رؤى

تونس: اعتقال رئيسة الحزب الدستوري الحر.. تداعيات مواجهة حتمية!

فيما كانت تقدم تظلمًا لمكتب الضبط أمام القصر الرئاسي، في ضاحية قرطاج، أُلقي القبض على عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي تُعتبر مُعارضة بارزة للرئيس التونسي قيس سعيد. وبحسب المحامي التونسي نافع العريبي، فإن قاضيًا تونسيًا أصدر قرارًا بسجن موسى، بعد يومين من احتجازها قرب المدخل الرئاسي “بشبهة معالجة بيانات شخصية، وعرقلة الحق في العمل، والاعتداء بقصد إثارة الفوضى”.

ويأتي احتجاز رئيسة الحزب الدستوري الحر، ضمن خطوات “التصعيد الأمني” من جانب الرئيس التونسي، ضد الأحزاب وقوى المعارضة السياسية؛ بما يؤكد حالة الانقسام السياسي الحاد بين النظام والمعارضة، الذي يتزامن مع حالة انسداد الأفق الاقتصادي والاجتماعي، جرّاء الأزمة التي تعيشها تونس داخليًا، وفي إطار كافة الضغوط التي تتعرض لها من بعض الأطراف الخارجية، على خلفية المسار الذي اتخذه الرئيس قيس سعيد، منذ 25 يوليو 2021.

ولعل ذلك ما يؤشر إلى عددٍ من التداعيات المحتملة، التي يأتي في مقدمتها غموض المشهد السياسي التونسي وعدم توقع مآلاته، فضلا عن احتمالية أن تتزايد الضغوط الخارجية، على خلفية تصعيد الحكومة ضد شخصيات المعارضة السياسية.

يستند احتجاز عبير موسى إلى مجموعة من العوامل، التي تُشكل فيما بينها نقاط ارتكاز في التصعيد ضد واحدة من أبرز وجوه المعارضة التونسية.. ولعل أهم هذه العوامل، يبدو كما يلي:

أولًا: معارضة موسى الشديدة لقرارات الرئيس؛ إذ رغم أن موسى كانت من أوائل الداعمين علانية؛ لقرارات قيس سعيد في 25 يوليو، تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، والانفراد بالسلطة؛ إلا أنها سرعان ما انقلبت علي تلك القرارات، بعد ثلاثة أيام فقط، مُبدية رفضها الشديد لها، خاصة تلك المتعلقة بتعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب. وقد جاء رفض  موسى، والحزب الدستوري الحر (16 مقعدًا في البرلمان، من إجمالي 217 مقعدًا)، في بيان مُصوَّر لها عبر صفحتها الرسمية في “فيسبوك”. ومنذ ذلك الحين، قادت مع حزبها احتجاجات منتظمة ضد الرئيس سعيد، دائبة على وصفه بـ”الحاكم بأمره”، معتبرة أن قراراته “غير قانونية”.

ثانيًا: إبعاد موسى عن الترشح للانتخابات الرئاسية؛ ففي إثر احتجاز عبير موسى، حذّر الحزب الدستوري الحر، في بيان “من محاولات افتعال عقبات قانونية، لإبعادها عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية”، المُقرر إجراءها العام المقبل. وكانت موسى قد حلت في المرتبة التاسعة، بعد ترشحها لانتخابات رئاسة الجمهورية، في عام 2019، ويدفعها طموحها السياسي إلى إعلان اعتزامها الترشح في انتخابات العام المقبل 2024، منافسة لقيس سعيد الذي تتهمه بـ”الحكم خارج نطاق القانون”، وتقدم عبير موسى البالغة (48 عاما) نفسها على أنها “البديل” لسعيد في حكم تونس، في الفترة المُقبلة.

ثالثًا: ممارسة الضغوط على الحزب الدستوري الحر؛ حيث يُمثل احتجاز عبير موسى، نوعًا من الضغط على الحزب الدستور الحر، الذي يتصدر مشهد المعارضة السياسية في البلاد، لكافة الإجراءات والقرارات التي يتخذها الرئيس قيس سعيد؛ خاصة أن موسى، ومن ورائها الحزب، كانت قد قادت، خلال الأشهر الأخيرة، احتجاجات منتظمة ضد الرئيس، باعتبار أن قراراته “غير قانونية”، بحسب رأيها ورأي الحزب. وتبدو الضغوط على الحزب، وعلى المعارضة السياسية عمومًا، من خلال التهم الموجهة إلى موسى؛ حيث إن إحداها “الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة، وإثارة الهرج بالتراب التونسي”، هي تُهمة جنائية، تصل عقوبتها إلى “الإعدام”، حسب الفصل 72 من المجلة الجنائية التونسية.

لعل حملة الاعتقالات الموسعة، التي قامت بها الحكومة التونسية، منذ مطلع فبراير الماضي، لعددٍ من شخصيات المعارضة السياسية، وكان آخرها عبير موسى، سوف تتبعها بعض التداعيات المحتملة، سواء الداخلية منها، أو على الصعيد الخارجي.. ولعل أهم هذه التداعيات، يبدو كما يلي:

أولًا: غموض المشهد السياسي العام في تونس؛ إذ إن الخريطة السياسية بشقيها النظام والمعارضة، تتسم بقدر كبير من الغموض والضبابية. فمن جانب يحاول قيس سعيد إرساء نظام حكم غير تشاركي، تواجهه معارضة من قوى سياسية متنوعة الاتجاهات؛ إلا أنه على الجانب الآخر، تعاني هذه المعارضة من انقسامات داخلية حادة. ومن ثم يبدو أن ثمة مخاوف من انفجار الوضع، في ظل القطيعة المتنامية بين الرئيس، والمنظمات والأحزاب السياسية، فضلا عن الخلاف الناشب بين الرئيس والاتحاد العام للشغل، الذي ينضوي تحت لوائه أكثر من مليون عامل تونسي.

ثانيًا: تراجع الثقة في أطراف العملية السياسية؛ حيث يبدو أن ثقة غالبية أفراد الشعب التونسي، بأطراف المعادلة السياسية في تراجع مستمر. وتكفي ملاحظة أن المشاركين في الحراك والتظاهر الذي تحاوله القوى السياسية عموما، والحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه عبير موسى، على امتداد الأشهر الأخيرة، لم يتجاوز بضعة آلاف؛ بما يعني أن المعارضة السياسية لم تتمكن من استقطاب الشارع التونسي، وأضحت تواجه سياسات الرئيس دون دعم شعبي تعتمد عليه.

ولعل ذلك يُحيل إلى موقف الاتحاد التونسي للشغل الذي ترك لأعضائه حرية الاختيار بالتصويت على مشروع الاستفتاء على الدستور، في 25 يوليو 2022؛ ليأتي موقفه ضبابيًا، خلافًا لمواقفه في فترات سابقة.

ثالثًا: احتمالية أن تتعرض تونس لضغوط دولية؛ فعلى الرغم من أن المواقف الدولية كانت “باهتة”، ولم تُظهِر سوى “امتعاض سطحي” لاستحواذ سعيد على معظم السلطات، فيما عُرِف بمسار 25 يوليو 2021؛ إلا أن هناك أكثر من  احتمال لتعرُّض تونس إلى ضغوط خارجية، معظمها ستكون دولية؛ خاصة بعد تصعيد الحكومة بتوقيف عددٍ من الشخصيات السياسية، التي كان آخرها توقيف رئيسة الحزب الدستوري الحر.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن ثمة مؤشرات على المواجهة السياسية، القادمة بين الرئيس التونسي قيس سعيد،  وقوى المعارضة السياسية، التي من المحتمل أن تصطف إلى جانب عبير موسى، ذات الشعبية الثابتة نسبيًا، سواء على مستوى الاستحقاق الانتخابي المحلي في ديسمبر القادم، أو في انتخابات الرئاسة خلال العام المُقبل، خاصة في حال تمكُّن موسى من الترشح لهذه الانتخابات. إذ من المتوقع أن يرتفع الصدام، خصوصا في الانتخابات الرئاسية، بين طرف يمتلك أجهزة الدولة، وطرف آخر يُمكن له – في حال بناء تحالفات معينة- تحريك قدر لا بأس به من الشارع التونسي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock