عرض وترجمة: أحمد بركات
أضاف إعلان “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، وهو اتفاق اقتصادي وتنموي بين الصين وإيران لمدة 25 عاما، بشكل مباشر لمسار التنافس الجيواستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، يشير محمد باهارون، مديرعام مركز دبي لبحوث السياسات العامة، إلى أن النظرة الفاحصة إلى تداعيات هذه الاتفاقية تشي بأنه قد يكون مفيدا في تحقيق بعض الأهداف الأميركية، “خاصة فيما يتعلق بتحديث النظام الإيراني”.
ففي مقاله المعنون “الصفقة الصينية الإيرانية وإعادة اختراع الثورة الإيرانية”، أشار باهارون إلى أن الكثير من السياسيين الإيرانيين سارعوا إلى وصف هذه الاتفاقية بأنها “تحذير إلى الولايات المتحدة”، وانبرى المحللون الأميركيون أيضا في توصيفها باعتبارها “وسيلة لتعزيز النفوذ الصيني في المنطقة”.
وبينما أكدت وسائل الإعلام الخليجية أيضا أن هذه الشراكة تمثل “الإشارة الأخيرة على الانفصال الأميركي عن المنطقة”، إلا أنها لم تشر بوضوح إلى التأثير المحتمل لهذه “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” على الديناميات الداخلية في إيران.
وبحسب باهارون، لا ينطوي هذا الاتفاق، الذي أطلق عليه “صفقة الربع قرن”، على جديد، حيث سبق أن “اقترحه الرئيس شي جين بينغ أثناء زيارته لإيران في عام 2016”. وعلاوة على ذلك، واجه هذا الاتفاق معارضة مستمرة من بعض العناصر داخل إيران منذ ذلك الحين.
على وجه التحديد، كان هناك جدل كبير حول البنود غير المعلنة من الاتفاق والتي يفترض أن تتضمن إمكانية استخدام الصين للمنشآت العسكرية الإيرانية، والتعاون العسكري المستقبلي مع إيران، والتأجير المحتمل للجزر الإيرانية في الخليج العربي، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية للنقل في إيران، بما في ذلك الموانئ الإيرانية. وظلت حقيقة عدم كشف الحكومة الإيرانية عن نص الاتفاقية كاملا تثير الفضول خارج إيران، وبعض المقاومة داخلها.
ولكن باهارون يتوقع أن تعيد شراكة إيران الجديدة مع الصين ربط طهران بنظام التجارة العالمي، الذي من شأنه أن “يجبر إيران على تبني مقاربة أكثر توجها نحو السوق”، كما فعلت الصين من قبل، “وهو ما قد يؤثر في النهاية على مسارها الثوري الحالي”.
كما يرجح باهارون أن تؤدي إعادة الاندماج الاقتصادي لإيران من خلال مشاركتها في “مبادرة الحزام والطريق” إلى “خلق دافع اجتماعي واقتصادي لإعادة تركيز مصالحها الاقتصادية على الإزدهار والتنمية، بدلا من التشبث بالأهداف الثورية وحدها”.
ويعد هذا التركيز المحتمل على الاقتصاد والتجارة والبنية التحتية جزءا من مطالب شعبية أكبر كانت تنخر في الخفاء وبقوة في عظام سلطة الحكومة الإيرانية ومنظماتها الثورية. من هذا المنظور، بحسب باهارون، “تقدم “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” للنظام الإيراني شريان حياة محتمل في وقت تتفاقم فيه الضغوط عليه بشكل كبير”. كما يمكن أن تؤدي إعادة التوجيه هذه إلى إحداث تغيير في أولويات السياسة العامة في الداخل، وليس في الخارج، ما من شأنه أن يلبي مطلبا دفع بالعديد من الإيرانيين إلى الشوارع في السنوات الأخيرة.
لطالما فضل الإيرانيون نظام الحزب الواحد، المتمثل الآن في رئاسة شي مدى الحياة. ومع ذلك، يرجح باهارون أن “إضفاء الطابع الحداثي على الاقتصاد الإيراني هو ما سيتطلب مزيدا من التغيرات السياسية، وقد يقرب إيران من الأسواق العالمية أكثر مما هو عليه الحال اليوم”.
ومن المرجح أن يتطلب هذا من إيران التخفيف من حدة خطابها الثوري الديني، واستبداله بخطاب ثوري اقتصادي. وبالمثل قد يضطر القادة الدينيون في إيران إلى تقبل حقيقة أن الثورة التالية سوف تحتاج إلى أن تكون ثورة اقتصادية برؤية شبيهة بـ “رؤية 2030″، التي وضعتها المملكة العربية السعودية، أو النظرة الإمارتية إلى “الخمسين عاما القادمة”، والتي ستفتح الباب أمام إيران إلى آفاق اقتصادية جديدة.
وبحسب باهارون، يمكن أن ترى إيران في يد الصين الممدودة طريقة لبدء عملية التحرير الاقتصادي دون التحديات المصاحبة لقبول إصلاحات سياسية موازية، وهو أمر كانت إيران تفكر فيه منذ فترة طويلة.
لذلك يرى باهاون أن “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” تفرض تحديا على الولايات المتحدة، بغض النظر عن الجوانب الأمنية في الاتفاق بين إيران والصين. فمن المرجح أن يؤدي احتمال إنشاء رابط تجاري مباشر بين إيران والصين إلى إجبار الولايات المتحدة إما على مضاعفة العلقوبات على كل من إيران والصين، أو السير في الاتجاه الآخر والإسراع في رفع “الحد الأقصى من الضغوط” عن كاهل إيران، بدلا من محاولة زيادة الضغط على الصين لإجبارها على الامتثال.
وسيسمح تخفيف العقوبات عن إيران للولايات المتحدة بإعادة التواصل مع طهران بشأن “خطة العمل الشاملة المشتركة”، ومنع الصين من أن تصبح الشريك التجاري الوحيد لإيران عن طريق تمكين الدول الأوربية وغيرها من شراء النفط الإيراني والتجارة مع طهران.
ويمكن أن يؤدي ذلك، بحسب باهارون، إلى تسريع إعادة دمج إيران في منظومة التجارة العالمية. وبعبارة أخرى، قد ترى الولايات المتحدة في نهاية المطاف أن “التحرير الاقتصادي لإيران يمثل، من الناجية الجيواستراتيجية، مصلحة مشتركة مع الصين”.
لكن باهارون يحذر من أن النتائج الفورية لمثل هذا التغيير يمكن أن تكون “مضطربة للغاية”. فإيران تستطيع أن تفعل ما فعلته عندما أفرجت إدارة أوباما عن 1.7 مليار دولار من أموالها المحتجزة، والتي ذهبت لدعم وكلائها في جميع أنحاء العالم، وتمويل إنشاء وكلاء جدد في العراق، وتعزيز الوكلاء القدامى في اليمن.
لكن، بحسب باهارون، “في حال احتواء هذه التحديات قصيرة المدى، فإن التأثير بعيد المدى لإعادة التوجيه الاقتصادي وإعادة دمج إيران يمكن أن يمنح النظام الإيراني فرصة إعادة ابتكار نفسه بطريقة مشابهة لما فعلته الصين عندما دشنت مبادرة “التحديث لاشتراكي”، وضمنت حياة ثانية لنظام كان قد عفا عليه الزمن”.
—————————-
محمد باهارون، مديرعام مركز دبي لبحوث السياسات العامة
—————————
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا