عند الحديث عن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والرئيس الأمريكي الذي سيخلف جو بايدن، في منتصف يناير المقبل، يصبح من الضروري استحضار مواقفه السابقة وسياساته تجاه منطقة الشرق الأوسط. تلك المواقف التي لطالما كانت مثيرة للجدل، وشهدت انعكاسات كبيرة على المنطقة بأسرها. وكما يبدو، يعود ترامب إلى سدة الحكم الأمريكي في سياق تشهد فيه المنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي عدة أزمات، أبرزها الحرب في غزة والتوترات مع حزب الله في لبنان.
وإزاء هذه الحروب التي تشتعل بها المنطقة، فضلا عن ما يحدث في السودان وسوريا والعراق، قد يعيد تشكيل طريقة الولايات المتحدة في التعامل مع تلك الصراعات؛ خاصة بعد أن فاز ترامب بالرئاسة.
والملاحظ، أنه خلال فترة ولايته الأولى (2017-2021)، تبنى ترامب سياسات حازمة تجاه الشرق الأوسط، كان أبرزها قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ما أثار موجة انتقادات من الدول العربية والإسلامية؛ كما انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض سلسلة من العقوبات عليها في محاولة لعزلها اقتصاديا وسياسيا. بالإضافة إلى ذلك، عزز علاقاته مع بعض الأنظمة العربية، خصوصا دول الخليج إلى جانب إسرائيل. هذه السياسات رسمت معالم رؤيته المستقبلية للمنطقة، ومن المتوقع أن تعيد صياغة خطواته بعد عودته للرئاسة.
هناك عدة جوانب متوقعة، في كيفية تعامل ترامب مع الحرب في غزة، في ظل الاحتمال الأكثر ترجيحا لاستمرار هذه الحرب إلى ما بعد منتصف يناير القادم.
فمن جانب، من المتوقع أن يستمر ترامب في تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل، تماما كما فعل خلال ولايته السابقة. ترامب يُعرف بكونه من أكثر الرؤساء الأمريكيين دعما لإسرائيل، وقد أشرف على توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية في إطار ما عُرف بـ “اتفاقيات أبراهام”. وفي ظل عودة ترامب للرئاسة، قد يعزز من هذه الاتفاقيات، ويدفع بمزيد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، وهو ما قد يزيد من عزلة الفلسطينيين ويضعف موقفهم في المفاوضات السياسية.
من جانب آخر، وفيما يتعلق بحركة حماس، التي تقود الصراع في غزة، من المتوقع أن تتبنى إدارة ترامب موقفا أكثر صرامة تجاهها. قد يسعى ترامب إلى زيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على الحركة، سواء بشكل مباشر من خلال دعم إسرائيل، أو عبر الضغط على دول الجوار؛ لقطع التمويل والمساعدات عن الحركة. كما قد يدفع نحو إدراج حماس ضمن لائحة الإرهاب الدولي، ويشجع تحالفا دوليا لمحاصرتها.
من جانب أخير، من المتوقع أن يستمر ترامب في تقليص المساعدات للفلسطينيين؛ إذ إن أحد المواقف التي اتخذها ترامب خلال ولايته السابقة كانت تقليص التمويل الأمريكي، لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ومع عودته للرئاسة، فمن المرجح أن يسعى ترامب للضغط على السلطة الفلسطينية؛ لقبول حلول سلام غير مرضية للفلسطينيين، مستغلا هذا الوضع.
وهكذا.. فإن ترامب لطالما رفض الحلول الدبلوماسية التقليدية، التي اتبعتها الإدارات الأمريكية السابقة، مثل حل الدولتين. بدلا من ذلك، قد يدعم ترامب حلا يتمحور حول تعزيز الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، ما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية، وإضعاف قدرتها على مواجهة التحديات الإسرائيلية.
مثل الحرب في غزة، فإن هناك عدة نواح متوقعة في كيفية تعامل ترامب، وإدارته، مع هذه الحرب؛ ربما بشكل أكثر عنفا من حرب غزة، نتيجة الارتباط بين حزب الله وإيران.
فمن ناحية، كان ترامب قد اتخذ خلال فترته الرئاسية الأولى موقفا عدائيا تجاه إيران، والتي تُعد الداعم الرئيسي لحزب الله. ومن المتوقع أن يواصل هذا النهج في ولايته الرئاسية الحالية، وسيزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران وحلفائها، بما في ذلك حزب الله. هذه السياسة قد تشمل إجراءات مالية وتجارية، تهدف إلى تقويض قدرة الحزب، على تمويل عملياته العسكرية في لبنان وسوريا.
من ناحية أخرى، فإن إسرائيل تعتبر حزب الله تهديدا وجوديا، ومن المتوقع أن تدعم إدارة ترامب الجديدة أي تحرك إسرائيلي لاحتواء الحزب. في حال استمرار الحرب، أو تجدد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، قد يُقدم ترامب دعما عسكريا واستخباراتيا أكبر لإسرائيل، ما سيؤدي إلى تصعيد محتمل في الصراع، خاصة إذا اندلعت حرب جديدة بين الطرفين.
من ناحية أخيرة، قد لا يكون ترامب مهتما كثيرا بدعم الحكومة اللبنانية الحالية، خاصة إذا كانت تحت نفوذ حزب الله. في هذه الحالة، قد يتجه نحو تقليص المساعدات الاقتصادية والعسكرية للبنان، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد. هذا التوجه قد يزيد من حالة عدم الاستقرار في لبنان، ويُضعف الحكومة المركزية، ما سيعطي حزب الله مزيدا من النفوذ في الساحة السياسية اللبنانية.
وهكذا.. قد يعزز ترامب من دعم التحالفات الإقليمية المناهضة لحزب الله، مثل التعاون مع دول الخليج وإسرائيل. بل، قد يسعى لتوسيع نطاق العمليات العسكرية والاستخباراتية المشتركة ضد حزب الله، ويشجع على توجيه ضربات استباقية لمنع الحزب من تطوير قدراته الصاروخية. هذا الدعم قد يترافق مع مزيد من الضغط السياسي على الحكومة اللبنانية لتقليص نفوذ الحزب في البلاد.
بعد إعلان فوز دونالد ترامب بالفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وفي ظل سعيه المتواصل لتشكيل إدارته، فمن المتوقع أن سياساته تجاه حروب الشرق الأوسط، في غزة ولبنان، ستكون امتدادا لنهجه السابق، الذي يقوم على دعم قوي لإسرائيل، وتضييق الخناق على إيران وحلفائها، بما في ذلك حزب الله. هذه السياسات قد تؤدي إلى تصعيد جديد في المنطقة، وزيادة التوترات بين الأطراف الإقليمية، بينما ستظل فرص الحلول الدبلوماسية التقليدية بعيدة المنال.
إلا أن السياسات العدائية المحتملة لترامب في الشرق الأوسط، قد تثير حفيظة بعض حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين يفضلون التعامل بوسائل دبلوماسية أكثر هدوءا تجاه أزمات المنطقة. قد تؤدي تحركات ترامب إلى خلافات جديدة داخل حلف الناتو بشأن كيفية التعامل مع حروب الشرق الأوسط، وخاصة في ظل المخاوف من تزايد الأزمات الإنسانية والهجرة.
أضف إلى ذلك، على الرغم من التوترات الأمريكية الروسية في عدة ملفات، فإن ترامب قد يسعى إلى تقارب أكبر مع موسكو في قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ما يتعلق بتقاسم النفوذ في سوريا ولبنان. هذا التقارب قد يكون له تأثيرات سلبية على مواقف الدول الغربية الأخرى، مثل فرنسا وألمانيا، التي تعتبر روسيا خصما رئيسيا لها.