شهدت العلاقات بين المغرب والصين في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا على جميع الأصعدة، ما جعل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى المغرب في 22 نوفمبر 2024، حدثا بارزا في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة في إطار توجه الصين، لتعزيز حضورها في القارة الأفريقية، وتوسيع نطاق التعاون مع المغرب، بوصفها حليفا استراتيجيا في المنطقة المغاربية وشمال أفريقيا. وتكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى نظرا للظروف السياسية والاقتصادية العالمية، حيث تسعى الصين إلى تقوية علاقاتها مع دول أفريقيا، في ظل التوترات التجارية مع الغرب، بينما يحرص المغرب على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وخاصة من القوى الاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها الصين.
كما يبدو، فإن ثمة دوافع وراء زيارة الرئيس الصيني، السريعة والقصيرة، إلى المغرب.. أهمها ما يلي:
من جهة، تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري؛ إذ تعد المغرب بوابة مهمة للصين في أفريقيا، حيث يمثل موقعه الجغرافي الاستراتيجي نقطة ربط بين أوروبا وأفريقيا، ما يجعله شريكا اقتصاديا وتجاريا مميزا. ومن ثم.. تسعى الصين -من خلال هذه الزيارة- إلى تعزيز حجم التبادل التجاري بين البلدين، وزيادة الاستثمارات الصينية في مختلف القطاعات بالمغرب، مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية. كما يهدف الجانب الصيني إلى تكثيف التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، التي تُعدُّ المغرب شريكا فاعلا فيها، بهدف تسهيل الوصول إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية عبر المغرب.
من جهة أخرى، توسيع الاستثمارات الصينية في المغرب؛ حيث تطمح الصين إلى تعزيز وجودها الاستثماري في المغرب، عبر مجموعة من المشاريع الكبرى، خاصة في مجالات التكنولوجيا والابتكار والطاقة. وتأتي هذه الزيارة لتحديد المزيد من فرص الاستثمار، سواء في قطاعي الصناعة أو السياحة أو حتى الزراعة. وتعتبر المغرب بلدا جاذبا للاستثمارات الأجنبية؛ بفضل استقراره السياسي وتطوّره الاقتصادي، ما يجعله وجهة مثالية للصين؛ لتوسيع رقعة البلدان التي تشمل استثماراتها.
أيضا.. تعد العلاقات الثقافية والتعليمية جزءا من الاستراتيجية الشاملة، التي تنتهجها الصين لتعزيز علاقاتها مع المغرب؛ فالصين تهتم بتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي، من خلال تقديم منح دراسية للمغاربة للدراسة في الصين، وزيادة التعاون بين الجامعات والمؤسسات الثقافية في البلدين. بالإضافة إلى ذلك، تحاول الصين نشر ثقافتها ولغتها في المغرب، عبر إنشاء المزيد من معاهد كونفوشيوس، والمؤسسات الثقافية التي تروج للغة الصينية والفكر الصيني.
من جهة أخيرة، تفعيل النفوذ السياسي في أفريقيا؛ فالساحة الدولية تشهد تنافسا كبيرا بين القوى الكبرى على النفوذ في أفريقيا، حيث تسعى الصين من خلال تعزيز علاقاتها مع المغرب إلى زيادة نفوذها السياسي والدبلوماسي في المنطقة؛ بل إن المغرب يُعتبر لاعبا مُهما في الشئون الأفريقية؛ بحكم دوره الريادي في الاتحاد الأفريقي وفي قضايا الأمن الإقليمي. من خلال هذه الزيارة، تأمل الصين في تحقيق دعم مغربي أكبر لمواقفها في المحافل الدولية، لا سيما في القضايا المتعلقة بسيادتها على بحر الصين الجنوبي، وقضايا التجارة الدولية؛ وفي الوقت نفسه، تُلمح الصين إلى دعم المغرب في موقفه من قضية الصحراء الغربية، بشأن أطروحة “الحكم الذاتي”.
لعل من أهم التداعيات الإيجابية المتوقعة لزيارة الرئيس الصيني إلى المغرب.. ما يلي:
من جانب.. التأثير الإيجابي على العلاقات الثنائية؛ فمن المتوقع أن تُعزز هذه الزيارة العلاقات الثنائية بين المغرب والصين على المستويين السياسي والاقتصادي. على الصعيد السياسي، ستؤدي هذه الزيارة إلى تقوية التنسيق بين البلدين في القضايا الإقليمية والدولية، ما قد يؤدي إلى تعاون أوثق في الملفات المتعلقة بأفريقيا؛ كما قد تسهم في زيادة الدعم الصيني لموقف المغرب، في قضية الصحراء الغربية، خاصةً أن الصين تُفضل تبني مواقف حيادية في هذا النزاع، لكن تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية، قد يدفعها لتقديم دعم غير مباشر للمغرب في المحافل الدولية.
من جانب آخر، تحفيز الاقتصاد وتحسين الميزان التجاري؛ فمن الناحية الاقتصادية، يمكن أن تكون الزيارة مُحفزا كبيرا للاقتصاد المغربي؛ من خلال جذب استثمارات صينية، في قطاعات البنية التحتية والطاقة والابتكار. كما يمكن أن تؤدي إلى تحسين الميزان التجاري بين البلدين، عبر زيادة الصادرات المغربية إلى الصين، خاصة في مجالات مثل المنتجات الفلاحية والمواد الخام. علاوة على ذلك، يمكن أن توفر الاستثمارات الصينية فرص عمل جديدة في المغرب، وتسهم في نقل التكنولوجيا والخبرات؛ ما سيساهم في تعزيز قدرة المغرب على تلبية متطلبات مبادرة “الحزام والطريق”، ومن ثم تحويله إلى مركز لوجستي عالمي.
من جانب أخير، تقوية التعاون الأمني والدفاعي؛ إذ لا يقتصر التعاون المغربي الصيني على المجالات الاقتصادية فقط، بل يمتد إلى المجالات الأمنية والدفاعية؛ خاصة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الأمنية، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يلقى اهتماما صينيا متصاعدا، في إطار السعي إلى تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق”.
من الواضح أن الزيارة تأتي في إطار تفعيل العلاقات الصينية المغربية على أكثر من مستوى؛ وبالتالي، فإن الاحتمالات المستقبلية للعلاقات بين البلدين، يمكن تصورها على الشكل التالي:
من ناحية، نمو العلاقات التجارية والاقتصادية؛ ففي المستقبل القريب، من المتوقع أن تستمر العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين في النمو، مع زيادة حجم الاستثمارات الصينية في المغرب. ويمكن أن تشمل هذه الاستثمارات مجالات الطاقة المتجددة، التصنيع، والسياحة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”؛ كما أن هذه العلاقات ستُسهم في تحسين البنية التحتية المغربية، ما يجعلها أكثر جذبا للشركات الصينية الراغبة في الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية.
من ناحية أخرى، تنامي الدور المغربي لاستراتيجية الصين الأفريقية؛ إذ مع تنامي النفوذ الصيني في أفريقيا، يمكن أن يلعب المغرب دورا مهما في تنفيذ الاستراتيجية الصينية في القارة؛ حيث يُتوقع أن تُعزز هذه الزيارة مكانة المغرب، بوصفها شريكا استراتيجيا للصين في شمال أفريقيا، ما سيُمكنه من لعب دور الوسيط بين الصين ودول أفريقيا الأخرى. هذا فضلا عن أن المغرب يمكن أن يُصبح مركزا إقليميا للتجارة والاستثمار الصيني في أفريقيا.
من ناحية أخيرة، توسّع الدور السياسي للمغرب في أفريقيا؛ فمن المرجح أن يؤدي تعزيز العلاقات مع الصين، إلى تقوية الدور السياسي للمغرب في أفريقيا، حيث يمكن أن يستخدم المغرب هذه العلاقة، بالإضافة إلى علاقاته الأخرى، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، لتوسيع نفوذه في القارة.
قد يصبح المغرب شريكا مهما في الوساطات الإقليمية والصراعات الأفريقية بفضل دعم القوى الكبرى، ما يزيد من تأثيره السياسي على مستوى الاتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية.
وهكذا…
تُعدُّ زيارة الرئيس الصيني إلى المغرب، حدثا تاريخيا من شأنه أن يُعزز العلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات متعددة؛ فهذه الزيارة ليست فقط خطوة نحو توطيد التعاون الاقتصادي والتجاري، بل تمثل أيضا تعزيزا للعلاقات السياسية والثقافية بين الصين والمغرب. على المدى الطويل، يمكن أن تلعب هذه الزيارة دورا محوريا في تشكيل مستقبل العلاقات بين البلدين، ما يجعل المغرب شريكا استراتيجيا للصين في المنطقة وفي أفريقيا بشكل عام.