أنهى صندوق النقد الدولي الثلاثاء الماضي، المراجعة الرابعة لبرنامج مصر -الذي تحصل بموجبه الحكومة على قرض يبلغ ثمانية مليار دولار-؛ تمهيدا لاستلام دفعة جديدة من القرض تُقدّر 1.2 مليار دولار.
المراجعة التي أنهاها الخبراء، تنتظر موافقة المجلس التنفيذي للصندوق لاعتمادها. عقب المراجعة دعا صندوق النقد في بيان له، الحكومة المصرية إلى رفع إيرادات الضرائب وتسريع وتيرة الخصخصة. وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت قبل إنهاء المراجعة بساعات، عن حزمة قرارات حماية اجتماعية جديدة، شملت زيادة الحد الأدنى للأجور؛ ليصبح سبعة آلاف جنيه، وزيادة المعاشات بنسبة 13%، بداية من مارس المقبل، وزيادة قيمة معاش برنامج “تكافل وكرامة” 15%، وضم أكثر من 100 ألف أسرة جديدة للبرنامج.. كان البنك الدولي قد ذكر في تقرير سابق له أن 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر أو بالقرب منه.
كما تعهدت الحكومة بزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على مدار العامين المقبلين.
بيان الصندوق أشار إلى أن الحكومة المصرية واصلت تنفيذ السياسات الرئيسة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، رغم التوترات الإقليمية المستمرة التي أدت لانخفاض حاد في إيرادات قناة السويس – بلغت خسائرها لهذا العام 6.6 مليار دولار- كما أوصى البيان بضرورة تقليل التكاليف العالية للفائدة، ومتطلبات التمويل المحلي الإجمالي، لكن ذلك لم يحل دون تثبيت سعر الفائدة للمرة السادسة على التوالي -خلال هذا العام- من قبل لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، وذلك أثناء اجتماعها الأخير لهذا العام، والذي عقد مساء الخميس الماضي.
شدد الصندوق أيضا على ضرورة بذل جهود إضافية من جانب الحكومة لتوفير بيئة اقتصادية أكثر تنافسية، مع المسارعة في وتيرة إجراءات تخارج الدولة من الاقتصاد؛ دعما لتطوير القطاع الخاص، وتقليلا لعبء الدين المرتفع. وكان رئيس الحكومة قد أعلن عن طرح عشر شركات مصرية منها أربعة تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، خلال 2025.
من الواضح أن توصيات الصندوق بعد إنهاء المراجعة الرابعة، ركّزت على ما يضمن انتظام سداد الديون، دون النظر إلى “الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري” ومحاولة وضع الخطط لعلاجها، وهو ما يفاقم الأزمة ويزيد الوضع سوءا.. خاصةً مع ارتفاع خدمة الدين( أقساط وفوائد الديون) بنسبة 33% خلال2024، لتصل إلى 38.7 مليار دولار، مقارنة بـ 29 مليار دولار في 2023.
وما تزال الرؤية غير واضحة بشأن مآلات الوضع الراهن؛ خلال العام الجديد.. وإن كان من المرجّح أن يبدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة خلال الربع الأول من العام الجديد، من 300إلى 400 نقطة أساس، وتشير بعض التوقعات إلى أن الخفض سيصل إلى 1000 نقطة أساس بنهاية العام.
أما عن التضخم الذي تراجعت نسبته في البيانات الرسمية إلى 25.5% خلال نوفمبر المنقضي- فتشير التوقعات إلى استمرار مساره النزولي ليصل بنهاية العام إلى 20% تقريبا.. بينما أكد عدد من الخبراء أن المعطيات الراهنة تشير إلى أن التراجع غير ملموس، وأن التضخم ستتراوح نسبته بنهاية العام الجديد، بين 35% إلى 40%.
بخصوص العملة المحلية التي عانت ضغوطا شديدة خلال الفترة الأخيرة، وصلت بالدولار إلى 50.82 جنيها اليوم الإثنين- تشير بعض التوقعات إلى أن الانخفاض سيستمر، وربما يصل الدولار إلى 55 جنيها، مع التزام الحكومة بسعر صرف مرن -إحدى ركائز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي- وهو ما صرّح به رئيس الوزراء مطلع الشهر؛ مؤكدا أن “تحرك العملة صعودا ونزولا في حدود 5% أمر طبيعي وفق حركة الطلب على الدولار”.
ومازالت الخطوات الجادة التي من شأنها الخروج بمصر من الأزمة الاقتصادية المستحكمة التي يدفع ثمنها الطبقات المتوسطة والفقيرة- قليلة وضعيفة الأثر، ولا تحقق من النتائج ما يمكن البناء عليه، وهو ما يؤكد الحاجة إلى رؤى جديدة ومغايرة وحاسمة؛ تستهدف علاج الخلل الهيكلي في بنية الاقتصاد المصري، والذي تسبب – إلى جانب عوامل أخرى- في تردي الوضع الاقتصادي واستحكام الأزمة على هذا النحو.