رؤى

المركزي يرفع الفائدة.. على خلاف ما كان متوقعا!

في تصريحات لها أمس الخميس قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا أن مسئولي الصندوق يناقشون زيادة البرنامج التمويلي الخاص بمصر، والذي من المُرجّح أن يتجاوز حاجز العشرة مليارات دولار؛ إذ يُمثّل العمل مع مصر أولوية قصوى وأهمية كبرى في سياق إقليمي صار من الصعوبة بمكان.

كان الصندوق قد مدّد فترة وجود بعثته بالقاهرة إلى آخر الأسبوع القادم؛ لبحث عمل المراجعات المؤجلة من العام الماضي، في ضوء التطورات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة في الأشهر الأخيرة.. وبشأن المحادثات أفادت جورجيفا في المؤتمر الصحفي الذي عُقد أمس بواشنطن، أن المحادثات تُحرز تقدما، وأنها تحتاج إلى مزيدٍ من الوقت.. وأضافت: “نحن في المرحلة الأخيرة، حيث نعمل على تفاصيل التنفيذ.. نحن قريبون جدا؛ كما أننا لا نتحدث عن فترة طويلة وممتدة على الإطلاق”.. كما أشارت إلى أن الحرب في غزّة وهجمات الحوثيين، تسببتا في انخفاض عائدات قناة السويس، ما ضاعف الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد المصري.

ورغم كافة الظروف السيئة المحيطة بالوضع الاقتصادي المصري إلا أن مؤسسات مالية عالمية كبرى، قد توقعت عدم تخلّف مصر عن سداد أي من ديونها خلال العام الحالي، وبرغم أن السندات المصرية المصدرة بالدولار قد شهدت أسوأ اداء لها في يناير المُنقضي بنسبة انخفاض بغت 1.7% إلا أن مُحللي مصرفي جولدن ساكس، وبيكتيت أسيت مانجمنت، أفادا بأن التشاؤم إزاء السندات المصرية يُعدُّ أمرا مبالغا فيه.

ومن المتوقع أن يُخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة خلال العام الحالي، ما سينعكس على نحوٍ إيجابي على الاقتصادات الواعدة التي واجهت صعوبات اقتصادية في الآونة الأخيرة وعلى رأسها مصر.

وعلى الرغم من أن موديز إنفستورز كانت قد خفّضت تصنيف مصر الائتماني من مستقر إلى سلبي، خلال الشهر الماضي بسبب تسارع انخفاض قيمة الجنيه في السوق الموازية، إلا أن محلليها عادوا ورجّحوا زيادة قرض الصندوق لمصر بما يتجاوز العشرة مليارات دولار، وهو ما يُمكن اعتباره بمثابة طوق نجاة للاقتصاد المصري في ظروف بالغة الحرج.

وعلى خلاف ما كان متوقعا، رفع البنك المركزي أمس الخميس أسعار الفائدة في أول اجتماع له في العام الجديد؛ بمعدل 200 نقطة أساس، في محاولة لكبح جماح التضخم الذي وصل لمعدلات غير مسبوقة 34.180% وفقا لبيانات المركزي.

كما قررت لجنة السياسة النقديـة بالبنك، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق عند مستويات 21.25%، و22.25% و21.75% على التوالي، كما رُفع سعر الائتمان والخصم إلى مستوي .21.75%

بهذه الخطوة يكون معدل الفائدة الحقيقية (معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم) مُقدّرا بنحو سالب .12.45%

وأشار المركزي في بيانه أمس إلى أن المؤشرات الأولية للربع الرابع من عام 2023، تشير إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي؛ لذلك من المتوقع أن يتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2023/2024 مقارنةً بالعام المالي السابق له.. وفيما يتعلق بسوق العمل، أفاد البيان أن معدل البطالة استقر مُسجلا 7.1% خلال الربع الثالث من عام 2023.

كان كثيرون قد توقعوا قبيل انعقاد اجتماع المركزي أن يكون القرار بخفض جديد لقيمة الجنيه، استجابة لشروط الصندوق بعد وصول سعر الدولار في السوق الموازية لأكثر من 70 جنيها، في حين ثبت سعره الرسمي في البنوك عند 30.9 جنيها.. ما دفع المصريون للبحث عن طرق لحماية مدخراتهم، فكان الاقبال على شراء الذهب الذي اقترب سعر جرامه عيار 21 من أربعة آلاف جنيه.

وكان محللون في دويتشه بنك قد صرّحوا أن خفضا جديدا لقيمة الجنيه قد تصل إلى 20%، ليصل الدولار رسميا إلى 40 جنيها في منتصف العام الحالي، وحوالي 45 جنيها في نهايته.. وأشاروا إلى أن تسعير الدولار بنحو 66 جنيها في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم؛ يُعدُّ أمرا مبالغا فيه.

ومازالت الإجراءات المُتخذة تدعم حالة عدم اليقين التي تسيطر على الوضع الاقتصادي المصري، وهو ما يبدد ثقة المستثمرين ولا يحمل أي مؤشرات إيجابية لانفراج الأزمة المتفاقمة، دون أفق واضح لحلول ناجعة وسريعة باتت مُلحّة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يستلزم تغييرا حقيقيا في الرؤى والسياسات؛ بعيدا عن التبرير والإحالة والإعزاء إلى ظروف خارجة عن الإرادة أو تراكمات من عهود سابقة.. فليس من المقبول أن تتكلس الوجهة الاقتصادية في مربع الاقتراض دون النظر إلى أكثر من وجهة أشار إليها اقتصاديون معتبرون للخروج من هذا النفق المظلم.. خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية باتت تنذر بوخيم العواقب.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock