ست سنوات مرت على رحيل «فتحيه العسال» هذه الكاتبه والثائرة وصانعة التمرد والكاشفة عن الجرح. عرفت فى طفولتها قسوة الحياة وضياع الحقوق الأساسية، سواء فى التعليم أو اختيار الزوج، لكنها فى بدايه شباها أدركت طريقها بعد أن جمعتها قصة حب ملهمة وآسرة مع أستاذها وزوجها الكاتب الراحل «عبد الطوخى الطوخى» الذي سطر تفاصيلها المفعمة بالحب والنضال فى سيرته الذاتيه التى حملت عنوان «دراما الحب والثورة».
عبد الله الطوخي وكتابه «دراما الحب والثورة»
سنوات القهر والتكوين
في 20 نوفمبر 1933 ولدت «فتحية محمود العسال» فى عطفة صغيرة يطلق عليها عطفة اأبو مندور فى حى السيدة زينب بالقاهرة العتيقة، وعندما بلغت سن الحاديه عشر من عمرها حرمها والدها من التعليم، فلم تنل إلا القسط البسيط منه في المرحلة الابتدائية وتزوجت وهى فى الرابعة عشرة من عمرها.
كانت «فتحيه» منذ طفولتها ترصد بعينينها وتسجل كل تفاصيل القمع التى تتعرض لها المرأة، وكان لذلك الوجع الذى عرفته سواء فى حياة أمها أو شقيقتها الكبرى «نجيبة» أثر كبير على تكوين شخصيتها الثائرة المتمردة المبدعة.
الكاتبة فتحية العسال وإبنتها الفنانة صفاء الطوخي
ومن المؤكد أن الدور الذى لعبه «عبد الله الطوخى» السياسى والروائى والزوج كان محوريا فى حياة فتحية، فقد وضع قدمها على أول الطريق وكان بمثابة المعلم فى كل خطواتها السياسية أو الأدبية.
المبدعة الملتزمة
قدمت فتيحه العسال أكثر من 57 مسلسلاً منها مسلسل رمانة الميزان وسيناريو مسلسل شمس منتصف الليل، وحبال من حرير، وبدر البدور و«هى والمستحيل» الذى يعتبر أقرب أعمالها اقترابا من حياتها الشخصية وقدمها التلفزيون فى عام 1979 من اخراج «إنعام محمد على» والذى يعد واحد من كلاسيكيات الدراما المصرية.
https://youtu.be/gpGSWc6E8lg
مشهد من مسلسل «هي والمستحيل» للكاتبة «فتحية العسال»
كما قدمت «فتحيه العسال» مسلسلات «حتى لا يختنق الحب» و«حبنا الكبير»، و«لحظة اختيار»، و«لحظة صدق» الحاصل على جائزة أفضل مسلسل مصري لعام 1975.
وكانت قد بدأت أولى تجاربها مع الكتابة الدراميه كانت مع الاذاعة المصرية عام 1958 بتمثيلية بعنوان «عزيزة» بطولة سناء جميل. كما كتبت عشر نصوص مسرحيهة وهي «المرجيحة» و «البسبور» و«البين بين» و«نساء بلا أقنعة» و«سجن النسا» والتى تم عرضها على المسرح وحققت نجاح كبير كما قدمتها المخرجة «كاملة أبو زكرى» فى مسلسل تلفزيونى شهير عام 2014
مشهد من مسلسل «سجن النسا» للكاتبة «فتحية العسال»
وكانت «فتحيه العسال» من أبرز الكاتبات الذين غاصوا فى القضايا النسوية وانشغلوا بأزمات المرأة العربيه وصراعها الاجتماعى بحثا عن التحقق والتمكين، كما تعتبر واحدة من أهم المبدعات الملتزمات بالقضايا الاجتماعية، ليس على مستوى الكتابة فقط بل على مستوى السلوك الحياتى أيضاً كما كانت من الكاتبات الذين جمعوا بين الإبداع والعمل العام فقد كانت عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب ورئيس جمعية الكاتبات المصريات.
المناضله الجسورة
من المؤكد أن الظروف التى عاشتها «فتحيه العسال» سواء على صعيدها الاجتماعى ومدى القهر الذى تعرضت له خلال طفولتها بحرمانها من التعليم أو الزواج المبكر، إضافة لمناخ القهر الوطنى الذى كانت تعيشه مصر تحت وطأة الإحتلال البريطانى والذى دفعها للخروج مبكرا فى مظاهرات طلبه المدارس ضد الإنجليز .. ولا شك أن كل هذا القمع – الشخصى والعام – ساهم فى تبلور شخصية متمردة تبحث عن العدل دوما وتصرخ مدافعة عنه وتتعرض للسجن فى كل العصور وهى متمسكه بما تؤمن به، فقد تعرضت للاعتقال لأول مرة عام 1954 بعد مشاركتها فى مظاهرات ضد فرض الأحكام العرفيه وبعد ذلك حلت فتحيه ضيفة على المعتقلات عدة مرات كان من بينها عام 1959 بسبب ارتباطها بالتنظيمات اليساريه.
كما تم اعتقالها فى عهد أنور السادات بسبب موقفها الرافض لإتفاقية الصلح مع إسرائيل – كامب ديفيد – وحول تلك الواقعه قالت «فتحيه»: «عندما تشكلت لجنة الدفاع عن الثقافة القومية لمواجهة التطبيع في المجال الثقافي وأنا كنت جزءا منها وكانت معي لطيفة الزيات وعواطف عبدالرحمن وأمينة رشيد ورضوى عاشور وعبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم ونبيل الهلالي وجمال الغيطاني ويوسف القعيد .. وفي معرض الكتاب عام 1979 تم تخصيص جناح لاسرائيل فخرجنا جميعا وحرقنا العلم الاسرائيلي وتظاهرنا، واثناء الليل قبضوا علي ووجدوا في بيتي المطبوعات والمنشورات التي تخص اللجنة وأودعت سجن القناطر وهذه الفترة مهمة جدا في حياتي حيث كتبت أثناءها مسرحية «سجن النساء».
وكانت فتحية قد انخرطت فى صفوف الحركة اليسارية المصرية مبكرا وعند تأسيس منبر اليسار كانت ضمن المؤسسين وشاركت فى إنشاء حزب التجمع – اليسارى – بزعامة خالد محى الدين، وشغلت عددا من المواقع القيادية داخل الحزب من بينها/ رئاسة الجناح النسائى للحزب وأمانة الإتحاد النسائى التقدمى. وكانت من الداعمين لموقف اتحاد الكتاب المصرى في رفض التطبيع على مدى سنوات طويلة وتصدت لمحاولات التسلل وتغيير الهوية الثقافية.
https://youtu.be/CcWvR63giLY?t=53
كانت أول سيدة مصريه تصل إلى بيروت عام 1982 للتضامن مع المقاومة الفلسطينية ضد الحصار الإسرائيلى. وكانت فى أول الصفوف أثناء ثورة يناير وأعلنت موقفها الداعم للثورة من اللحظة الأولى أما فى ثورة 30 يوينو فقد كانت فى طليعة المثقفين الذين اعتصموا بمقر وزارة الثقافة احتجاجا على محاولات أخونة الثقافة المصرية ولم يمنعها مرضها الشديد آنذاك من الإعتصام داخل الوزارة مصطحبة علاجها معها.