عن دار العين للنشر صدر حديثا، للكاتب مجدي القشَّاوي مجموعة قصصية بعنوان “شروط الوردة” في نحو من مئتي صفحة من القطع المتوسط.
تضم المجموعة -التي كُتبت على مدى عِقدٍ كامل- ثمانية عشرة قصة قصيرة. وتبدأ بإهداء رقيق للشقيق الأكبر.. الأخ والصديق الدكتور ماهر القشَّاوي.
الخط الذي يلمحه القارئ المدقق للمجموعة يقترب كثيرا من فحص شامل للنفس الإنسانية.. تلك المعجزة التي أتحفت الوجود بحضورها المضطرب ومتطلباتها وأهوائها وغرائزها وحبها الجنوني للحياة.. وكراهية المجهول الأعظم وما يمثله من فناء وعدم.
تلتقي القصة الأولى التي منحها الكاتب عنوانا جذابا “ينسحبون من العيون” مع قصتين أخريين هما “إنبات كثيف و”غصن ووردة” في فكرة كيف يواجه الإنسان الموت المُحتّم؛ فنرى بطلة “غصن ووردة” مصابة بالسرطان وتُعالج عن طريق الفن، أما في قصة ” إنبات كثيف” فيحاول أحدهم رسم صورة تفصيلية لمجموعة من المرضي في عيادة اشعة ينتظرون الطبيب الذي سيجري لهم أشعة مقطعية علي المخ.
في قصة بعنوان “الأبلة عفاف” يتأجج الصراع بين القيمة الحقيقية الخيّرة متمثلة في المدرِّسة عفاف ذات المكانة العالية في نفوس أهل القرية؛ لأياديها البيضاء عليهم في تعليم وتربية وتهذيب أبنائهم- وامرأة غريبة عن القرية لا يتوقف جشعها ولا تعرف رغبتها في المكسب المادي حدودا.. وتكشف أحداث القصة عن تفاصيل الدوافع الأنثوية لدى الطرفين.. وينتهي الصراع نهاية غير متوقعة نسجها الكاتب ببراعة.
أما في قصتي “أم خلاوي” و”جملا” فنجد حياة تصخب بالتحدي والمصاعب لنساء بدويات يواجهن الحياة بقوة وينتصرن عليها.
قصص مثل “أفيال” و”الشجر المغني” و”تجاه البحر” و”أخضر” تتناول عوالم مختلفة في أماكن مثل: بحيرة المنزلة، وجبال سانت كاترين، وشواطئ سيناء، ومزارع محافظة المنيا الخضراء، وتأثير ثراء الطبيعة الباذخ علي وعي أبطال القصص ومشاعرهم. لنرى الجمال يتراص طبقات داخل أبطال القصص، ويؤثر علي حياتهم.
في حين تنشغل قصص “ياسمينة” و”يلمسها الضوء الأول” و”شروط الوردة” و”أيقظ الاشجار فينا” بأهمية الانتباه لإضفاء قيمة علي حيوات الأبطال، ومحاولاتهم الدءوبة لتجميل الحياة. ونجاحهم إلى حد بعيد في محاربة القبح بالجمال.
تفردت لغة القص في “شروط الوردة” من نواحٍ عديدة، فجاءت منسجمة ومعبّرة عن مرامي “القشّاوي” ومبتغياته الإبداعية، ومتطلبات السرد دون استفاضة أو ترهل.. سلسة وقوية تحتفظ بقدرتها الدائمة على صُنع الدهشة دون تَصنُّع.
قبيل انتهاء قصة “ينسحبون من العيون” يقول بطلها: “لا أعرف إن كان هو الذي قال لي: قلِّل قدرَ ما تستطيع من صداقاتك، من نساءٍ يفيض صدرك لهُنَّ بالوَجْد. لا تتزوَّج.. وإن فعلتَ لا تنجب أبناءً، وإن كان فطفلٌ واحدٌ لا اثنان. احرص على ألَّا تعرف أسماء زملاء عملك؛ مَنْ سيزوِّج ابنه قريبًا، ومَنْ تزوَّج عليها رَجُلها وتتكتَّم الخبر. اشترِ البقالة والخضار والفاكهة من باعة مختلفين. ولا تحفظ وجوه عمال المخابز. لا تشرب أبدًا في مقهى واحد. وإيَّاك والإعجاب بضحكة طفل الجيران، أو طيبة جَدَّته. تأكَّد أن يكون قماش ستائرك ثقيلًا. وألَّا تدرب سمعك على الرَّهَافة. سِرْ نحو مساحات لا تميِّز فيها صوتًا من صوت، ولا سُعالًا من سعال، ولا تنهيدةً من تنهيدة، وحتى لو خرج الأمر عن سيطرتك سُدَّ بيديك أُذنيك؛ تحديدًا، عن بكاء الأطفال. اسلك طُرقًا مختلفة لمشاويرك، ولا تَدَعِ الفرصة لذات الوجوه تقابلك على سلالم سكنك وصباحاتك. حَاذِر من الاندماج مع بطلٍ أحببته في فيلم، قُمْ في المنتصف واصنع أصابع البطاطس. لا تُربِّ كلبًا جميلًا ولا قطةً رقيقة، مرِّر أصابعك على شعرهم بالشارع، لا تزرع أزهارًا ولا نباتاتٍ عطريَّة. الطائرُ جميلٌ جدًّا في سمائه، وأنت جميلٌ جدًّا في أرضك.. قال بيقينٍ كامل: سيقلُّ عددُ الموتى الذين ترى موتهم، سيقلُّ عدد مَنْ ينسحبون من عينيك. تهرب من أصماغٍ يتركها وراءَهم الراحلون وتنغرس فيها أقدامنا وأرواحنا، ولا تخرج منها أبدًا”.
“شروط الوردة” تدعونا للانتباه إلى ذواتنا.. وإلى هذا الوجود من حولنا.. وكيف نصنع أقدارا أكثر رقة وحميمية في رحلة تمتد في الزمن كومضة ساحرة؟!