في صبيحة يوم السادس من يناير ٢٠٢٥، استفاق المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة، والبالغ عددهم نحو ٧٠٠ ألف مستوطن، على عملية نوعية جديدة.
حيث أطلق مسلحون فلسطينيون النار، من سيارة مارة أمام حافلة، على طريق سريع، قرب مستوطنة كدوميم، شرق مدينة قلقيلية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة صهاينة بينهم امرأتان، وإصابة أربعة آخرين.
ووفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فإن “التوثيق الذي نُشر من موقع الحادث في كدوميم، يظهر فيه المنفذون يصلون بسيارة، يغادرونها بعد دقيقة، ثم يطلق أحدهم النار على حافلة وسيارة”.
ووصفت الصحيفة العملية بأنها تدل على “مستوى احتراف ومهارة عسكرية أعلى مما شهدناه في الضفة الغربية خلال معظم العقد الماضي”.
وانتقدت الصحيفة الأجهزة الأمنية الصهيونية، وحمّلتها المسئولية عن العملية، حيث أن “المجموعة التي نفذت الهجوم كانت بالفعل تحت رصد الشاباك والجيش، لكنها أفلتت”.
وهو ما أكده جيش الاحتلال في بيان له جاء فيه “اثنان من المنفذين، الذين نفذوا الهجوم هذا الصباح في شمرون، معروفان لدى المؤسسة الأمنية، وكانا على قائمة المطلوبين لدينا؛ وهم من سكان منطقتي جنين وقباطية شمالي الضفة الغربية، وينتمون إلى بنية تنظيمية”.
العملية في كدوميم.. جددت مخاوف صهيونية؛ لم يكتهما الكتاب والمحللون العسكريون في صحافة الكيان، من أن تتحول الضفة الغربية بشكل تدريجي إلى “غزَّة أخرى” أو أن يتكرر سيناريو السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، في الضفة.
فبعد شهر واحد من انطلاقة معركة “طوفان الأقصى” في قطاع غزة، كتب الصحفي جدعون ليفي مقالا في صحيفة هآرتس العبرية بعنوان “المفاجأة الثانية ستأتي من الضفة الغربية”.
حيث أوضح ليفي أن “المفاجأة الثانية لن تأتي فجأة. وقد تكون أقل فتكا من مفاجأة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكن ثمنها سيكون باهظا”.
وأضاف “طنجرة الضغط القادمة ستنفجر في وجوهنا في الضفة التي تغلي. والجيش يعلم بذلك، ولا يتوقف قادته عن التحذير من الوضع. لكن هذه التحذيرات منافقة، مرائية، ووقحة بصورة لا توصف، عندما يكون الجيش الإسرائيلي وجنوده، هم الذين يؤججون النار بصورة لا تقل عن المستوطنين”.
وأشار إلى أن أسباب هذا الانفجار موجودة بالفعل في الضفة بقوله “الضفة الغربية تئن، ولا أحد في إسرائيل يسمع صراخها. المستوطنون يمارسون بتعدياتهم، ولا أحد في إسرائيل يوقفهم عند حدهم. إلى أي حد سيتحمل الفلسطينيون؟ إسرائيل ستدفع الفاتورة، وستكون دموية جدا”.
نفس المخاوف عبّر عنها نفس الكاتب في شهر نوفمبر ٢٠٢٤، أي بعد عام كامل من مقاله الأول، فمع اشتداد المواجهات بين المسلحين الفلسطينيين، وقوات الاحتلال في شمال الضفة الغربية، كتب ليفي ليقول “إن المقاومة الفلسطينية العنيفة في الضفة الغربية ترفع رأسها”.
وفي التوقيت ذاته.. كتب تسفي برئيل في هآرتس أن الضفة الغربية، ورغم أنها لم “تنجر” على حد تعبيره إلى “توحيد الساحات” مع قطاع غزة؛ إلا أن سياسات وزراء مثل بن غفير وسموتريتش المؤيدة للاستيطان والتوسع “هو الذي سيؤدي إلى إنضاج الظروف؛ لنشوب ثورة فلسطينية عنيفة. وإذا حدث ذلك، فإن السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح لن تفيد إسرائيل، لا أمنيا، ولا سياسيا”.
القلق الصهيوني الذي عبَّر عنه هؤلاء الكتاب، تجدد مرة أخرى بعد عملية كدوميم، ونقلت قناة كان العبرية عن مصادر أمنية صهيونية قولها إن “ما يحدث في الضفة مشابه لغزة، وهو عدد عمليات قليل لكنها أكثر خطورة ودقة”.
ومما يزيد قلق الصهاينة؛ إخفاق ما يعرف بسياسة “التنسيق الأمني” مع السلطة الفلسطينية في قمع خلايا المقاومة في الضفة الغربية؛ حيث لم تفلح الحملة التي شنتها قوات الأمن التابعة للسلطة المذكورة في مخيم جنين منذ ١٣ ديسمبر ٢٠٢٤، في تفكيك كتيبة المخيم التي تتولى الدفاع عنه ضد أي توغل صهيوني.
الأمر الذي دفع الحكومة الصهيونية، وفقا لما أوردته القناة ١٤ العبرية، إلى تحذير السلطة من قرب “انتهاء المهلة” الممنوحة لها؛ لإتمام مهمة تفكيك كتيبة جنين.
كما تأتي هذه التطورات في الضفة الغربية، في وقت يوقن فيه غالبية الصهاينة، أن سيناريو السابع من أكتوبر قابل للتكرار، حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أنه “بعد مرور 15 شهرا على يوم السبت 7 أكتوبر، لا يزال العديد من الإسرائيليين يواجهون صعوبات كبيرة في حياتهم اليومية”.
وأضافت “هم أكثر قلقا بشأن مستقبل الدولة والقلق الوجودي لا يفارقهم” حيث أن “82% قلقون بشأن حالة الدولة” و”50% أبلغوا عن تدهور كبير في جودة النوم” و”26.7% يعانون من أفكار انتحارية سلبية”.
إن الضفة الغربية التي يحلو لأنصار المقاومة الفلسطينية الإشارة إليها باعتبارها “ضفة العياش” في إشارة إلى الشهيد يحيى عياش، مهندس العمليات الفدائية ضد الاحتلال في التسعينات٬ ورغم كافة محاولات العدو منعها من أن تكون “غزة جديدة” تبدو -بفعل سياسات العدو- ماضية في هذا الاتجاه.