يتناول الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب، عددا من الموضوعات التي تؤسس للسردية العربية، بعد السابع من أكتوبر2023؛ فيبدأ بالإجابة عن سؤال هام، وهو لماذا يعتبر طوفان الأقصى حدثا تاريخيا فارقا؟ ويذهب الكاتب إلى أن طوفان الأقصى أسقط كثيرا من الأساطير الصهيونية (سردية الضحية/ الملاذ الآمن/ قوة الردع)، كما يمكن اعتباره علامة واضحة على هزيمة المشروع الإسرائيلي، بوصفه كيانا استعماريا استيطانيا عنصريا، فكان الطوفان بمثابة لحظة ذروة، تحوّلت فيها تراكمات الصراع العربي الصهيوني، وهو ما يضع الحدث، في مصاف الأحداث الكبرى (حرب السويس 1956، وحرب أكتوبر1973).
ويشير الكاتب – في ذات النقطة- إلى أن الحدث كشف تآكل قوة الردع الإسرائيلية وهشاشتها؛ بالإضافة إلى كشف حقيقة زيف المواقف الغربية، التي كانت أحد أهم أسباب ثورة شباب الجامعات في أمريكا وأوروبا، بعد انهيار الثقة بشكل تام في شرف ونزاهة النظام الغربي.. وهو ما ينبئ بنهاية المشروع الصهيوني، فأصحابه – كما وصفهم محمود درويش- “عابرون في زمان عابر”.
العنوان الثاني في الفصل: من غيّر قواعد اللعبة؟ وهو تساؤل هام ومحوري في الكتاب، وهو العنوان الفرعي للكتاب ككل، ويبدأ الكاتب بتفنيد الزعم بأن طوفان الأقصى كان هدما وقلبا لوضع مستقر؛ ما يمكن وصفه بـ “تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط” والحقيقة أن التغيير بدأ قبل الهجوم بفترة طويلة، بسياسات الاحتلال الإجرامية المدعومة أمريكيا، فلم تعمد أمريكا لحل الصراع، إنما لإدارته دائما لصالح إسرائيل، كما بلغ ذلك الأمر ذروته بنقل إدارة ترامب -في الولاية الأولى- السفارة الأمريكية للقدس، وإعلان المدينة المقدسة عاصمة أبدية لإسرائيل.. أما إدارة بايدن فقد تبنت مشروع التطبيع السعودي الإسرائيلي، لبناء تحالف عربي صهيوني ضد إيران.. أما دولة الاحتلال فلم تتوقف يوما عن التوسع الاستيطاني، وانتهاك حُرمة المسجد الأقصى ما ألهب “المشاعر الدينية وزاد من التوتر”. لذلك لم يكن طوفان الأقصى سوى رد فعل على هذه التغييرات؛ لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة.
طوفان الأقصى.. والغضبة الأمريكية الكبرى، هو العنوان الثالث في الفصل ويتناول الكاتب في هذا الجزء؛ لماذا كان التدخل الأمريكي لصالح إسرائيل في الحرب على هذا النحو من الضراوة، وهو ما يعكس فهما عميقا من جانب واشنطن للطوفان بوصفه تهديدا كبيرا، للمصالح الأمريكية العليا وهيمنتها العالمية – لا يمكن تجاهله أو التهاون معه، فبعد حرب أوكرانيا، تصاعد التنافس بين أمريكا والصين على قيادة العالم، ما جعل كل انتصار أو هزيمة في الشرق الأوسط؛ عاملا مؤثرا على موازين القوى العالمية.. فما زال للشرق الأوسط -مهد الحضارات- تلك الأهمية الاستراتيجية التي تجعله محورا للصراع بين القوى العظمى، كما أن أفول الإمبراطوريات يبدأ منه دائما.. لذلك فإن الولايات المتحدة رأت في الطوفان، كسرا لقبضتها على المنطقة، وتعزيزا للنفوذ الصيني والروسي.. والإيراني بطبيعة الحال.
أظهر الطوفان أيضا دعم الشارع العربي للمقاومة، واعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ورفضه لما يسمى بمحور الاعتدال المطبع مع إسرائيل.
وجاء المقال الرابع بعنوان “قلعة الماسادا”.. وعقيدة الصبر التفاوضي، ويشرح فيه الكاتب استراتيجية حماس التفاوضية “المحكمة” المعتمدة على فهم عميق لعقلية العدو الصهيوني (أسطورة قلعة الماسادا) لتلافي الأخطاء “الكارثية” التي وقع فيها المفاوض العربي والفلسطيني من قبل، وذلك بـ “استخدام تكتيكات مشابهة لتلك التي يستخدمها الإسرائيليون، مثل التفاوض تحت الضغط العسكري.. كما اعتمدت حماس على تعددية في مراكز صنع القرار، ما منحها مرونة أكبر في المفاوضات وقلل من تأثير الضغوط الخارجية”.
ويشير الكاتب في الجزء الأخير من الفصل “سر نكبة إسرائيل” إلى الانقسام الإسرائيلي الداخلي الحاد داخل المجتمع الإسرائيلي بين العلمانيين والدينيين، وبين الحكومة والجيش، ما يؤثر على قدرة إسرائيل على تحقيق النصر في حرب غزة. هذا الانقسام الذي يزيد من شعور الإسرائيليين بعدم اليقين بشأن مستقبل دولتهم.