رؤى

مخطط ترمب لتهجير سكان غزة.. مقامرة تاريخية؟!

ترجمة أحمد بركات

هل يجلب مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتهجير سكان غزة إلى المغرب وصوماليلاند وبونتلاند، بعد الحديث عن مصر والأردن، اللتين رفضتا بحزم المقترح الأمريكي، السلام إلى الشرق الأوسط، أم يفاقم الصراع ويوسع دائرته بما لا تحتمله المنطقة والعالم؟

هذا السؤال يطرحه دانيل بايبس، مؤسس منتدى “Middle East Forum”  (منتدى الشرق الأوسط) ليخلص عبر مقاربة تاريخية إلى أن فكرة عمليات التهجير لإنهاء الصراع “بالغة الحمق”.

ففي مستهل مقالته التي تحمل عنوان Trump’s Gaza Population Transfer Plan: A Historic Gamble? يؤكد الخبير الأمريكي في السياسة الخارجية وشئون الشرق الأوسط، أن تهجير الفلسطينيين إلى المملكة المغربية وصوماليلاند وبونتلاند يمثل “إشكالية لا تختلف في تعقيداتها عن تهجيرهم إلى مصر والأردن”.

فالمغرب تتحدث عربية تختلف على نحو جذري عن تلك التي يتحدثها أهل الشام، فيما تتمتع صوماليلاند بالاستقرار والديمقراطية، ومن ثم فإن تدفق الفلسطينيين “البائسين والذين يحملون استعدادا للتشدد وحمل السلاح” -على حد وصفه- “قد ينتزع الهزيمة من بين مخالب النصر”.

وفي الوقت نفسه، فإن بونتلاند تخوض في هذه الأثناء صراعا ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ومن ثم فإن الإلقاء بحماس في قلب هذا المزيج سيكون بمثابة سكب الزيت على النار.

وبالرغم من أن عمليات تهجير أصحاب الأرض، لم تثبت نجاعتها على المستوى السياسي “خلال سنوات القرن الحادي والعشرين على الأقل”، إلا أن التاريخ الحديث لا يعدم عمليات تهجير أسهم كثير منها في جلب الهدوء الظاهري والمؤقت، وليس السلام الدائم والعادل.

فعلى سبيل المثال، تمكَّن الإسبان والبرتغاليون من طرد اليهود بأعداد كبيرة في عام 1492. وفي مطلع القرن السادس عشر، رحَّل إسماعيل الأول، وهو الشاه الفارسي الذي حوَّل إيران إلى المذهب الشيعي- الأكراد إلى خراسان، بالقرب مما يُعرف اليوم بحدود أفغانستان وتركمانستان، لمنع تدفق البدو الأتراك من أواسط آسيا إلى الحدود الشمالية الشرقية، ذات الكثافة السكانية المنخفضة، لبلاد فارس.

وفي وقت لاحق من القرن نفسه، استأنف الشاه عباس الأول عمليات نقل الأكراد عقابا لهم على تمردهم الذي وقع في المناطق الجبلية، حيث كان يعيش العديد منهم. وبعد أكثر من 500 عام ظلت جيوب القرى والبلدات الكردية في شرق إيران على مسافة مئات الأميال من موطن الأكراد.

وفي مرحلة لاحقة.. رحَّل الشاه عباس الأول، آلاف الأرمن لمسافة 600 ميل جنوبا، من القوقاز إلى أصفهان، عاصمة بلاد فارس آنذاك، بهدف استخدام الأرمن الذين يتمتعون بمواهب تجارية ومهارات حرفية؛ لإنعاش الاقتصاد وتوسيع وتنمية الأنشطة التجارية والحرفية المختلفة في وسط إيران. ولا تزال أصفهان إلى يومنا هذا موطنا لحي أرمني نابض بالحياة.

الشاه عباس الأول

وأدت عمليات الترحيل القسري للمدانين البريطانيين، وآخرين من الفئات غير المرغوب فيها، إلى أستراليا في أواخر القرن الثامن عشر، إلى تغيير التركيبة السكانية في القارة بشكل دائم.

فبدءا من عام 1830، أنشأ الرئيس أندرو جاكسون “درب الدموع” (يشير هذا الاسم إلى عمليات التهجير القسري لعشرات الآلاف من الهنود الحمر من جنوب شرق الولايات المتحدة إلى إقليم أوكلاهوما).

ولم تكن هذه هي المرة الأولى، التي يعاني فيها سكان أمريكا الأصليين، من السياسات التهجيرية برغم أسطورة “الهمجي النبيل” (التي تزعم أن قبائل سكان أمريكا الأصليين نفَّذوا عمليات تطهير عرقي ضد بعضهم البعض، وأجبروا منافسيهم على النزوح، قبل قرون من وصول الأمريكيين البيض إلى أمريكا الشمالية).

وتسارعت وتيرة عمليات الترحيل القسري في القرن العشرين. فمع ترسيم الحدود بين اليونان وتركيا بموجب معاهدة لوزان 1923، فرَّ 1.2 مليون يوناني أرثوذوكسي من تركيا إلى اليونان، فيما هرع 350 ألف مسلم تركي من اليونان إلى تركيا. وقد وُلِد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، في مدينة سالونيك باليونان.

وفي عام 1926، أحصى التعداد السوفيتي ما يقرب من 40 ألف كردي في أذربيجان. وتلاعب جوزيف ستالين، مفوض القوميات آنذاك، بفكرة إنشاء “كردستان الحمراء” بين أرمينيا وأذربيجان قبل أن يغيّر رأيه ويرسل الأكراد إلى ما يُعرف الآن بكازاخستان.

وبحلول عام 1939، لم يبق في أذربيجان سوى 6000 كردي، حيث انصهر العديد من الأكراد ببساطة في التركيبة السكانية بمصاهرتهم أتراك من آسيا الوسطى.

وشهدت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية جولة تهجير أخرى، مثل نقل الألمان السوديت من تشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا. كما رحَّل السوفييت 100 ألف ألماني من كونيجسبيرغ، بعد تحويلها من مدينة بروسية ألمانية تاريخية إلى أرض روسية.

ورافقت عمليات النزوح تقسيم الهند في عام 1947، حيث فر أكثر من 14 مليون شخص من الهند إلى باكستان والعكس. كما فرَّ الهندوس السنديون والبنجابيون من باكستان إلى الهند، فيما فرَّ الهندوس البنغاليون من ما يُعرف اليوم ببنجلاديش. وفرَّ المسلمون البنجابيون من الهند إلى باكستان.

وفي عام 1948، هاجر الصينيون العرقيون من جمهورية الصين بأعداد كبيرة إلى تايوان، عندما أسس ماو تسي تونغ وقواته الشيوعية جمهورية الصين الشعبية. وبرغم ما تُصِرُّ عليه بكين اليوم، ظلت تايوان دولة مستقلة، وهي الحقيقة التي أقرَّ بها ماو نفسه.

وأدت الحرب الباردة إلى انتقال السكان إلى جنوب المحيط الهادئ. ففي عام 1946، نقلت الولايات المتحدة قسرا سكان جزيرة أتول بيكيني، لاستخدام الجزيرة في إجراء تجاربها النووية، حيث نقلتهم البحرية الأمريكية لمسافة 125 ميلا إلى جزيرة أتول رونجريك غير المأهولة.

ومنذ أقل من 18 شهرا، طردت أذربيجان 120ألفا من السكان الأرمن من ناجورنو كاراباخ، ما أدى إلى القضاء على الوجود المسيحي الممتد عبر 1700 عام في هذا الإقليم.

وبالعودة إلى غزة بعد هذا السرد التاريخي، شدد الأكاديمي السابق في السياسة الخارجية والخبير في شئون الشرق الأوسط أن ترامب ربما يعتقد أن تهجير الفلسطينيين من غزة “قد يجلب السلام”، ولكن تاريخ ترحيل السكان الأصليين يشير إلى أن “هذه الاستثناءات غير واقعية”، مشيرا إلى أنه “صحيح أن الشاه إسماعيل والشاه عباس قد تمكنا من إخراج أعداد كبيرة من السكان الأصليين”، ولكن “ما كان معتادا في القرن السادس عشر لن يكون أقل من جريمة كبرى اليوم”.

وأكد بايبس أن الجراح الناجمة عن ترحيل السكان بين اليونان وتركيا والهند وباكستان، وغيرهما من عمليات الترحيل “لا تزال غائرة.. فالهند وباكستان قد تتحولان إلى دول نووية، والنزعة التركية لاستعادة إمبراطوريتها السابقة إلى جانب تزويد الولايات المتحدة لها بالمقاتلات الحديثة قد يشعل فتيل حرب داخل الناتو. وقد تبدو أوروبا الوسطى أكثر هدوءا، ولكن هذا الظاهر يتجاهل نزوح 40 مليون شخص في حقبة الحرب العالمية الثانية”.

وأضاف الخبير في شئون الشرق الأوسط أن عمليات ترحيل أخرى، مثل الأكراد الحمر أو طرد قبائل شيروكي وتشيكاسو وتشوكتاو وموسكوجي، قد أدت إلى” إبادة هذه القبائل ومحو ثقافتها”.

وخلص إلى أن ترامب “ربما يضاعف جهوده لطرد سكان غزة من أرضهم”، ولكن، حتى إذا نجح في ذلك في نهاية المطاف، تبقى فكرة أن تلك الخطوة ستنهي الصراع “بالغة الحمق”.

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock