رؤى

الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. بين عزوف الناخبين وتحديات الواقع!

انطلقت الخميس الماضي، حملة الانتخابات الرئاسية في الجزائر، المُقرر إجراؤها في السابع من شهر سبتمبر المُقبل؛ وذلك بمشاركة ثلاثة مترشحين، من بينهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي يسعى للفوز بولاية ثانية. وسيتنافس تبون مع كل من رئيس حزب “حركة مجتمع السلم” عبد العالي حساني شريف، والأمين الأول لحزب “جبهة القوى الاشتراكية” يوسف أوشيش.

ومن حيث إن المترشحين ليسا من أحزاب الأغلبية البرلمانية، فمن المتوقع أن يكون الطريق مفتوحا أمام الرئيس عبد المجيد تبون، للفوز بولاية رئاسية ثانية؛ هذا رغم كونه “المترشح الحر” كما يُسميه الإعلام الرسمي، على أساس أنه لا ينتمي إلى أي حزب.

ضمن أهم ما تتسم به الانتخابات الرئاسية القادمة في الجزائر، هو عدد الناخبين الذي يفوق أربعة وعشرين مليون ناخب، من بينهم أكثر من ثمانمئة وخمسة وستين ألف ناخب جزائري في الخارج؛ وذلك كما أشار رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، في مؤتمر صحافي بمناسبة انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية.

ومن ثم، يأتي أكبر تحدٍ لهذه الانتخابات وللمترشحين فيها، ليتمثل في “عزوف الناخبين” إذ شهدت الاستحقاقات الرئاسية في نهاية عام 2019، واستفتاء الدستور في عام 2020، ثم انتخابات البرلمان والبلدية المُبكرة في عام 2021، غيابا واضحا للناخبين؛ حيث كان لذلك ارتباط بالحراك الشعبي المُعارض للسلطة، الذي رفض هذا المسار الانتخابي، تحت دعوى أنه لا يعكس المطالب الشعبية، ذات الصلة بالتداول على الحكم والسلطة.

هذا من جانب. ومن جانب آخر، تُعد الحملة الانتخابية والانتخابات بصفة عامة، بالنسبة لقطاع كبير من الرأي العام الجزائري، مجرد “شكليات” كون النتيجة محسومة -بحسبهم- للرئيس تبون؛ لعدة اعتبارات من بينها: أن قيادة الجيش تدعمه، وقد صرحت بذلك علنا في مجلتها الشهرية مطلع العام الجاري.

كما أن تعيين وزير الداخلية مديرا للحملة الانتخابية لتبون، يُعتبر مؤشرا على أن الفرص غير متكافئة بين المترشحين الثلاثة، من حيث إن الداخلية لها نفوذ كبير في تنظيم العمليات الانتخابية؛ هذا فضلا عما للولاة في المحافظات، الذين يتبعون وزارة الداخلية، من دور بارز في الاستحقاق الانتخابي.

إضافة إلى تلك التحديات الانتخابية، فإن ثمة تحديات اجتماعية تواجه المترشحين في الاستحقاق الرئاسي القادم؛ لعل من أهمها:

أولا: الاهتمام بالشق الاجتماعي للمواطنين؛ حيث يبدو أن التحدي الرئيس أمام المترشحين لمنصب الرئيس، هو الشق الاجتماعي للمواطنين في الداخل الجزائري؛ بل وضرورة الاستمرار في أسلوب “المحافظة على التوازنات الاجتماعية” للجزائر في هذه المرحلة؛ خاصة في ظل ما يُصاحبها من بروز ضغوط تضخمية، ناتجة عن عوامل داخلية مرتبطة بالهيكل الاقتصادي للبلاد، وعوامل خارجية تعود إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

كان الرئيس تبون قد أعلن في بداية العام الجاري، أن نسبة زيادة الأجور ستصل إلى 47 %، بحلول ربيع 2024؛ ومن ثم سيكون على تبون الإجابة على التساؤل الخاص بهذا الإعلان، ولماذا لم يصل إلى هذه النسبة حتى الآن؛ فضلا عن المترشحين وكيفية التعامل مع هذه الإشكالية الخاصة بزيادة الأجور.

ثانيا: الاستمرار في منظومة الاصلاحات الاقتصادية؛ فمع التوقع بأن يكون معدل النمو الاقتصادي للعام الجاري حوالي 4.2 %؛ وأنه أقل من مُعدل النمو في العام الماضي 2023، الذي وصل إلى 5.3 %؛ يكون التحدي الاجتماعي الكامن في التساؤل حول معدل النمو، وهل يصل إلى المعدل المتوقع، وتأثير ذلك على الحالة الاجتماعية للمواطنين.

صحيح أن ارتفاع مداخيل النفط والغاز، بتأثير من الحرب الروسية الأوكرانية، قد أسهم في رفع الموازنة الجزائرية للعام الجاري؛ لتصل إلى ما يُقارب 110 مليارات دولار.. إلا أنه يبقى من الصحيح أيضا، ما أشار إليه تقرير لصندوق النقد الدولي، في نهاية يونيو الماضي، من أن الجزائر تأتي في المرتبة الرابعة، من بين 10 دول عربية هي الأكثر مديونية، للعام 2022؛ إذ وصلت المديونية الجزائرية إلى ما قيمته حوالي 109.6 مليار دولار.

وبالتالي.. تأتي هذه التحديات الاجتماعية بوصفها تحدياتٍ أساسيةً، أمام المترشحين لمنصب الرئيس عموما، وفي مواجهة الرئيس تبون بوجه خاص، من حيث أنه يسعى إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية.

ثالثا: ارتفاع الموازنة الدفاعية للجيش الجزائري؛ فقد تصدرت موازنة المؤسسة العسكرية، حسبما ورد في الموازنة الجديدة، كل الموازنات القطاعية الأخرى للحكومة؛ بل ومتقدمة بذلك على موازنات وزارات أُخرى، مثل: الداخلية والتربية والصحة، حيث قُدِرت هذه الموازنة بما يُعادل 21.6 مليار دولار، في مُقابل 18 مليار دولار للعام 2023.

ومن الواضح، أن الارتفاع الكبير في موازنة الجيش الجزائري، التي تصل إلى حوالي “خُمس” الإنفاق العام في البلاد، يعود إلى تصاعد التهديدات الأمنية للجزائر؛ خاصة في ظل مستلزمات حماية المناطق الحدودية الممتدة، بشكل كبير وشاسع مع عدد من الدول، مثل: ليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا، فضلا عن تونس والمغرب؛ وأن أربع من هذه الدول تُعاني من اضطرابات وهشاشة أمنية، ولا تتوافر بها قدرات عسكرية كافية لتأمين حدودها مع الجزائر، بما يفرض على هذه الأخيرة أعباء إضافية من المنظور الأمني والعسكري.

في هذا السياق، يمكن القول بأن الاستحقاق الرئاسي في الجزائر، سيواجه بعدد من التحديات، سواء كانت انتخابية أو اجتماعية خاصة بالتوازن الاجتماعي في الداخل الجزائري. إلا أن العامل الأهم، الذي يُمثل تحديا للمترشحين الثلاثة في انتخابات الرئاسة الجزائرية، هو عامل أو “تحدي السن”.

وهنا يبقى التساؤل حول: أي من المترشحين سوف يؤثر في اختيارات الجمهور الجزائري، الخبرة أم الشباب؛ إذ يصل سن عبد المجيد تبون إلى تسعة وسبعين عامًا، في حين لا يتجاوز سن يوسف أوشيش، اثنين وأربعين عاما؛ أما عبد العالي حساني، فيقع سِنُّه بين الاثنين، حيث يصل إلى ثمانية وخمسين عاما.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock