مختارات

زمن سقوط الأقنعة في المشهد السوري «2-2»

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عُمان

حسين عبد الغنيفي الجزء الأول من هذا المقال تحدثنا عن سقوط الأقنعة المحلية في التعامل مع تطورات الوضع السوري منذ هجوم هيئة تحرير الشام في ٢٧ نوفمبر الماضي وحتى دخولهم دمشق دون قتال في ٨ ديسمبر الجاري.

سقوط الأقنعة السورية للنظام السابق أو للنظام الجديد، وسقوط الأقنعة الفلسطينية سواء سلطة رام الله أو المنقلبين على إرث السنوار في حماس.

في الجزء الثاني نتحدث عن الأقنعة الدولية والإقليمية والعربية التي ذابت وانصهرت في نار الانقلاب الاستراتيجي في المعادلة السورية بل وإلى حد كبير في الشرق الأوسط كله.

سقوط قناع التزام واشنطن بالمعاهدات الدولية التي ترعى مفاوضاتها: الهجوم المخطط له أمريكيا وتركيا وإسرائيليا كان يتوقع فراغا كبيرا في القوة يسمح لإسرائيل باحتلال كامل هضبة الجولان بما فيها المنطقة التي حررها السوريون في حرب أكتوبر ٧٣ ومناطق أخرى، لكن إسرائيل لم تكتف بذلك بل قام نتنياهو من طرف واحد بإلغاء اتفاقية فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا الموقعة ١٩٧٤. القناع الذي سقط هنا أن الولايات المتحدة كقطب واحد للنظام الدولي القائم ويفترض به حماية قواعده القانونية وعلى رأسها احترام المعاهدات الدولية ـ سمحت لإسرائيل بأن تلغي من طرف واحد اتفاقية حولها قرار مجلس الأمن الدولي إلى معاهدة دولية ملزمة. المغزى الحقيقي الذي أطاح بما تبقى من مصداقية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هو أن هذه الاتفاقية تمت بوساطة أمريكية والضمانات التي قدمت فيها كانت ضمانات أمريكية. بعبارة أوضح أهدرت واشنطن ـ في سبيل مصالحها المشتركة مع إسرائيل في الاستحواذ على أكثر ما تستطيع من نفط وثروات العرب والسيطرة على موقعهم الاستراتيجي ـ ضمانات معاهدات صنعتها هي بنفسها ووقعت عليها أطراف عربية وهي تعتقد أن أمريكا كضامن لن تقبل أبدا بخرقها من طرف واحد كما فعلت إسرائيل. تعليق مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان على ما فعلته إسرائيل في سوريا من أنه يتفق مع حق الدفاع عن النفس يجعل من اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وغيرها من التي رعتها واشنطن بين أطراف عربية وإسرائيل تتدهور إلى مجرد ورق معلق في الهواء وقد أعطي ضامنه مثالا مخيفا على قدرته على التنصل منه ومجاراة الجموح الاحتلالي التوسعي الإسرائيلي في تمزيق هذا الورق متى شاء.

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

سقوط قناع استقلال تركيا عن الناتو: في نار الانفجار السوري الأخير انصهر القناع الإسلامي الذي اتخذه حزب العدالة والتنمية ووظفه في مضاعفة التجارة بينه وبين العالم العربي من ٩ مليار دولار ١٩٩٤مع الحكومات التركية العلمانية السابقة عليه إلى نحو ٤٠ مليار دولار في العام الأخير. ظهر القناع الأطلسي للعضو الراسخ في حلف الناتو وصديق إسرائيل الذي كان أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في ١٩٤٩ أي بعد عام واحد من النكبة، وتمتعا وما زالا بعلاقات عسكرية واقتصادية وثيقة للغاية من دون نموذج واحد منها كانت لتنهار إسرائيل في حربها على جبهات عدة منذ ٧ أكتوبر الماضي. هذا النموذج هو خط إمدادات الغاز من آسيا التي تمر عبر تركيا ولم تجرؤ أنقرة حتى على التفكير في قطعها انتصارا لغزة. يسخر الإسرائيليون من دعوات تركيا لهم بالانسحاب من الجولان ودرعا والاقتراب ٢٠ كيلو متر من دمشق فيقولون ببساطة إن تركيا هي آخر من يتكلم عن الاحتلال والانسحاب ليس فقط لأن تركيا تحتل أراضي سورية كبيرة ولا تبدي أي نية للانسحاب منها بل سيدت عملتها وطوابع بريدها ولغتها في هذه المناطق ولكن أيضا لأن الولايات المتحدة والناتو يستطيعان تنسيق عملية ممنهجة لإدارة تنافس المصالح بين أنقرة وتل أبيب بصورة تضمن لكل منهما مكاسبه طالما يأتمر كليهما بنفس الاستراتيجية الغربية. يتكلم جنرالات إسرائيل السابقون بوضوح عن أن تعارض بعض المصالح مع تركيا لا يمثل تهديدا على المدى القصير وربما المتوسط وإنه حتى على المدى الطويل قابل لحلول براغماتية. ومنها مثلا حل المشكلة التي تؤرق تركيا وهي التهديد الكردي. يمكن لأمريكا مثلا أن ترتب حلا يتم فيه الحفاظ على علاقات واشنطن وتل أبيب بالأكراد السوريين وتثبيت جيب الحكم الذاتي لهم في شمال شرق سوريا وفي الوقت نفسه منعهم من تشكيل أي تحد للأمن التركي. لا تبدو أنقرة هنا مستعدة لمواجهة مع إسرائيل حول الجولان أو فلسطين تعرف أن أمريكا ستنضم فيها للإسرائيليين. مواجهة قد تجهض تماما حلم أردوغان في استعادة نفوذ شرق أوسطي يمتد من المشرق العربي للشمال الإفريقي ومنه للسودان والصومال. امتداد جيوسياسي عربي!! يرى الشوفينيون الأتراك أنه حقهم لولا أن العرب خانوهم وتآمروا مع الغرب في الحرب العالمية الأولى ما أدى إلى سقوط الخلافة العثمانية فعليا في نهاية هذه الحرب ورسميا عام ١٩٢٣.

النكبةسقوط أقنعة النظام الرسمي العربي: لم يرتدع النظام الرسمي العربي من التبعات المخيفة من احتلالات تركية وإسرائيلية لسوريا ومن أن تفشل المجموعة الجديدة في بناء سوريا ديمقراطية ومدنية تحترم المواطنة وبالتالي سيكون خطر امتداد الإرهاب للمنطقة من جديد خطرا داهما.

وكما سقطت أقنعة دفاعه عن القضية الفلسطينية سقوطا شنيعا في اختبار طوفان الأقصى وحرب الإبادة والتجويع في غزة سقط هذا النظام في المشهد السوري الجديد. التحدي الجماعي للأمن القومي العربي لم يكن كافيا لهذه الدول لاتخاذ موقف موحد تجاه الأزمة. مرة أخرى تصرف كل طرف عربي حسب ما يرى أنه يحمي مصالحه. الأطراف التي تخشى من خطر الإرهاب سعت، ويا للمفارقة، للحصول من واشنطن التي قال رئيسها المنتخب مرة أننا – أي الأمريكيين – الذين خلقنا داعش أو من أنقرة التي لم تتخل عن إسلاميي سوريا يوما واحدا منذ ٢٠١١ على ضمانات بأن لا تتسلل مجموعات الجهاد الأجنبية والعربية في سوريا مرة أخرى للدول المجاورة أو دول الخليج. الأطراف التي تدعم الإسلام السياسي اندفعت لدعم النظام الجديد في دمشق وتتحدث صراحة عن ربيع عربي جديد يقوده الإخوان المسلمون. تبددت أقنعة الدفاع عن الأمن العربي الجماعي أو عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني وبكى كل منهما على ليلاه. الخطير أن العرب استبدلوا نفوذ دولة واحدة «إيران» بنفوذ بل باحتلال تركي وإسرائيلي لأراض عربية. تمنوا نهاية المشروع الإيراني فوجدوا مشروعين أخطر منه يعملان تحت راية الناتو ويتحالفان سرا وعلنا منذ ٧٥ عاما متصلة. الإدمان العربي على تكرار الأخطاء التاريخية دون أدنى استفادة والذي يعقبه ندم مرير وبكاء على اللبن المسكوب هو نفس الندم الذي سنسمعه بعد سنوات وربما بعد شهور والذي سبق وأن أبداه مسؤول عربي راحل شارك أكثر من أي شخص آخر في عمليات إضعاف وإسقاط الاتحاد السوفييتي السابق. إذ تحسر مرة على سقوط الاتحاد السوفييتي الذي كان يخلق توازنا وهامش حركة للدول الصغيرة تبدد تماما مع غيابه وإحكام أمريكا بعده قبضتها على عنق الجميع بما فيهم الحلفاء المقربين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock