رؤى

دوافع وتداعيات.. تصنيف واشنطن الحوثيين “منظمة إرهابية”

منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، تبنَّت الإدارة الأمريكية سياسة خارجية أكثر حزما تجاه قضايا عدة، أبرزها تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.

واحدة من أهم هذه السياسات كانت تصنيف “الحوثيين” في اليمن “منظمة إرهابية”، وهي خطوة أثارت جدلا كبيرا دوليا وإقليميا. هذا القرار يأتي في إطار استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة، باستخدام سياسات “الضغوط القصوى” في المنطقة.

فما دوافع هذا القرار، وتداعياته على المستوى الإقليمي والدولي، خاصة في ظل النزاع المستمر في اليمن؟

الدوافع الأمريكية

تتعدد الدوافع الأمريكية وراء تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية”، على أكثر من جانب:

أولا، هناك محاولة الضغط على إيران؛ فقد وضعت إدارة ترامب، منذ البداية، مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط على رأس أولوياتها. العلاقة بين إيران والحوثيين لا تخفى على أحد، إذ يُعتقد أن طهران تقدم دعما عسكريا ولوجستيا للحركة. ومن ثم، يُعد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، جزءا من جهود ترامب لعزل إيران وحلفائها إقليميا ودوليا. هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة “الضغط الأقصى” التي تبنتها الإدارة الأمريكية، بهدف الحد من قدرة إيران على ممارسة نفوذها في اليمن، وغيره من الدول العربية.

من جانب آخر، هناك تقديم الدعم لحلفاء واشنطن الإقليميين؛ إذ تُعتبر كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الحوثيين تهديدا كبيرا لاستقرار المنطقة، خاصةً مع الهجمات التي تشنها الجماعة على الأهداف السعودية والإماراتية، باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار.

لذا فإن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، يُنظر إليه على أنه وسيلة لتقديم دعم سياسي ومعنوي لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج، الذين يقودون التحالف العسكري ضد الحوثيين في اليمن.

ثانيا، هناك تأمين المصالح الأمريكية في المنطقة؛ فاليمن يقع في منطقة استراتيجية هامة بالنسبة للولايات المتحدة، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي بالقرب من الممرات المائية الدولية في مداخل البحر الأحمر وخليج عدن، بل أيضا بسبب الدور الذي يمكن أن يلعبه اليمن في تهديد أمن الإمدادات النفطية القادمة من الخليج. إدارة ترامب اعتبرت أن الحوثيين يشكلون تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية ولأمن حلفائها في المنطقة، ما يبرر تصنيفهم منظمة إرهابية.

تداعيات التصنيف

مثلما تتعدد الدوافع الأمريكية في تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية”، تتعدد أيضا التداعيات الناتجة، أو التي سوف تنتج عن هذا القرار.

من جهة، تعقيد الحلول السياسية في اليمن؛ إذ إن هذا التصنيف سوف يخلق عوائق جدية أمام أي محاولات للتوصل إلى حل سياسي للصراع في اليمن. فالحوثيون يمثلون فاعلا رئيسا في النزاع اليمني، ويشغلون مساحات واسعة من الأراضي اليمنية، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وبالتالي، لا يمكن تصوُّر حل سياسي شامل بدون إشراكهم في المفاوضات الخاصة بهذا الشأن.

والواقع، أن هذا التصنيف سوف يُعرقل المفاوضات التي كانت تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث إنه سيصبح من الصعب التعامل مع الحوثيين، دون التعرض لعقوبات أو قيود قانونية. هذا الوضع يُعقّد الجهود الرامية إلى إعادة الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك جهود مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، والذي يسعى لجمع الفصائل المتنازعة ضمن إطار حل سياسي تفاوضي. وبالتالي، فإن التصنيف يُقلِّص فرص التفاوض المباشر أو غير المباشر مع الجماعة، ويجعل من الصعب إيجاد تسوية سلمية.

من جهة أخرى، تصعيد النزاع الإقليمي؛ حيث إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية يأتي في إطار الصراع الإقليمي الأوسع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى. الحوثيون يُعدون أحد وكلاء إيران الرئيسيين في اليمن، وتصنيفهم بهذا الشكل يُعزز من فكرة أن الحرب في اليمن ليست مجرد نزاع داخلي؛ بل هي جزء من الصراع الأوسع على النفوذ في المنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي.

وإضافة إلى أن إيران قد ترى، وهي بالفعل سوف ترى، في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية استهدافا مباشرا لها، بما قد يدفعها إلى تنامي دعمها للحوثيين.. فإن القرار الأمريكي قد يدفع إيران إلى استغلال هذا التصنيف؛ فرصةً لتعزيز تحالفاتها مع قوى إقليمية أخرى معادية للولايات المتحدة وحلفائها. وقد يتمثل هذا في زيادة التنسيق مع جماعات أخرى مسلحة مدعومة من إيران، مثل حزب الله في لبنان أو الميليشيات العراقية.

من جهة أخيرة، إعادة تشكيل التحالفات الدولية؛ فتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، لا يؤثر فقط على الأطراف المباشرة في النزاع؛ بل ينعكس أيضا على التحالفات الدولية القائمة حول اليمن والمنطقة العربية بشكل عام.

إذ إن عددا من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، أبدت تحفظات واضحة على تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. هذا الاختلاف في الرؤى بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد يؤدي إلى توتر في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ويعيد تشكيل التحالفات حول الصراع اليمني.

أيضا، التصنيف قد يدفع إيران إلى تعزيز تعاونها مع قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين، اللتين تعارضان عموما السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. روسيا والصين قد تعتبران هذا التصنيف محاولة أمريكية لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، ما قد يدفعهما إلى تعزيز الدعم لإيران والحوثيين، سواء من خلال الدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن، أو من خلال تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية.

في هذا الإطار.. يمكن القول إن قرار إدارة ترامب بتصنيف الحوثيين في اليمن “منظمة إرهابية”، يعكس استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقديم دعم لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج. لكن هذا القرار يأتي مع تداعيات كبيرة على المستويات الإنسانية والسياسية والدبلوماسية، قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة في اليمن وتزيد من تعقيد جهود الحلول السياسية.

هذا، فضلا عن أنه في ظل الصراع المستمر بين إيران، ذات الأغلبية الشيعية، وحلفاء الولايات المتحدة من الدول السنية، مثل السعودية والإمارات، فإن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؛ يمكن أن يُعزز من استقطاب الصراع على أساس طائفي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock