رؤى

الصراع السوداني.. وتداعيات رفض الجيش التفاوض

خلال جنازة أُقيمت الجمعة، 21 مارس 2025، في شرق السودان، لاثنين من العسكريين قُتلا في غارة شنتها طائرة مُسيرة تابعة لقوات الدعم السريع على القصر الرئاسي، قال قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، “ما عندنا كلام ولا تفاوض معهم… حتى انسحابهم، ثم بعد ذلك من الممكن أن نعفو عنهم”. وجاء تصريح البرهان في إطار تأكيده على أنه لن تكون هناك محادثات مع قوات الدعم السريع “حتى تتراجع وتُسلم أسلحتها”؛ وذلك بعدما استعاد الجيش السوداني القصر الرئاسي في العاصمة السودانية الخرطوم.

وبالتالي، أغلق البرهان باب الصلح أو الاتفاق مع الدعم السريع؛ بل، وقرر المُضي قُدما في الحرب حتى نهاية أحد الطرفين. ومن ثم، يبدو أن الصراع الدموي في السودان سوف يستمر، دون أدنى مؤشرات على قُرب نهايته.

وهنا، يثور التساؤل حول: هل يتحول الصراع العسكري بين الجيش والدعم السريع، إلى حرب أهلية طويلة الأمد؟.. أم ينتهي بتقسيم البلاد مرة أخرى؟.. أم ينتصر أحد أطراف الصراع، الجيش أو الدعم السريع؟.

وبالتالي، كيف يؤثر الصراع السوداني، ومستقبله، على مناطق الجوار الإقليمي له؟

احتمالات مستقبلية

– حرب أهلية.. الاحتمال الأول الذي يُطل على الوضع في السودان، ذلك الذي يتمثل في تحول الصراع إلى حرب أهلية طويلة الأمد؛ فإذا استمر الوضع الحالي دون حل سياسي أو تفاوضي، فإن السودان قد يشهد حربا أهلية طويلة الأمد. ثمة عوامل عدة تدعم هذا الاحتمال، أبرزها:

من جانب، التقسيم الجغرافي والقبلي؛ فالسودان بلد متنوع عرقيًا وقبليا، والصراع العسكري الحالي بين الجيش والدعم السريع قد يتوسع ليشمل مناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى انخراط جماعات قبلية وإقليمية في الصراع. هذا التوسع يمكن أن يؤدي إلى انقسامات عميقة داخل المجتمع السوداني، تجعل من إنهاء الصراع أمرا بالغ الصعوبة.

من جانب آخر، تعدد الفاعلين المحليين؛ فإضافة إلى الجيش وقوات الدعم السريع، هناك فصائل مسلحة أخرى في السودان تمتلك أجندات خاصة بها، وقد تجد نفسها مضطرة للدخول في النزاع لصالح طرف دون الآخر. هذا يعني أن الصراع قد يتعقد أكثر إذا انخرطت جهات أخرى في الصراع، مما يزيد من فرص استمرار العنف لفترة طويلة.

من جانب أخير، مسألة الدعم الخارجي؛ إذ، إن ثمة قوى إقليمية ودولية قد تكون لها مصلحة في استمرار النزاع أو دعمه. التدخلات الخارجية كانت دائمًا جزءًا من الصراعات في المنطقة، وقد يجد السودان نفسه ضحية لتنافس دولي وإقليمي على النفوذ، مما يطيل أمد الحرب.

إذن، السيناريو الذي يؤدي إلى حرب أهلية طويلة الأمد يبدو ممكنا إذا لم تتخذ خطوات جادة لإنهاء الصراع من خلال التفاوض أو وساطات دولية فعالة.

– تقسيم السودان.. الاحتمال الآخر، فهو أن يؤدي الصراع إلى تقسيم السودان مرة أخرى، كما حدث مع جنوب السودان، في عام 2011. ثمة عدة مؤشرات تدعم هذا الاحتمال:

من جهة، هناك التوترات الإقليمية؛ حيث إن مناطق مثل دارفور وكردفان شهدت تاريخيا نزاعات مسلحة وتحركات انفصالية. وفي ظل الصراع الحالي، قد تعود هذه المناطق للمطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي، خاصة إذا لم تشعر بالأمان في ظل النزاع المتصاعد بين الجيش والدعم السريع.

من جهة أخرى، غياب سلطة مركزية قوية؛ فإذا استمر الصراع لفترة طويلة، فإن الحكومة المركزية قد تفقد سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد، مما يفسح المجال أمام قوى محلية وإقليمية لفرض سيطرتها. هذا الوضع قد يعزز من احتمالية التقسيم، إذا ما تصاعدت المطالبات بالانفصال من بعض المناطق أو الجهات، خاصة في شرق البلاد.

– انتصار أحد الأطراف على الآخر.. وهو الاحتمال الثالث، الذي يحتمل جانبين: أحدهما انتصار الجيش بقيادة البرهان على الدعم السريع؛ وتتعزز سيطرة الجيش على البلاد، بما يؤدي إلى تفكك قوات الدعم، والانقسام بين الفصائل السودانية المسلحة، بين الانضمام للجيش أو البقاء في وضع المعارضة المسلحة. أما الجانب الآخر، فهو أن يتمكن الدعم السريع من تحقيق هزيمة كبرى للجيش السودان؛ وفي هذه الحال ستُعزز قوات الدعم السريع نجاحها بتشكيل تحالفات مع الجماعات المسلحة الأخرى، بما سيُتيح للدعم السيطرة على أجزاء واسعة من السودان.

توسع الصراع

أيًا يكن الاحتمال الذي سيشهده السودان في قابل الأيام، فإنه من اللافت، أن السودان بموقعه الجيوسياسي المتميز، يرتبط بجوار إقليمي مُعقد؛ يجمعه بإثيوبيا وإريتريا شرقا، بما يضعه في دائرة التفاعلات الخاصة بمنطقة القرن الأفريقي، هذا بجانب جواره الغربي مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وهو الجوار الذي يُعزز من مكانة السودان كـ”مؤثر” مهم في إقليم الساحل الأفريقي.

هذا، فضلا عن جواره الشمالي حيث الدولة المركزية مصر، بما يضعه في دائرة التفاعلات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأبعادها الإقليمية والدولية؛ ثم، جواره الجنوبي المتمثل في جنوب السودان، الذي يربط السودان بتفاعلات منطقتي شرق أفريقيا والبحيرات العظمى.

وهكذا، يمكن توقع أن تُفرز الأزمة السودانية تزايد النزاعات والصراعات الإثنية؛ بل، إن بعض الإثنيات في دول الجوار الجغرافي للسودان، سوف يستفيد من هذا الوضع، خاصة تلك الإثنيات ذات التداخلات العرقية في مناطق التماس الحدودية مع السودان؛ وهو ما يمكن أن يُشكل تهديدا كبيرا لاستقرار دول الجوار.

فالقبائل ذات الأصول الأفريقية، في غرب السودان، وخصوصا في المناطق الملتهبة مثل دارفور، تجد فرصتها في الالتحام بقبائل المنطقة، مستفيدة في ذلك من الهشاشة الأمنية المتزايدة؛ وكذلك، ستفعل القبائل في شرق السودان، خاصة تلك المتداخلة مع القبائل الإثيوبية، مما يجعل مناطق النزاعات والصراعات المتجددة، في منطقة الفشقة وغيرها، بيئة خصبة لتوالد مجتمع بإمكانه فرض واقع جديد على السودان.

ولعل ذلك نفسه، ما سوف يؤثر على مستقبل الصراع السوداني.

في هذا الإطار.. ففي ظل رفض البرهان التفاوض مع قوات الدعم السريع، يجد السودان نفسه أمام ثلاثة سيناريوهات محيرة: حرب أهلية طويلة الأمد، أو تقسيم البلاد مجددًا، أو انتصار أحد أطراف النزاع. كل من هذه السيناريوهات يحمل في طياته مخاطر جسيمة على مستقبل السودان واستقراره. وفي ظل غياب حل سياسي متفق عليه بين الأطراف، يبقى الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر في هذا الصراع الذي يهدد بتمزيق البلاد وتشتيت وحدتها.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock