رغم التطور اللافت على مستوى مشاركة المرأة وتمثيلها فى المجالس التمثيلية المنتخبة فى الوطن العربى وخاصة فى السنوات القليلة الماضية، فإن هذا التمثيل لا يزال ضعيفا مقارنة بدول كثيرة، وإذا كانت هناك دول حاولت أن تدفع بنسب معقولة للمرأة فى مجالسها، فإن المعضلة الأساسية تكمن فى مدى تقبل المجتمعات العربية للمشاركة السياسية للمرأة ولوجودها الفاعل فى الحياة السياسية.
حول هذه القضية الحيوية صدر مؤخرا عن معهد البحوث والدراسات العربية، كتاب مهم من إعداد الباحثة منال فهمي البطران بعنوان «التمكين السياسي للمرأة العربية، دراسة حالة لجمهورية مصر العربية»، رغم ما يبدو من العنوان بأنه يناقش فقط الواقع السياسي للمرأة المصرية فقط، فإن الكتاب يتطرق عبر صفحاته إلى المشاركة السياسية للمرأة العربية عموما، وكيف أثر تطبيق ألية تخصيص المقاعد للنساء «الكوتة»، بشكل إيجابى فى هذه المشاركة ،وتأثير التشريعات العربية المنظمة للعملية الانتخابية في زيادة أعداد النساء في المجالس المنتخبة. ونستعرض هنا فصول هذا الكتاب المهم الذى يفتح نافذة واسعة نرى من خلالها حجم وفعالية مشاركة المرأة العربية فى الحياة السياسية.
تجارب عربية
تعرض «منال فهمي البطران» فى كتابها للتشريعات المنظمة للانتخابات في عدد من الدول العربية، مثل الأردن التي حصلت فيها المرأة على حق الانتخاب والترشيح لمجلس النواب عام 1974، لكن دخول أول سيدة أردنية إلى مجلس النواب بطريق الإنتخاب تأخر ربع قرن، حيث انتخبت أول سيدة أردنية بالمجلس عام 1999، كما حصلت المرأة الأردنية على حق الانتخاب والترشيح للمجالس البلدية عام 1982، لكن هذا الحق لم يفعّل الا عام 1995، حيث فازت سيدة برئاسة إحدى البلديات، وتسع نساء أخريات بعضوية المجالس البلدية.
وينص قانون البلديات الأردني على أن يكون تمثيل المرأة 25%، وفي حين يحدد القانون 10% حدا أدنى لمشاركة المرأة في الأحزاب السياسية، فقد وصلت نسبة عضويتها فعليا إلى 32%، وتصل نسبة تمثيل النساء إلى 40% في مفوضية الهيئة المستقلة للانتخابات التي تم استحداثها مؤخرا.
تجربة أخرى عن المشاركة السياسية للمرأة يستعرضها الكتاب وهي تجربة المرأة والانتخابات في دولة الإمارات العربية المتحدة، فرغم أن المجلس الوطني الاتحادي بالإمارات بدأعمله في عام 1972، إلا أن بداية المشاركة السياسية للمرأة الإماراتية كانت عام 2006، حيث فازت أول اماراتية بعضوية المجلس الوطني الاتحادي عبر انتخابات تشريعية في أول تجربة انتخابية تشارك فيها المرأة عام 2006، بينما فازت 7 عضوات في المجلس الوطني الاتحادي خلال الفصل التشريعي الخامس عشر (2011-2015).
أما في البحرين فقد كانت بداية مشاركة المرأة وتمثيلها في الحياة السياسية عن طريق التعيين، ففي عام 2000 أمر العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بتعيين أربع سيدات في مجلس الشورى المكون من 40 عضوا، والذي تأسس في أوائل التسعينات كمجلس استشاري معين بجانب مجلس النواب المنتخب، وقد أعطيت للمجلس الجديد سلطة استشارية علاوة على سلطة مراجعة التشريعات. وفي عام 2002 أطلق عاهل البحرين، مشروعا إصلاحيا، حيث أعطى المرأة حقها في المشاركة السياسية في المجالس البلدية والنيابية، لتشارك بعدها المرأة البحرينية بقوة فى الدورتين الانتخابيتين 2002 و 2006 للانتخابات البلدية والنيابية ترشحا وانتخابا.
ففي عام 2002، ترشحت 31 امرأة لأول انتخابات بلدية وثماني نساء لأول انتخابات نيابية، لكن لم تتمكن أي من المترشحات من الفوز، وفي انتخابات 2006 ترشحت 5 نساء للانتخابات البلدية و 16 مترشحة للانتخابات النيابية، وفازت امرأة واحدة بعضوية مجلس النواب، وفي الانتخابات البلدية والنيابية لعام 2010، وصل عدد عضوات مجلس النواب إلى 4 عضوات، ودخلت أول بحرينية للمجلس البلدي. أما في الانتخابات النيابية والبلدية لعام 2014، فقد فازت 6 سيدات، بواقع 3 سيدات في المجلس النيابي و3 في المجلس البلدي. وفي عام 2014، أصدر العاهل البحريني الأمر الملكي رقم (59) لسنة 2014 وبموجبه تم تعيين (9) نساء في مجلس الشورى عام 2014، كما تم تعيين (6) نساء عضوات في مجلس أمانة العاصمة.
الباحثة منال فهمي البطران
أسبقية جزائرية
ويتناول الكتاب الحقوق السياسية للمرأة في الجزائر، حيث يشير إلى أن المرأة الجزائرية كانت من أوائل النساء العربيات التي حصلت على حقوق سياسية، حيث كان لها حقها في التصويت في الانتخابات، حتى من قبل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وهو الحق الذي أكد عليه الدستور الجزائري الأول. فقد نصت المادة 50 من هذا الدستور على حق المرأة في التصويت، والمادة 51 على حقها في تولي المناصب القيادية في الدولة.
وفي عام 1962 حصلت المرأة الجزائرية على حق الترشيح، ونجحت في دخول البرلمان في نفس العام. حيث انتخبت حينها 10 نساء من بين 194 نائبا بما يمثل5 %من مجمل أعضاء المجلس. وتم تعديل الدستور الجزائري في نوفمبر 2008، بهدف تعزيز الوضع السياسي للمرأة، حيث تنص المادة 31 على أن: «تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيعها» وتطبيقا لأحكام هذه المادة، وفي 12 يناير سنة 2012 حدد القانون كيفية توسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة.
وقد شهدت الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2012 ارتفاع نسبة النساء المشاركات في البرلمان الجزائري إلى 31.38% حيث ارتفع تمثيل المرأة في البرلمان إلى 145 امرأة من أصل 462 مقعدا، وذلك بعد التعديلات التي أقرتها الحكومة الجزائرية في الإصلاحات السياسية الأخيرة التي تمنح للمرأة نسبة مشاركة تتراوح بين ال 30 و 50 % في المجالس المنتخبة.
تونس تتصدر
أما بالنسبة للمرأة التونسية فقد حصلت في عام 1959 على حق العمل السياسي تصويتا وترشيحا، وفي ذات العام تم انتخاب أول امرأة بمجلس النواب، وارتفعت نسبة مشاركة المرأة في البرلمان من 1% سنة 1959 إلى 5.6%. سنة 1986، وتراجعت هذه النسبة إلى 3.4% عام 1989. وشكلت في عام 2007 لجنة خاصة بالمرأة في مجلس النواب التونسي من أجل تحقيق تمثيل أفضل للنساء داخل الهيئات السياسية، مما جعل نتائج آخر انتخابات قبل الثورة، والتي أجريت سنة 2009 تشهد قفزة نوعية بوصول 59 امرأة للبرلمان، أي بنسبة 27.59 %، وشغلت المرأة منصب نائبة ثانية لرئيس مجلس النواب وترأست سيدة لجنة التشريع.
وعقب الانتخابات التشريعية لسنة 2014، بلغت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان التونسي حوالى 31%من جملة المقاعد البالغ عددها 217 مقعدًا.كما حصل مجلس النواب التونسي على جائزة المنتدى العالمي للنساء البرلمانيات لسنة 2015، تقديرا لتصدّر تونس البلدان العربية من حيث نسبة مشاركة المرأة في البرلمان. قد حسم الدستور الجديد في يناير 2014 مسألة المساواة التامة بين الرجل والمرأة في فصله العشرين «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز»، والفصل 46: «تلتزم الدول بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، وتعمل على دعمها وتطويرها، وتضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسئوليات وفي جميع المجالات».
المرأة العمانية
أما سلطنة عمان – كما يوضح الكتاب – فقد استطاعت خلال الـ 20 عاما الأخيرة إحداث قفزات لصالح المرأة العمانية التى حصلت على حق العمل السياسي) الترشيح والتصويت (عام 1994، ودخلت عام 2000 مجلس الشورى لأول مرة ونالت مقعدين فيه. وفي أواخر عام 2002، أصدر السلطان قابوس بن سعيد مرسومًا وسّع بموجبه حقوق المشاركة في انتخابات مجلس الشوري لكافة المواطنين لمن يبلغ من العمر 21 عاما أو يزيد، اعتبارا من الدورة الرابعة لمجلس الشورى (2003-2000)، وجرت انتخابات الدورة الخامسة للمجلس عام 2003 بالاقتراع المباشر لأول مرة في تاريخ السلطنة، كما شهدت هذه الانتخابات فتح المجال كاملا أمام المرأة للمشاركة في العملية الانتخابية دون تقيد بنسبة معينة أو قصره علي محافظات بعينها وتمت مساواتها بالرجل من حيث شروط الترشيح والانتخاب، وبالتالي وصل عدد الناخبات إلى 100 الف سيدة بنسبة%38 من مجموع الناخبين.
وظل مجلس الشورى استشاريا حتى 2011، حتى تم منحه في تلك السنة، صلاحيات تشريعية ورقابية بمرسوم سلطاني صدر في مارس 2011. وقد أجريت أول انتخابات لمجلس الشورى بعد هذه الاصلاحات في 25 أكتوبر 2015. وفازت امرأة واحدة بالمركز الأول في ولاية السيب بمحافظة مسقط، لتكون الممثلة الوحيدة للمرأة العمانية في المجلس.
تطور مصرى
وقد خصصت «منال فهمي البطران» في كتابها فصلا كاملا عن المشاركة السياسية للمرأة المصرية، عرضت خلاله تاريخ كفاح المرأة المصرية على الصعيد السياسي منذ عام 1925، عندما تقدم الاتحاد النسائي المصري بعريضة إلى رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب مطالبا بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن مشاركة النساء في الحقوق الانتخابية، كما تناولت الباحثة إضراب درية شفيق وعدد من ناشطات الحركة النسائية في نقابة الصحفيين عام 1956 للمطالبة بحصول المرأة المصرية على حقها في التصويت والترشح، وفازت نائبتان في البرلمان في العام 1957.
وأشارت «منال فهمي البطران» إلى أهمية نص التشريعات المنظمة للانتخابات على تخصيص المقاعد وتأثيرها الايجابي في زيادة عدد النساء في البرلمان، من خلال تطبيق آلية تخصيص المقاعد في عدد من البرلمانات منها برلمان عام 1979، حين تم إدخال نظام الحصة بمرسوم رئاسي ينص على تخصيص 33 مقعدا على الأقل للمرأة في مجلس الشعب المكون من 382 أي نسبة 9%، لكن تم الطعن على هذا التعديل وصدر حكم بعدم دستوريته لتتراجعت نسبة تمثيل النساء في البرلمان، قبل أن تعود إلى الارتفاع مرة أخرى بإعادة نظام تخصيص المقاعد بصدور القانون رقم 149 لسنة 2009 الخاص بزيادة عدد الدوائر البرلمانية وتخصيص مقاعدها للمرأة، وهو ما أسفر عن تخصيص 64 مقعدا للمرأة، ومع الإبقاء على إمكانية ترشحها للمقاعد العامة. ثم تراجع تمثيل المرأة في البرلمانات اللاحقة إلى أن صدر قانون مجلس النواب لعام 2014، الذى تم بموجبه تقسيم مقاعد المجلس إلى 420 مقعدا للنظام الفردي، و 120 لنظام القائمة، تقسم على 4 دوائر، بواقع دائرتين بكل منهما 45 مقعداً، ودائرتين بكل منهما 15 مقعداً، بحيث يصل عدد أعضاء مجلس النواب المنتخبين إلى 540، بالإضافة إلى نسبة 5 % يعينها رئيس الجمهورية، بواقع 27 مقعداً، ليصل إجمالي عدد المقاعد إلى567.
وقد حصلت المرأة في مجلس النواب عام 2015 على 75 مقعدًا، وزاد نصيبها من نسبة التعيينات التي أقرها قانون مجلس النواب والمقررة بـ 14 مقعدا، ليصبح مجموع مقاعدها في البرلمان الجديد 89 مقعدا
وتخلص الباحثة في كتابها إلى أن رصد تطور البنية التشريعية للدول العربية في الآونة الأخيرة، يوضح الخطوات العديدة التي اتخذتها الدول العربية نحو تعزيز المشاركة السياسية للمرأة وضمان تمثيل عادل لها، ومن بين هذه الخطوات استخدام آلية التمييز الإيجابي لإقرار حصة للمرأة في المجالس النيابية.
لكن رغم أهمية هذه الخطوات، فإنه لايزال هناك العديد من الإجراءات الأخرى التي يجب القيام بها – كما تؤكد الباحثة – من أجل تحقيق تمكين سياسي للنساء، حيث يتطلب هذا الأمر تغييرا جذريا في البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع، وتبنى استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحسين وضع المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتفعيل دور (الأحزاب و الجمعيات وخاصة النسائية و وسائل الاعلام) من أجل تعزيز مشاركة المرأة سياسيا والتأثير في المجتمع وفي صناعة قرار، والعمل على تأهيلها وتمكينها من الحضور بفاعلية وتأثير في المجال العام.