كما توقّع كثيرون.. أقدم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أخيرا، على إقالة وزير الحرب جالانت.. وتعيين يسرائيل كاتس، وزير الخارجية والمالية والاستخبارات السابق، خلفا له.
وقد صرّح نتنياهو عقب الإقالة بأنها كانت حتمية بعد “تأكل الثقة” بين الرجلين، وفشل محاولات ما أسماه بـ “سد الفجوات”. وأضاف نتنياهو أن الخلافات بينه وبين جالانت حققت استفادة كبيرة لأعداء إسرائيل على حد زعمه.
من جانبه أصدر الوزير المُقال، المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني- بيانا أوضح فيه أن أولوياته كما هي: حيث تأتي دولة “إسرائيل” في المقام الأول، ثم الجيش “الإسرائيلي”، ثم المؤسسة الدفاعية.. وبعد هذه جميعا يأتي مستقبله الشخصي! وأضاف جالانت أنه سعيد بـ “الإنجازات الرائعة” التي حققها “الجيش “الإسرائيلي”، والشين بيت، والموساد، والمؤسسة الدفاعية بأكملها”.
هيئة البث “الإسرائيلية” قالت نقلا عن مسئول أمني إن نتنياهو اختار السياسة على الأمن.. وأضافت أن الإدارة الأمريكية “صُدِمَت” بقرار إقالة غالانت؛ وبحسب رويترز فإن المتحدث باسم البيت الأبيض قال: “إن غالانت كان “شريكا مهما” للولايات المتحدة في جميع المسائل المتعلقة بأمن إسرائيل”.. كما أوضح أن الإدارة الأمريكية ستواصل العمل بوصفها “شريك مقرّب” مع وزير الدفاع الإسرائيلي القادم.. أما القناة 12 الإسرائيلية فقد أفادت بأن نتنياهو التقى غالانت وسلّمه خطاب الإقالة، في جلسة استمرت ثلاث دقائق فقط!
تجدر الإشارة إلى أن الإقالة، لاقت ردود فعل متباينة داخل المجتمع الصهيوني.. فبينما رحّبت الأحزاب “الحريدية” بالإقالة.. بسبب إصدار جالانت قبل إقالته بساعات، قرارا بتجنيد سبعة آلاف من طلبة المدارس الدينية “الحريديم” تعويضا للخسائر البشرية الكبيرة التي يتكبدها في غزة وعلى الجبهة الشمالية- خرج مئات المواطنين إلى الشوارع المتاخمة لمقر إقامة رئيس الوزراء بالقدس؛ اعتراضا على قرار الإقالة، حيث قالت هيئة عائلات الرهائن إن الخطوة “استمرار لجهود نتنياهو لإحباط مساعي إعادة المخطوفين”.
تكشف الإقالة عن عدد من النقاط الهامة منها نية نتنياهو الاستمرار في حربه على لبنان مهما كانت الخسائر، وهي بالمناسبة وجهة نظر كاتس الذي أعلن سابقا أنه “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في الشمال، وأننا سنواصل القتال ضد منظمة حزب الله الإرهابية بكل قوتنا حتى النصر والعودة الآمنة لسكان الشمال إلى ديارهم”. وهو ما يعني تورطا ذا ثمن فادح في الجنوب اللبناني، لن يؤمّن أبدا عودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال.. لكنه سيطيل أمد “الخديعة” التي صارت العملة الأساسية، التي يتعامل بها نتنياهو مع المجتمع الصهيوني.
من جانب آخر يُزمع نتنياهو الاستمرار في حربه اليائسة على غزة؛ بحثا عن انتصار لن يتحقق، بسبب استحالة تنفيذ الهدف من الحرب الذي وضعه نتنياهو نفسه، وهو القضاء التام على حماس؛ وإلا فإنه يعتبر نتيجة الحرب “هزيمة عسكرية وسياسية ووطنية” حسب ما صرح سابقا لصحيفة معاريف.
لذلك لن تحقق إقالة جالانت لنتنياهو مبتغاه؛ فجبهته الداخلية ممزقة وأغلبها ضده لأسباب عديدة.. وموقفه السياسي مأزوم أيضا. أما موقفه العسكري على كلا الجبهتين فيزداد سوءا يوما بعد يوم.. وعلى الصعيد الدولي.. تزداد عُزلة الكيان وتناقص الدولة الحليفة له، وإن كان الموقف الأمريكي لن يشهد تغيرا كبيرا بعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية؛ إلا أن الوضع الداخلي الأمريكي يكون دائما أولوية من حيث الاهتمام، عقب أي انتخابات.. ما يعني -ربما- تراجعا مؤقتا في الدعم الأمريكي للكيان.
إقالة جالانت المؤجلة عدة مرات لن تصنع لنتياهو واقعا أقل سوءا.. وربما كانت مسمارا جديدا في نعش مستقبله السياسي.