رؤى

التنافس الدولي.. ومعوقات الحل الوطني للأزمة الليبية

رغم عمل ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على إنهاء الإشكاليات التي جعلت مصرف ليبيا المركزي، معزولا عن النظام المالي العالمي؛ إلا أن الأزمة في ليبيا قد تعمقت، ليس فقط على خلفية تواصل النزاع على رئاسة المصرف، ولكن أيضا نتيجة استمرار الإغلاقات النفطية، منذ أغسطس الماضي.

هذه التطورات تأتي في ظل الفشل الواضح للأمم المتحدة، في الذهاب بالبلد نحو انتخابات وطنية، تُنهي الانقسام السياسي والأمني والعسكري، القائم منذ سنوات، تمتد إلى عام 2011، حيث سقط نظام العقيد الليبي معمر القذافي.

فشل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بهذا الشكل الواضح، كان ضمن الأسباب التي دفعت وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى الدعوة إلى “تعيين مبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا في أسرع وقت ممكن”، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه، في العاصمة الروسية موسكو، مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الاثنين 16 سبتمبر الجاري.

واللافت، أنه منذ استقالة عبد الله باتيلي، مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في أبريل الماضي، لم يعيّن مبعوث آخر بديلا له، وتقوم ستيفاني خوري، نائبة باتيلي للشئون السياسية بأعمال رئيس البعثة. وكانت استقالة باتيلي قد جاءت نتيجة لتعثر مبادرته الخماسية (التي كانت تشمل قادة: مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، والجيش الليبي، والمجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس)، والتي كانت تستهدف حلحلة العقبات التي حالت دون إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في ليبيا، في عام 2021.

وهنا، يبدو أن التساؤل المطروح هو: هل يُمثل تعيين مبعوث أممي جديد حلا ناجعا للأزمة في ليبيا، أو في الحد الأدنى عاملا مساعدا على حل الأزمة الممتدة لما يزيد عن ثلاثة عشر عامًا؟!

لعل الوضع في ليبيا، في ظل استمرار أزمة المصرف المركزي والصراع على رئاسته، واستمرار أزمات الإغلاقات النفطية، فضلا عن الانقسام السياسي والعسكري الممتد منذ سنوات طوال مضت، تؤكد أن تعيين مبعوث أممي جديد ليس هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة الحالية. إذ، أثبتت التجارب السابقة للمبعوثين الأمميين “التسعة” أن المدخلات التقليدية لم تؤد إلى مخرجات إيجابية.

ولعل ذلك نفسه ما يبين حاجة ليبيا المُلحة إلى التركيز على تعزيز التوافق الداخلي، من خلال توحيد المؤسسات، الذي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تشكيل حكومة أزمة جديدة، موحدة، تتمكن من بسط سلطتها على كامل التراب الليبي.

يعني هذا في ما يعنيه، أن الذهاب نحو حل “ليبي – ليبي” هو ممكن، خاصة في إثر إعلان مجلس النواب الليبي عن فتح باب الترشح، وبعد تقدم مجموعة من المترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، مصحوبين بعدد من المشاريع الوطنية لحل الأزمات والإشراف على الانتخابات، الرئاسية والبرلمانية، في مرحلة تالية.

والأهم، في هذا الإطار، أن المترشحين قد تمكنوا من الحصول على تزكيات مسبقة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة (غرب)، وأعضاء مجلس النواب (شرق)؛ ما يؤكد التوافق بين الجسمين التشريعيين على أهمية تشكيل حكومة أزمة جديدة.. وهو ما يدفع إلى الخروج من الأساليب النمطية، والبحث عن حلول مبتكرة، تتجاوز الحلول التقليدية لحل الأزمة الليبية عبر البعثة الأممية.

 

ورغم أهمية الاعتماد على حل “ليبي – ليبي”، للأزمة الليبية؛ إلا أن هناك كثير من المعوقات التي تقف دون تنفيذ هذا الحل؛ لعل من أهمها التنافس الدولي القائم على قدم وساق في ليبيا، وفي مقدمته التنافس الأمريكي الروسي. إذ، إن تعيين الأمريكية ستيفاني خوري، “قائما بأعمال” باتيلي، في الوقت الذي يأتي فيه مؤشرا مُهما على العودة الأمريكية إلى الاهتمام بالملف الليبي؛ فهو -في الوقت نفسه- بمثابة “إعادة تموضع” ورغبة في تسوية المشهد أمريكيا، خاصة في ظل التمدد الروسي جهة الشرق الليبي، والغرب أيضا.

ومن الواضح، أن التحرك الأمريكي يتواكب مع محاولات روسيا في تعزيز حضورها على الساحة الليبية، كنوع من أوراق الضغط على الدول الغربية، وتحديدا الدول الأوروبية؛ إضافة إلى اتخاذ التواجد في ليبيا “نقطة ارتكاز”، في اتجاه تأكيد النفوذ الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، عبر تشكيل ما يُطلق عليه “الفيلق الأفريقي”. إذ تُدرك واشنطن مخاطر المحاولات الروسية في الانخراط بشكل أكبر، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مصالحها.

ولعل هذا نفسه ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تقديم استراتيجية إدارته حيال ليبيا، إلى الكونغرس، في نهاية مارس 2023، وذلك ضمن ما أُطلق عليها “الخطة العشرية لتعزيز الاستقرار في مناطق الصراعات”.

وهكذا، يبدو أن الاهتمام الأمريكي حيال ليبيا، يعود إلى القلق من الوجود الروسي هناك؛ وكما يبدو فإن الولايات المتحدة ستحاول تحريك أدواتها الدبلوماسية، بما فيها ستيفاني خوري نفسها، لوضع ملامح لإنهاء الأزمة الليبية، أو على الأقل التقليل من حدتها.

وبالتالي، فإن عودة الاهتمام الأمريكي بالساحة الليبية، تتبدى بوضوح من خلال اختلاف نهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن سابقيه، خاصة باراك أوباما ودونالد ترامب؛ من منظور أن الأول قرر الانكفاء عن ليبيا، في حين اهتم الآخر بسحب بلاده بعيدا عن “حروب الآخرين”، وفق تعبيره الشهير.

لكن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، والمُطالبة الأمريكية من “تركيا وروسيا الشروع بسحب قواتهما من ليبيا”، بدا أن بايدن اتجه نحو رسم استراتيجية أمريكية جديدة، في التعامل مع تفاعلات الساحة الليبية؛ وهو ما يتضح عبر تعيين الأمريكية ستيفاني خوري، الذي يأتي بعد أن تعالت الأصوات التي انتقدت، ولا تزال، البعثة الأممية للدعم في ليبيا، ورئيسها عبد الله باتيلي، بأنها سبب رئيس في حالة “التجمد السياسي”، التي تمر بها ليبيا.

ومن ثم، يبدو أن الولايات المتحدة تستشعر ضرورة إيجاد تسوية سياسية، بين الأطراف الليبية، من خلال محاولة تحريك حالة الجمود، السياسي؛ وبالتالي، جاء اختيار ستيفاني خوري، ذات الأصول اللبنانية، والخبرة الطويلة في المنطقة العربية، التي ربما تساعدها على النجاح في جمع الأطراف الليبية، على طاولة “مباحثات الانتخابات”، لاسيما وأن باتيلي كان مترددا في عددٍ من القرارات في الفترة الأخيرة.

لكن يظل التساؤل: هل ينجح الليبيون في حل “ليبي – ليبي” للأزمة المستمرة منذ سنوات، أم إن المصالح الشخصية والجهوية، ستتغلب في زيادة الانقسام الحاصل هناك؟

 

 

 

 

 

 

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock