تميزت شخصية ستيف جوبز(1955-2011) المدير السابق لشركة أبل للكمبيوتر و أحد مؤسسيها ،بالعبقرية و النبوغ و التميز والتحولات التي أحدثها في حياة البشر من خلال ابتكاراته العظيمة في مجال التكنولوجيا التي غيرت وجه العالم،وتركت أثارها البارزة على كافة المستويات،وهي الآثار التي سوف تظل باقية عقودا كثيرة مقبلة ،باعتراف أحد أهم منافسيه و هو بيل جيتس، مؤسس مايكروسوفت الذي قال عنه بعد وفاته: إن تأثيره الكبير في العالم ستشعر به أجيال عدة قادمة . وفي هذا السياق نشير إلى أن جوبز كان عبقريا في مجال الاليكترونيات ،وقدم اختراعات سبق بها عصره و غيرت حياة الناس حول العالم مثل أي فون iphone ، وآي باد وغيرها من الاختراعات الأخرى ،كما كان أول من حول أجهزة الحاسوب إلى الاستخدام الشخصي بعد أن كانت مقتصرة على الاستخدام الحكومي و الصناعي ،حيث أنتجت شركته أول حاسب شخصي في عام 1976، وكان أول من اخترع الحاسوب المحمول(اللابتوب) بعد أن كان الحاسوب مكتبيا فقط ،كما استطاع جوبز أن يمزج بين التكنولوجيا و الفن من خلال التصميمات الجذابة لمنتجاته التي تفوق بها على الشركات الأخرى . وكما يقول مؤلف سيرته الذاتية والتر ايزاكسو، فإن الثورة التكنولوجية التي أحدثها جوبز لم تكن في مجال الحاسبات فقط ،وإنما امتدت إلى مجال الرسوم المتحركة و النشر الرقمي و متاجر التجزئة الاليكترونية و غيرها من المجالات الأخرى. وفي هذا السياق نشير إلى أن حياة جوبز يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي التحدي ،حيث تحدى ظروفه الشخصية و العملية و الصحية و لم يستسلم لها، وأصر دائما أن يكون في المقدمة مهما كانت العقبات و التحدي.
حياته ونشأته
ولد ستيف جوبز العربي الأصل واسمه بالعربي مصعب عبد الفتاح الجندي الرفاعي(سوري الأصل من مدينة حمص) في مدينة سان فرانسيسكو في 24 فبراير عام 1955 .ويقال أنه ولد لأبوين غير متزوجين لاعتراض عائلة أمه الكاثوليكية على الزواج من أبيه. ونشأ جوبز في منزل العائلة التي تبنته في المنطقة التي تعرف الآن باسم وادي السليكون و هي مركز صناعات التكنولوجيا الأمريكية ،ثم التحق جوبز بالمدرسة فكان يدرس في فصل الشتاء و يذهب للعمل في الإجازة الصيفية ،وشغف بالاليكترونيات منذ صغره ،فكان مولعا بالتكنولوجيا وطريقة عمل الآلات ،وكانت أولى ابتكاراته وهو في المرحلة الثانوية عبارة عن شريحة اليكترونية .ورغم قلة اهتمامه بالتعليم المدرسي فقد تعلق ستيف بالمعلوماتية وقام بدورة تدريبة لدى اتش بي التي كان مركزها قريبا من منزله في مدينة بالو التو . ثم تخرج جوبز من المدرسة الثانوية،والتحق بجامعة ريد في بورتلاند بولاية أرجون،لكنه لم يحقق النجاح بالجامعة فرسب في عامه الأول وقرر ترك الدراسة بعد فصل دراسي واحد ،نظرا لضائقة مالية ألمت بأسرته. وتابع جوبز بعد ذلك دراسات في الشعر والخط .ولم يقف ساكنا بعد تركه للدراسة بل سعى لتنمية مهاراته في مجال التكنولوجيا و الاليكترونيات فقدم ورقة بأفكاره في مجال الاليكترونيات لشركة اتاري الأولى في صناعة العاب الفيديو و تمكن من الحصول على وظيفة بها كمصمم العاب. وفي عام 1970 شهدت حياة جوبز تحولا رئيسيا حينما التقى بمهندس الحاسوب و المبرمج ستيف وزنياك ليصبحا صديقين ويؤسسا شركة أبل مع صديقهم الثالث ماركولا . ولقد أحدث جوبز مع شريكه المؤسس ستيف وزنياك ثورة في عالم الكمبيوتر الشخصي في النصف الثاني من السبعينات انطلقت من جراج منزله. وبدأت شركة أبل في عام 1976 في تجميع وبيع أجهزة الكمبيوتر ،لتقدم للعالم بعد إنشائها جهاز ابل2 الذي يعد أول جهاز كمبيوتر شخصي ناجح يتم إنتاجه على المستوى التجاري وكان باكورة إنتاج الشركة عام 1984 نظام ماكنتوش الذي كان أول نظام تشغيل ناجح بواجهة رسومية وفارة. وهناك مرحلة مهمة في حياة جوبز حيث قرر اختراق عالم الكرتون و لم يبتعد كثيرا عن التكنولوجيا بل وظفها من أجل إضافة المزيد من الإبهار والروعة عليها .
ابتكارات جوبز
لقد أحدث جوبز بفضل عبقريته وتميزه في مجال التكنولوجيا الكثير من الابتكارات التي أحدث نقلة في جميع مجالات الحياة. ولعل من أبرز تلك الابتكارات التي أدخلها جوبز إلى عالم التكنولوجيا و بدأت في عام 2000 هي تحويل استخدام أجهزة الكمبيوتر من الاستخدام المكتبي إلى الاستخدام المحمول عن طريق سلسلة من المنتجات التي لاقت رواجا شاملا و تشمل تلك السلسلة على أجهزة آي باد و أيفون و غيرها. وجوبز لم يتوقف عند حد معين بل سعى دائما إلى البحث عن كل جديد في التكنولوجيا . ولعل من أبرز الابتكارات التي أحدثها جوبز بفضل عبقريته ما قدمه عام 2001 وهو جهاز الآي بود أو جهاز الموسيقى المحمول الذي يقوم بتحميل الأغاني من نوع MP3 وحقق هذا المنتج انتشارا واسعا في جميع الأسواق العالمية. وبفكر جوبز التسويقي المميز تمكن من إقناع معظم شركات الأغاني بمنحه حقوق تسويق أغانيها على الانترنت . واستكمالا لابتكاراته قدم جوبز برنامج آي تونز وهو برنامج موسيقي رقمي يبيع الأغاني و يجملها على الآي بود عبر الانترنت. ولعل من أشهر أقوال جوبز فيما يتعلق بعشقه بمجال الاليكترونيات و التكنولوجيا هو قوله : “في اعتقادي ،العلم و علوم الحاسوب هي فن حر، فهي أمر مهم على الجميع معرفة كيفية استخدامه كأقل تقدير،إضافة إلى تسخيره في حياتهم” أيضا من أهم ابتكارات جوبز ما حققته شركة نكست لأجهزة الكمبيوتر و بيسكار التي أحدثت نقلة في مجال الإنتاج السينمائي الكرتوني. ومن هنا حقق جوبز السبق في مجال التكنولوجيا وعمل طوال مسيرته العملية على التفكير الخلاق و الشجاع في طرح الأفكار الجديدة،حتى لو بدت للكثيرين على أنها مستحيلة التنفيذ. ولذا كان يقول إن الجديد هو ما يميز القائد عمن يتبعه ،ومن هنا دأب جوبز على البحث عن الأفكار الجديدة حتى لو كانت متعارضة مع قناعاته ،فكان لا يقنع بالأساليب التقليدية في العمل،ويرى انه قادر على صناعة التحول في حياة الناس و احتياجاتهم. ومن مقولاته المهمة في هذا الشأن أن بعض الناس يقولون أعط العملاء ما يريدون ،ولكن هذه ليست فلسفتي ،فمهمتنا هي تحديد ما سيريدون قبل أن يعرفوه،وهذا المنهج هو الذي ضمن له و لشركته السبق دائما في كل منتج قدمه إلى السوق . ومن هنا كان جوبز يرى أن الطريق الوحيد لعمل أشياء عظيمة،هي أن تحب ما تفعله، ولا يهمه ان يكون أغنى رجل في العالم بقدر ما يهمه ان يعود إلى الفراش في المساء وهو يشعر بأنه قام بشئ رائع. لذا نبغ جوبز في مجال عمله و تفوق على منافسيه ،وهذا احد الجوانب المتميزة في شخصيته.
خلاصة القول أن ستيف جوبز يمثل احد عباقرة العالم في مجال التكنولوجيا،سبق عصره بمراحل لعشقه لكل جديد و كل متميز في هذا المجال. ترك بصمة واضحة على حياة الناس في جميع أنحاء العالم بفضل ابتكاراته التكنولوجية التي أحدثت نقلة نوعية غير مسبوقة في حياة الناس. ولقد أشار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في نعيه لجوبز بقوله إنه كان يملك من الشجاعة ما يكفي ليفكر بطريقة مختلفة، ومن الجرأة ما يكفي ليؤمن أن بوسعه تغيير العالم ،ومن الموهبة ما يكفي لتحقيق ذلك. لذا اعتبره واحدا من عظماء الولايات المتحدة الأمريكية.