رؤى

طوفان الأقصى.. و”الدولة المنبوذة”

مشهدان مرتبطان ببعضهما البعض وقعا في دول القارة العجوز أوروبا: الأول جرت أحداثه على أرض أيرلندا،  والثاني جرى على أرض اليونان.

الأول وثّقه مقطع مصور متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، يصور جنديا من جيش الاحتلال الصهيوني، جالسا في مقهى في أيرلندا حيث يقضي إجازته.

حيث واجهت فتاتان الجندي ويدعى تامير اوهايون، موضحتين أن “الصهاينة ليسوا موضع ترحيب في أيرلندا” وتصاعد الموقف إلى حد أن بصقت إحداهما في وجهه، ولم تنس بطبيعة الحال أن تهتف بالحرية لشعب فلسطين.

وأوضح الجندي أن كل من كان في المقهى التزم الصمت، وأنه اضطر بعد هذا الموقف إلى “حبس ذاته” في غرفته في الفندق على حد تعبيره، موكدا أن قدميه لن تطأ أرض أيرلندا ثانية.

أما الموقف الثاني فنقلته قناة كان العبرية، عن مصادر في اليونان، وملخصه أن جندي احتياط من جيش الاحتلال، تعرّض لضرب مبرح في اليونان، بواسطة نشطاء داعمين للفلسطينيين، بعد أن سمعوه يتحدث اللغة العبرية.

غير بعيد عن هذين البلدين الأوروبيين، وتحديدا في هولندا.. رفع عدد من مناصري القضية الفلسطينية دعوى قضائية، ضد ضابط بسلاح الجو الصهيوني بشبهة ارتكاب جرائم حرب.

وأوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن الضابط الذي رفعت الدعوى ضده لا يزال في هولندا، ويشارك في معرض تكنولوجي تابع لشركة صهيونية.

وفي ذات اليوم.. أعلنت حكومة بريطانيا أنها ستفرض عقوبات بشكل مشترك مع كندا وأستراليا ونيوزيلندا ودول أخرى، على وزيرين من وزراء الحكومة الصهيونية الحالية.

هذه الأحداث المتلاحقة، التي وقعت جميعها على أرض قارة، احتضنت المشروع الصهيوني منذ نشأته أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ودعمت أغلب حكوماتها دولة الاحتلال منذ قيامها على أرض فلسطين عام ١٩٤٨، بالمال والسلاح- تبدو وكأنها تجسيد عملي لما توقعه جنرال صهيوني سابق في شهر مايو الماضي.

حيث صرح الجنرال المتقاعد وزعيم الحزب الديمقراطي المعارض حاليا يائير غولان، أن دولته في طريقها لتكون “دولة منبوذة” بسبب ما يرتكبه جيشها من جرائم في قطاع غزة؛ واصفا هذا الجيش بأنه “يقتل الأطفال من باب التسلية”.

تصريحات غولان أثارت غضبا حكوميا واسعا في حينها؛ لكنها في ذات الوقت أثارت قلق الحكومة الصهيونية من إمكانية تحولها إلى واقع.

هذا القلق الصهيوني عبرت عنه مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية في مقال نشرته بتاريخ الرابع من يونيو ٢٠٢٥، تحت عنوان “هل تتحول الدولة العبرية إلى دولة منبوذة؟”.

حيث قالت المجلة الأمريكية، أن دولة الاحتلال منذ قيامها، وهي تصنف ذاتها قسما من الدول الأوروبية، ذات الحكم الديمقراطي، وتعتمد بوصفها دولةً صغيرة الحجم والموارد، على الاستثمار والتبادل التجاري الأجنبي.

إلا أن دولة الاحتلال مؤخرا – وفقا للمقال- بات يساورها قلق عميق من إمكانية أن “تترك معزولة لوحدها” خاصةً وأنها ليست كروسيا والصين، بمعنى أنها لا تستطيع أن تتكيف مع وضع تصبح فيه موضع رفض دولي ويفرض عليها عقوبات.

وأشارت المجلة إلى أن هذه المخاوف، وإن لم تتحقق سابقا؛ إلا أنها باتت ملموسة للغاية خلال الأسبوعين الأولين من شهر يونيو ٢٠٢٥، بسبب إصرار دولة الاحتلال على استئناف حرب الإبادة في قطاع غزة.

النتيجة ذاتها هي ما وصلت إليه صحيفة هآرتس العبرية، في شهر مايو ٢٠٢٥، حين قالت في افتتاحيتها (٢٢ مايو ٢٠٢٥) “إننا في طريقنا لأن نصبح دولة منبوذة” داعية الحكومة الصهيونية الحالية إلى وقف الحرب في غزة في أسرع وقت ممكن.

لم يختلف منطق الصحيفة العبرية عن منطق الصحف الغربية التي تناولت نفس المخاوف الصهيونية، حيث نشرت صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ ٢١ مايو ٢٠٢٥، مقالا جاء فيه أن سياسة تدمير وتجويع التي تنتهجها، دولة الاحتلال تكلفها صداقة حلفائها الغربيين.

وفي نفس اليوم.. نشرت صحيفة “ذا إندبندنت” البريطانية مقالا مشابها قالت فيه مراسلة الصحيفة بيل ترو، أن صبر العالم قد نفذ، تجاه الدولة العبرية التي أصبحت منبوذة على المستوى الدولي بسبب سياسات حكومتها.

وأضافت أن حكومة اليمين المتطرف التي تقود الحرب على غزة، قد تجر شعبها إلى فراغ سيجدون صعوبة بالغة في الخروج منه.

الوضع الدولي المشار إليه أعلاه، والذي يشابه إلى حد التطابق ما مر به نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قبل انهياره في تسعينات القرن الماضي، دفع وزيرا صهيونيا سابقا هو يوسي بيلين، لأن يصرّح في حوار صحفي أجري معه نهاية شهر مايو ٢٠٢٥، بأن دولته على وشك أن تصبح مثل جنوب افريقيا في الثمانينات واصفا الحرب في غزة بغير الضرورية، ومؤكدا أن استطلاعات الرأي تشير الى أن 70% من الصهاينة يرغبون في وضع حد لها.

لم يأت هذا الذعر الصهيوني من فراغ؛  وإنما هو نتاج ضغط شعبي متزايد ومستمر، دفع الحكومات الداعمة للاحتلال -خاصة في أوروبا- إلى محاولة نفض يدها من الدم الفلسطيني، ولو من باب حفظ ماء الوجه أمام شعوبها.

على المشككين في جدوى معركة طوفان الأقصى -المستمرة على أرض فلسطين منذ أكثر من ٦٠٠ يوم- أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا بسيطا ومنطقيا: هل حقق المشروع الصهيوني ما وعد به يهود العالم منذ نشأته منذ أكثر من قرن من الزمان؟ وهو تأسيس دولة ستضمن لهم الأمن والأمان أينما كانوا وأينما حلوا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock