الفصل الثالث والذي يحمل عنوان النصر المراوغ (الالتفاف على السابع من أكتوبر) يضم خمسة عناوين داخلية.. العنوان الأول: كيسنجر وتلاميذه.. من “آخر الحروب” إلى “نهاية المقاومة”! يصدّر الكاتب هذا المقال بعبارة تقول: “يقتل الحزن كل متفكر من أبناء العرب عندما يجد أن بلينكن وبيرنز يكرّران في مواجهة طوفان الاقصى 2023، استراتيجيات قالها وفرضها كيسنجر على العرب في مواجهة نصر أكتوبر/ تشرين أول 1973، دون أن يكلفا نفسيهما تغيير كلمة واحدة”.
يؤكد عبد الغني أن طوفان الأقصى أسقط استراتيجية كيسنجر التي اعتمدتها الإدارات الامريكية المتعاقبة للسيطرة على الشرق الأوسط، وإدارة الصراع العربي الصهيوني، وهي استراتيجية تعتمد حرمان العرب من تحقيق نصر كامل، كما حدث بعد نصر أكتوبر 1973، بالجسر الجوي الأمريكي، ثم بتفكيك التحالفات العربية عبر اتفاقيات سلام ثنائية (كامب ديفيد، أوسلو).
وها هي الإدارة الأمريكية تعاود اليوم، ممثلةً في أنتوني بلينكن ووليام بيرنز، استخدام نفس التكتيكات لمنع تحويل طوفان الأقصى إلى انتصار فلسطيني تاريخي، واجتثاث فكرة المقاومة عبر تدمير البنية العسكرية لحماس.

المقال الثاني “حل الدولتين.. قالب جديد للخدعة الأمريكية” يشير فيه الكاتب إلى أن الأمريكان لا يملون من استخدام وترديد الخدعة القديمة المعروفة بـ “حل الدولتين” وهي الفرية التي يكذبها الواقع الاستيطاني، فـ “إسرائيل” مازالت ترفض الانسحاب إلى حدود 1967، وهو ما أكده قادة مثل بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، بل وتصر على ضم الضفة الغربية والقدس.
أما السلطة الفلسطينية.. فقد فقدت شرعيتها الشعبية بسبب الفساد وغياب الانتخابات منذ 2006. ولم يشفع لحركة المقاومة الإسلامية قبولها المبدئي بحل الدولتين من أن توصم بالإرهاب، وذلك لعدم تفريطها في حق العودة والمقدسات.
طوفان الاقصى.. حتى لا تضيع الشعوب ما أضاعته الحكومات، هو العنوان الثالث في الفصل ويتناول فيه الكاتب تجربة مشروع النهوض الحضاري في الخمسينات والستينات ومحاولات إجهاضه والتي نجحت جزئيا بوقوع هزيمة 1967، إلا أنه ظل مشروع الشعب العربي، رغم أنف الأنظمة العربية التي تآمرت عليه، تبع ذلك تنفيذ استراتيجية كيسنجر بتفتيت المفتَّت وتقسيم المقسم.. لكن طوفان الأقصى أعاد الفرصة التاريخية للحركة الشعبية العربية لاستعادة عافيتها وقدرتها على المبادرة.

في المقال الرابع: لو لم تكن المقاومة موجودة كان على النظام العربي الرسمي اختراعها.. يقول عبد الغني أنه “ربما حان الوقت لكي يستعير العرب بعض شعارات أعدائهم، ويقلبونها لصالحهم.. كما فعل هؤلاء الأعداء طول الوقت، ولا أظن أن هناك شعارا يستحق أن يستعيره العرب، في هذه اللحظة أكثر من الشعار الذي رفعه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن “لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا اختراعها أو إيجادها” مرارا وتكرارا وكأنه جملة لحنية جميلة من ألحان موتسارت، كان آخرها أثناء زيارته لإسرائيل عقب طوفان الأقصى، فهذا الشعار الخطير، يلائم العرب أكثر بحكم ما انكشف من الحقائق الكارثية المخفية التي كشفتها ودفعتها إلى السطح عملية طوفان الأقصى”.
وتُظهر الأحداث أن المقاومة الفلسطينية أصبحت القوة الوحيدة القادرة على هزيمة السردية الإسرائيلية القائمة على “الجيش الذي لا يُقهر”، وذلك عبر: كسر حاجز الخوف باجتياح غلاف غزة وأسر وقتل مئات الجنود الإسرائيليين.. بالإضافة إلى تعريض الأمن القومي الإسرائيلي لخطر وجودي، ما أجبر واشنطن على التدخل المباشر، بينما وقف النظام العربي الرسمي عاجزا عن اتخاذ موقف موحد، بسبب التبعية البنيوية للسياسات الأمريكية، ووجود انقسامات داخلية (الصراع بين الفصائل الفلسطينية).
طوفان الأقصى.. كيف أثرت سلبا على العلاقات الإسرائيلية المصرية؟ هو المقال الأخير في الفصل، ويوضح فيه الكاتب كيف صنع طوفان الأقصى تصدعا غير مسبوق في معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية (1979)، بسبب: مخطط التهجير القسري لأهل غزة إلى سيناء، والذي ينتهك سيادة مصر، مع تصاعد الخطاب الشعبي المصري الرافض للتطبيع، والمطالب بمراجعة الاتفاقات الأمنية، وإعادة تقييم العقيدة العسكرية المصرية، خاصةً بعد تصريحات مسئولين مصريين بضرورة “الاستعداد لجميع السيناريوهات”.

ما يمكن اعتباره درسا مستفادا من الطوفان، هو أنه كشف أن إسرائيل ليست “قوة عظمى” لا تُهزم، بل كيان هش يعتمد على الدعم الأمريكي، كما أحيا ذلك الموات الشعبي العربي تجاه قضيته الأولى بإعادة البوصلة الشعبية، إذ وحّدت القضية الفلسطينية المشاعر العربية عبر الطوائف والأجيال، كما أعادت إحياء فكرة “الأمة الواحدة” مجددا.
فضح الطوفان أيضا التواطؤ الدولي إذ أظهرت الحرب أن السلام مع إسرائيل لم يكن سوى غطاء لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدول المجاورة.
يخلص حسين عبد الغني من هذا الفصل إلى أن الشعوب عليها أن تنهض بدورها تجاه القضية حتى لا تضيع ما أضاعته الحكومات، وأن النخب الحاكمة العربية وقعت في فخ “الواقعية” الزائفة، ففقدت دورها القيادي لصالح إسرائيل. كما أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها القوة الوحيدة القادرة على حماية الحقوق الوطنية، حتى لو اضطرت لمواجهة العالم كله. وتساءل الكاتب: هل تستطيع الشعوب العربية تحويل زخم “طوفان الأقصى” إلى مشروع تحرري شامل، أم ستتركه النخب يضيع في دهاليز التسويات؟ كما يؤكد أن مستقبل المنطقة لا يزال رهينة إرادة الشعوب، لا صفقات النخب.