نعى أمس الدكتور باسم نعيم عضو المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، المحامي الفرنسي جيل ديفير الذي وافته المنية الثلاثاء الماضي بمدينة ليون الفرنسية.. وذكر نعيم في نعيه أن الراحل “كان نصيرا حقيقيا للشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.
ورغم أن ديفير عانى من المرض منذ فترة طويلة -حوالي أربع سنوات- إلا أنه لم يتوقف عن الدفاع عن الحق الفلسطيني، وإدانة الكيان الصهيوني وقادته بوصفهم مجرمي حرب متهمين بارتكاب أبشع جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.. ودعا نعيم إلى “التمسك بإرث ديفير والعمل لتحقيق حلمه برؤية الشعب الفلسطيني يتمتع بحريته ودولته المستقلة وعاصمتها القدس، مع عودة اللاجئين إلى أرضهم”.
قبل عام قاد جيل ديفير جيشا من المحامين قوامه خمسمئة محام، من مُختلف الجنسيات؛ متوجها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. قدّم ديفير دعواه في ستة وخمسين صفحة؛ مطالبا بفتح التحقيق في الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزّة منذ السابع من أكتوبر 2023، وكانت جهود ديفير في هذا الشأن؛ سببا مباشرا في إصدار مذكرات الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
“الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح” هكذا علّق ديفير على إصدار مذكرات الاعتقال، وأضاف “هذا اليوم بمثابة يوم عيد لي”.
ثمانية وستون عاما فقط عاشها المحامي وأستاذ القانون جيل ديفير الذي عمل لفترة في مهنة التمريض، ولم يتخل عنها حتى وفاته، وظل معنيا بتطوير القطاع الصحي في فرنسا، إلى جانب دفاعه عن القضايا العادلة وفي القلب منها القضية الفلسطينية وقضايا الأقليات أمام المحاكم الدولية، وكذلك إلقاء المحاضرات في كلية الحقوق بجامعة ليون.
ويرجع الفضل إلى ديفير في إدخال القضية الفلسطينية إلى أروقة محكمة الجنايات الدولية عام 2009، حين تقدّم بشكوى ضد الكيان الصهيوني على خلفية الجرائم المرتكبة في حرب غزة عام 2008-2009.
وفي العام 2014، شارك الراحل مجموعة من المحامين في تقديم دعوى جديدة ضد دولة الاحتلال، أسفرت عن انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساسي، وفتح فحص أولي من قبل المحكمة الجنائية الدولية، عقب حملة إعلامية كبيرة.
“إن القضية الفلسطينية والإنسانية جمعاء، فقدت محاميا إنسانا عاش من أجل المبادئ ومن أجل القضايا العادلة عموما، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث كان يسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد مجرمي الحرب في أي مكان”. هذا ما أكده المحامي الدولي عبد المجيد مراري، رفيق درب جيل ديفير لإذاعة مونت كارلو الدولية.
ورغم أن الخسارة فادحة برحيل هذا المحامي الشجاع النبيل؛ إلا أن الآلية التي أسس لها ديفير على مدى أكثر من خمسة عشر عاما- تعمل بكفاءة، وتجتذب كل يوم محامين جددا من شتى بقاع الأرض، ما يؤكد أن القضية الفلسطينية لن تفقد ذلك الزخم الذي تنامى على أكثر من صعيد، منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” قبل ما يزيد على العام.
ربما لا تقل المعارك القانونية أمام محكمة الجنايات الدولية – أهمية عن المعارك الحقيقية في ساحات القتال؛ وذلك لأن نتائج الأولى تنعكس إيجابيا على قوى المقاومة وأدائها؛ بينما تضرب الأحكام القضائية بالإدانة للكيان الغاصب وقادته المجرمين، مسمارا قويا في نعش دولة الاحتلال التي تعاني اليوم حالة من النبذ لم تشهدها من قبل؛ لدرجة أن الدول التي اعترضت على مذكرات توقيف نتانياهو وجالانت.. لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في العالم؛ في ظل ترحيب دولي واسع بالمذكرات؛ حتّى أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي صرّح أمس، “إن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو قد يعتقل إذا زار بريطانيا، مؤكدا التزام بلاده بالقانون الدولي”.
لن تنطفئ الشعلة التي أوقدها ديفير وستبقى متقدة ونابضة بالعزم، فعالم اليوم يختلف بالتأكيد عن عالم ما قبل السابع من أكتوبر 2023، فما أحدثه “طوفان الأقصى” المبارك من آثار هدمت وأزاحت ركاما من الاكاذيب عن وعي الشعوب في العالم أجمع- سيكون له تداعيات خطيرة على وجود دولة الاحتلال التي أصبح استمرار وجودها نفسه، محل شك كبير.