رؤى

“طوفان الأقصى”…ومصير “خطة الجنرالات”

في أحد مشاهد المسلسل التاريخي “التغريبة الفلسطينية” للكاتب وليد سيف، والمخرج المبدع الراحل حاتم علي- يواسي المناضل الفلسطيني العتيد أبو صالح (جمال سليمان)، ولده الصغير الذي تعدّى عليه جندي صهيوني بالضرب والتنكيل.

يؤكد أبو صالح لولده، أن العدو الذي يمثله ذلك الجندي؛ يريد الأرض خاوية من أهلها؛ ولذلك فإن مجرد بقاء أهل البلاد على أرضهم وتشبثهم بها، هو في حد ذاته فعل جهاد ومقاومة ورباط.

لا يملك المتابع للمعركة، الدائرة اليوم رحاها على أرض قطاع غزة، وخاصة في القسم الشمالي من القطاع، إلا أن يتذكر المشهد المذكور أعلاه، لا سيما في ظل تنفيذ قوات الاحتلال لما يُعرف بـ”خطة الجنرالات” في ذلك القسم من القطاع.

 

إن جوهر الخطة المشار إليها أعلاه – وإن لم يعلنه العدو صراحة- هو بالتحديد ما ذكره أبو صالح لولده، وهو تفريغ الأرض من سكانها، وإقامة منطقة عازلة خالية من سلاح المقاومة، ومن السكان الذين يمثلون البيئة الشعبية؛ الحاضنة لتلك المقاومة.

والهدف هنا ليس فقط تفريع شمال القطاع، الذي يتذكر الصهاينة بمرارة أنه كان نقطة الانطلاق لمعركة السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وسيطرة مقاتلي المقاومة الفلسطينية، على المستعمرات القريبة من تلك المنطقة، والمعروفة باسم “غلاف غزة”.

بل تتلاقى هذه الخطة أيضا مع رغبات ومخططات المستوطنين، الذين يمثلهم عدد من الوزراء في الحكومة الصهيونية القائمة حاليا (بن غفير – سموتريتش…الخ) والراغبين في إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة.

ذلك الاستيطان الذي فُكّكَ على يد حكومة آريئيل شارون عام ٢٠٠٥، تحت وطأة ضربات المقاومة في القطاع.

هذه الخطة بدت مثار سخرية، في مقطع مُصوّر بثته المقاومة الفلسطينية، لكمين نصبته لقوة صهيونية هندسية في منطقة شمال القطاع.

إذ يبدو واضحا في هذا التسجيل صوت أحد المقاومين، وهو يسخر مع زميله الذي يهدم جدارا للتمهيد للكمين من الخطة المذكورة، ويُمعن في السخرية مطالبا زميله بدق الجدار وكأنه “رأس جندي صهيوني”.

ثم يبرز التسجيل تفجير المقاومين ألغامهم وعبواتهم الناسفة في القوة الصهيونية، ويستعرض آلياتها المدمرة والتي يعتليها أحد المجاهدين، ويشعل بها النار وهو يهلل ويكبر.

إن فعل المقاومة التي يظهرها المقطع المُصوّر، هو -كما تشي سخرية المجاهد- السبيل لإحباط خطة الجنرالات، مهما أمعن جنودهم في التدمير والتخريب.

خاصة أن هذا الفعل اقترن بصمود أهالي الشمال، ورفضهم مخطط التهجير القسري، الذي طبقه ذات العدو مع أسلافهم عام ١٩٤٨.

وهذا -تحديدا- ما ذكرته القناة ١٢ في التلفزة العبرية، حين أوضحت أن كثيرا من سكان شمال القطاع؛ يرفضون مغادرة منازلهم ويتشبثون بها، وحتى من خرج منهم.. لجأ إلى مناطق أخرى في الشمال، ولم ينزح نحو الجنوب.

بل إن واضع خطة الجنرالات، ورئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني الجنرال غيورا آيلاند، أعرب عن معارضته لاستمرار جيش الاحتلال في قطاع غزة؛ دون استراتيجية واضحة. ودعا الحكومة الصهيونية إلى وقف القتال وعقد صفقة من أجل تبادل الأسرى مع المقاومة.

وأرجع ايلاند موقفه إلى عدة عوامل من بينها استمرار المقاومة في قطاع غزة في إيقاع خسائر بشرية في صفوف الجيش الصهيوني، وهي الخسائر التي وصفها بأنها ستفوق أية مكاسب محتملة.

ثانيا: الضغط الشديد الذي يمثله استمرار القتال على جنود الاحتياط.

ثالثا: الكلفة الاقتصادية للحرب وما تشكّله من ثقل بالغ على كاهل الاقتصاد الصهيوني.

رابعا: العزلة المتزايدة للكيان الصهيوني على المستوى الدولي، مع استمرار المعركة خاصة في ظل رغبة أغلب دول العالم في وقف القتال.

خلاصة القول: يعاني أهلنا في شمال قطاع غزة أشد المعاناة، من خطة الجنرالات التي ينفذها الصهاينة على الأرض، بكافة أشكال جرائم الحرب والإبادة.

لكن هذه المعاناة هي ضريبة وثمن إحباط الخطة المذكورة، من قِبل شعب يؤمن تماما -كما آمن أبو صالح- أن صمودهم على أرضهم، فعل جهاد وأن احتضانهم للمقاومة واجب، وأن صبرهم ورباطهم وإيمانهم واحتسابهم لا بد أن يُثمر نصرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock