يبدو، فإن ثمة مصالح لكل منهما، دفعت في اتجاه عودة العلاقات في هذا التوقيت.. لعل أهمها ما يلي:

أولا: بالنسبة إلى السودان، تتبدى المصالح في أكثر من جانب.. فإن اختيار التقارب مع إيران، قد يدفع واشنطن إلى الانحياز لمطالب الجيش في التفاوض، في إطار مبادرات الوساطة التي تقودها الإدارةالأمريكية بين طرفي الصراع في السودان؛ وذلك بالنظر إلى أن الاستجابة لمطالب الجيش، التفاوضية، قد تكون خيارا أفضل بالنسبة إلى واشنطن، بدلا من تعزيز النفوذ الإيراني في سواحل البحر الأحمر السودانية.

من جانب آخر، يمكن للسودان الاستفادة من التعاون العسكري مع إيران؛ إذ ساهم هذا التعاون من قبل في تعزيز قدرات الخرطوم، في إنتاج مختلف الأسلحة والذخائر. ولعل هذا يكون ضمن فوائد استئناف العلاقات بين البلدين؛ خاصة أن بعض المستجدات الإقليمية تُساهم في تعزيز فُرص التعاون بينهما، منها عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية مع المملكة العربية السعودية، وظهور بوادر تقارب مصري إيراني.

من جانب أخير، يمكن للسودان زيادة التبادل التجاري مع طهران، خاصة إذا استطاع تخفيف “الدَّيْن” الذي تُطالب به إيران، والذي يصل إلى نحو نصف مليار دولار، جُلُّه عبارة عن فوائد نتيجة استيراد حكومة جعفر نميري (1969-1985)، نفطا بالدفع الآجل من طهران، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.

ومن ثم، يمكن لاستعادة العلاقات الدبلوماسية أن تفتح آفاقا أمام التعاون الاقتصادي بين البلدين؛ خاصة في حال استطاع السودان الحصول على تسهيلات من جانب طهران، لاستيراد النفط والبتروكيماويات؛ وهي مسألة مهمة بالنسبة إلى حكومة بورتسودان، بعد أن تضررت خطوط الإمداد ومصادر النفط المحلية نتيجة الصراع الدائر في البلاد.

ثانيا: بالنسبة إلى إيران، تتبدى المصالح في أكثر من جهة.. إذ تنظر طهران إلى السودان من منظور جيوسياسي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر؛ إذ، يتمتع الجيش بالسيطرة على ساحل البحر الأحمر السوداني، الذي يبلغ طوله 650 كم. وتعاظم أهمية هذه السواحل السودانية الطويلة على البحر الأحمر، عسكريًا، مع تصاعد “المناوشات” المُسلحة بين جماعة “الحوثي” المتحالفة مع طهران، وتحالف “حارس الازدهار” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

أضف إلى ذلك، الاهتمام الإيراني بالحصول على موطئ قدم، بشكل يكون ليس بعيدا عن قناة السويس وسيناء وسواحل غزة ولبنان، وهي المسارات التي كانت تستغلها من قبل في إرسال شحنات تسليحية إلى غزة وجنوب لبنان؛ بل ومن شأن تعزيز الحضور الإيراني في بورتسودان، تعظيم القدرات المعلوماتية والاستخباراتية لطهران في منطقة البحر الأحمر.

من جهة أخرى، كان السودان قد برز، قبل قطع العلاقات مع طهران، بوصفه “نقطة جذب” للتنقيب عن النفط من قبل الصين، وبمشاركة إيران؛ وبالتالي، يُمثل السودان مدخلا لطهران إلى حقوله النفطية، فضلا عن حقول نفطية أخرى اكتشفت حديثا في القرن الأفريقي، خاصة في إثيوبيا والصومال. أضف إلى ذلك، أن طهران التي تمتلك حصة في منجم لليورانيوم في ناميبيا، ربما تنظر بقدر من الأهمية لهذا المعدن مستقبلًا، في ظل تقارير تتحدث عن وجوده في دارفور.

من جهة أخيرة، سوف تتيح إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان، لإيران، الفرصة لتحسين استراتيجيات التنويع الاقتصادي لديها؛ خاصة أن الصادرات الإيرانية إلى الدول الأفريقية، بحسب تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين، قد زادت بنسبة 100 % خلال العام 2022. ولعل ذلك، ما تتمكن من خلاله طهران من الترويج لمشروعاتها واستثماراتها في السودان، باعتباره إحدى أهم البوابات إلى منطقة القرن الأفريقي، على الأقل بعد أن يضع الصراع العسكري الحالي أوزاره.

رغم المصالح التي تدفع كل من السودان وإيران إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، إلا أن ثمة تداعيات محتملة على عودة العلاقات، خاصة في هذا التوقيت. إذ، في الوقت الذي سيحاول فيه السودان الحصول على دعم عسكري إيراني، في مقابل محاولات طهران “استرداد الثمن” عبر تمديد نفوذها على سواحل البحر الأحمر؛ إلا أن ذلك، في الوقت نفسه، سوف يُثير حفيظة الدول الإقليمية الكبرى، خاصة مصر، فضلا عن دول الخليج العربية التي ترى أن الوجود الإيراني يُهدد الحدود الغربية لها.

يعني هذا، في ما يعنيه، أن فرص تعميق التعاون العسكري بين إيران والسودان، سوف تكون مُقيدة نتيجة بعض الحسابات السياسية، الخاصة بالعلاقة بين “الجيش” السوداني وبعض الأطراف الخارجية، سواء الدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو الإقليمية، مثل مصر ودول الخليج العربية.

أضف إلى ذلك، أن استئناف السودان لعلاقاته مع إيران، سوف يُزيد الوضع الهش في السودان تعقيدًا؛ وذلك لارتباط عودة تلك العلاقات بمخاوف لأطراف إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل؛ خاصة أن هذه الأخيرة، بعد عملية “طوفان الأقصى”، ستكون أكثر حذرا من أية تحركات إيرانية يمكن أن تساهم في دعم إيراني لحماس، وهو ما يعني تكثيف إسرائيل مراقبتها لمنطقة البحر الأحمر؛ بما يعنيه من تزايد في التوتر الإقليمي.

وبكلمة، فإن مسار عودة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران، من المرجح أن يسير في اتجاه التركيز على “الخرطوم”، باعتبارها بمثابة “برج المراقبة” للأحداث في الدول الأفريقية، خاصة تلك التي ترتبط مع طهران بمصالح مباشرة، وتقع في المحيط الجغرافي، والإقليمي، للسودان.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock