رؤى

الأزمة الليبية.. واجتماعات القاهرة التشاورية

تستعد العاصمة المصرية القاهرة لاستضافة جولة جديدة من الاجتماعات التشاورية بين الفرقاء الليبيين، خلال الفترة ما بين 22-25 فبراير الجاري، في إطار الجهود الإقليمية المستمرة، لمحاولة إيجاد حل للأزمة السياسية التي تعصف بليبيا منذ سنوات.

وتعتبر هذه الاجتماعات جزءا من سلسلة طويلة من المبادرات الإقليمية والدولية، التي تستهدف كسر الجمود السياسي والتوصل إلى تسوية سلمية شاملة.

وتأتي هذه الجولة بناءً على توجيه رئيس مجلس النواب المصري، حنفي الجبالي، دعوة رسمية إلى رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، وأعضاء مجلسي النواب والدولة لعقد مثل هذا الاجتماع التشاوري.

والواقع، إن نجاح هذه المبادرة يبقى مرهونا بمدى استعداد الأطراف الليبية لتقديم بعض التنازلات المتبادلة، خاصةً إن مشاركة المجلس الأعلى للدولة سيتقدم اختبارا حقيقيا لقدرة هؤلاء الفرقاء على تجاوز الخلافات؛ هذا في الوقت الذي ستتأكد فيه مدى جدية الطرفين في التوصل إلى حلول توافقية.

واللافت، أنه بالتوازي مع المسار السياسي، كانت القاهرة قد استضافت، في 11 فبراير الجاري، اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5″، بحضور “عشرة” أعضاء من المؤسسة العسكرية الليبية في غرب ليبيا وشرقها.

دور مصر

ومع استمرار التحديات، تتفاوت التوقعات، بين التفاؤل الحذر بشأن إمكانية تحقيق تقدم ملموس، وبين التشاؤم الذي يعزوه الكثيرون إلى تاريخ طويل من المماطلة والخلافات الداخلية بين الأطراف الليبية المختلفة. إذ، منذ اندلاع الأزمة، عُقد العديد من الاجتماعات والمفاوضات، بما في ذلك الاتفاق السياسي الليبي المعروف باتفاق الصخيرات، عام 2015، والذي لم يتمكن من إنهاء الصراع. وعلى مدار السنوات الماضية، جرت محاولات متعددة لتحقيق التسوية، من بينها اجتماعات في تونس والمغرب، ومحاولات أممية وإقليمية لحث الأطراف على القبول بحل سياسي، إلا أن هذه الجهود كانت تواجه دائما عقبات على أرض الواقع.

والمُلاحظ، أن مصر تعتبر من الدول الإقليمية الأكثر اهتماما بحل الأزمة الليبية، وذلك لعدة أسباب جيوسياسية وأمنية. فمصر التي تشترك في حدود طويلة مع ليبيا، ترى في استقرار ليبيا ضرورة حيوية لأمنها القومي، كما أن الانقسامات في ليبيا تؤثر بشكل مباشر على مصر، من خلال تهديدات أمنية تتعلق بتسلل الجماعات المسلحة وتهريب الأسلحة عبر الحدود. من هذا المنطلق، سعت القاهرة إلى لعب دور وساطة رئيس في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.

وقد دعمت مصر بشكل واضح قوات الجيش الوطني الليبي في الشرق، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى تقديم نفسها بصفة وسيط محايد وقادر على جمع الأطراف على طاولة المفاوضات. وتأتي الاجتماعات التشاورية المُقبلة في هذا السياق، حيث تعمل القاهرة على جمع ممثلي الفرقاء الليبيين من أجل التوصل إلى توافق حول مسار سياسي جديد، يضمن استقرار البلاد وتوحيد المؤسسات الليبية.

مقومات النجاح

تتعدد المقومات الدافعة إلى نجاح المحاولة المصرية، في العمل على حلحلة الأزمة الليبية..

فهناك الدور المصري المتزايد كوسيط محايد؛ فمصر تعمل على توظيف مكانتها الإقليمية ودورها الفاعل في حل الأزمات العربية، لتقديم نفسها كوسيط موثوق بين الأطراف الليبية. إذ، تسعى القاهرة لتجنب الانحياز المعلن لأي طرف، ما يزيد من احتمالات قبول الأطراف المشاركة في الاجتماعات التشاورية تحت رعايتها.

هذا الحياد الظاهر قد يسهم في تحسين فرص التوصل إلى اتفاق، خاصة إذا تمكنت مصر من الضغط على بعض الأطراف الداعمة للأطراف الليبية المختلفة، مثل روسيا وتركيا، من أجل التمهيد لحل سياسي.

أضف إلى ذلك، أنه بعد سنوات من الصراع والفوضى، يبدو أن هناك نوعا من الإرهاق الجماعي بين الأطراف الليبية المتصارعة، سواء على مستوى النخب السياسية، أو حتى على مستوى الشعب الليبي، الذي يعاني من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والانفلات الأمني. هذه الحالة من الإرهاق قد تدفع الأطراف إلى البحث عن حلول وسط، وتقديم تنازلات يمكن أن تسهم في نجاح المفاوضات.

هذا، فضلا عن النقاط الإيجابية التي يمكن أن تسهم في نجاح هذه الاجتماعات؛ خاصةً أن من بينها اتفاق الأطراف الليبية على ضرورة إجراء انتخابات وطنية موحدة. ورغم الخلافات حول تفاصيل الانتخابات، فإن توافق الأطراف على مبدأ الانتخابات يشكل أرضية مشتركة، يمكن البناء عليها في الاجتماعات المقبلة.

معوقات متداخلة

رغم وجود دوافع إيجابية لنجاح المبادرة المصرية؛ إلا أن بعض المعوقات المتداخلة تظهر في الآفاق..

فهناك التدخلات الخارجية؛ إذ، رغم الدور المصري والدعم الإقليمي والدولي، لا يمكن إنكار أن التدخلات الخارجية في ليبيا تظل واحدة من أكبر العوائق أمام التوصل إلى حل. دول مثل تركيا وروسيا، فضلًا عن الأطراف الأوروبية، لا تزال تدعم أطرافًا معينة في النزاع، ما يعقّد الأمور ويجعل من الصعب على الفرقاء الليبيين التوصل إلى اتفاق، دون موافقة هذه القوى الدولية. أيضا، التدخلات العسكرية والاقتصادية الخارجية تُبقي الأزمة الليبية في حالة من الجمود، حيث تسعى كل دولة للحفاظ على مصالحها ونفوذها في البلاد.

كذلك، من أهم العوائق التي تقف أمام نجاح المفاوضات، هو الخلاف حول كيفية توزيع السلطة بين الأطراف الليبية المختلفة. هناك نزاع كبير حول توزيع المناصب الحكومية والسيادية، بالإضافة إلى الجدل حول كيفية توحيد الجيش والمؤسسات الأمنية. هذا الخلاف العميق حول توزيع السلطة قد يكون حجر عثرة في طريق أي حل سياسي.

فمنذ سنوات، تعاني ليبيا من انقسام حاد في مؤسساتها، بما في ذلك المؤسسات الأمنية والاقتصادية. ومن ثم، فإن محاولة توحيد هذه المؤسسات قد تكون عملية معقدة للغاية، وتحتاج إلى توافق واسع بين الأطراف، وهو ما قد يصعب تحقيقه في ظل الانقسامات الحالية.

أضف إلى ذلك، ظاهرة الميليشيات المسلحة؛ وهي من أكبر التحديات التي تواجه حلحلة الأزمة في ليبيا. هذه الميليشيات، التي تتمتع بسلطة فعلية على الأرض، قد تعرقل أي جهود للتوصل إلى حل سياسي إذا شعرت بأن مصالحها مهددة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتفكيك هذه الميليشيات ودمجها في المؤسسات الرسمية، إلا أن هذه العملية لا تزال تواجه صعوبات كبيرة.

وهكذا..

يمكن القول إن الاجتماعات التشاورية المقبلة في القاهرة، تعتبر فرصة جديدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، وهي جزء من مسار طويل نحو محاولة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. إلا أن التوصل إلى حل شامل للأزمة الليبية، يظل رهينًا بمدى قدرة الفرقاء الليبيين على تقديم تنازلات حقيقية، وتغليب مصلحة ليبيا على المصالح الشخصية والفئوية.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock