وحيدًا في انتظارِ الصعودِ/ وحيدًا يُحْكِمُ القيدَ فوقَ الألمْ/ النزيفُ النَّدِيُّ لا يُزْعِجُه/ ما يَشْغلُه الآنَ أكبرْ/ مِن مُسَاوَمَةِ الوَهَنْ/ أيُّ فكرةٍ ساورتْه وقتها/ تأكدتْ أنَّه في صفاءِ ذهنِه/ وفي ثباتِه/ لم يُباغِته الوجلْ/ في لحظةِ الحقيقةِ الكاملةْ/ يَمْثُلُ الصدقُ راسخًا/ وترحلُ غياماتُ الترددِ/ وتلمعُ في الأعينِ الراضيةِ/ بروقٌ تضمّدُ جُرحًا يتيه دَمًا.
قال الردى: هناكَ حيثُ يقفُ رأيتُني أرتعدْ
وقفتُ واجمًا
كيفَ أناورُه؟
دونَ أنْ تلتقِي عينانا
فَيَقْتُلُنِي منه التمهلُ
ويَصْرَعُه مِنّي الأملْ.
قالتْ النجاةُ: السيدُ لا يَرتَجِيْنِي اليومَ
سيأمرُ لي باستراحةٍ
ويرسلُ في إِثرِ الفجيعةِ
لا يهنُ في ابتغاءِ القومِ
ولا تشغلُه الحقيقةُ عن خيالٍ رهيفٍ
يعاودُه مثلَ الوسنْ.
قالتْ البطولةُ: حتَّى لحظتنا تِلكَ يا سيدي
لم نفترقْ
كنا لصيقينِ.. قريبي الصلَةِ بالمخاطرةِ الكاملة
نضحكُ حينَ يخرُّ الهولُ صريعًا
وحين يفيقُ
يغفو على كتفينا
مُخفيًا وجهَه في السكونِ الحذرْ
كنت أعرفُ نفسي
بين حَدّي الترقبِ أمعنُ
باحثةً عنكَ بينَ الصفوفِ
في المسافةِ بينَ القذيفةِ
والشظيةِ الغادرةْ
كنتَ تَبْسُمُ حينَ ترتسمُ الدهشةُ فوقَ ملامِحِي
وحينَ يحييكَ الرفاقُ
تحيةَ الصباحِ
بعيونٍ يَحْذَرُها النومُ
وساعةَ يرتقي سيدٌ
فتسري منه الدماءُ إلى الأفئدةْ.
قال التوجسُ: ما كان لي أنْ أشهدَ اليومَ
خاصمني “السنوارُ” منذُ وعى
ازدراني على نحوٍ عميقٍ
خالفني.. وقطعَ الطريقَ عليَّ
وألزمني البعدَ
كما أبعدَ منه الوجلْ
باقتفاءِ الخطرْ
لكنني نزعتُ عن وجهي ملامحَه
وأنكرتُ كلَّ التفاصيلِ
وتابعتُه في توهجِه الأخيرِ
وانطفأتُ
كما لم أَرَنِي
وأسقطتُ الخوفَ من مَقَاتِلي
وامتثلتُ للنظرةِ القاهرةْ.
قالت اللحظةُ الأخيرةُ: احتشدتُ به
كانتْ أنفاسُه رحابةً لا تضيقْ
كان ارتقاءً يليقْ
احتفاءً بالمشتهى من الانعتاقِ
ومن أوجه السابقينَ
ومن بُشرياتٍ تُجَسَّدُ بالأنينْ
“لَبَّيكِ يا فلسطينْ”
لا يغادِرُك الذي “يحيى” أبدْ
في خلودِ المَشْهَدِ
في بقائِه الأخلدْ
وفي مَوتَتِه الفَاتِنة!