8 سنوات تفصل بيننا وبين 30 يونيو التي أنهت حكم جماعة الإخوان لمصر وأجهضت حلم الخلافة الذى ظل يراود حركات الإسلام السياسي لعقود طويلة ورغم أهمية الحدث وعمق تأثيره الذى امتد لأبعد من حدود مصر إلى المنطقة بأكملها . إلا أن تعبير الفن عن الحدث الهائل الذي شارك فيه عشرات الملايين من المصريين رافعين شعارا واحدا هو “يسقط يسقط حكم المرشد ” لم يكن على مستوى الحدث وظل حضور الفن أقل من حجم الحدث وتأثيره والنتائج التي ترتبت عليه.
وعلى الرغم من الدور البارز الذي قام به المثقفون والفنانون فى التمهيد ل٣٠ يونيو بدءاً من اعتصام وزارة الثقافة الشهير الذي كان البداية في تهيئة الرأي العام ودعوته للمشاركة في رفض حكم الجماعة
إلا أنه بعد نجاح 30 يونيو فى تحقيق هدفها وإسقاط حكم محمد مرسى وجماعته لم يقدم الفن بكافة صوره وأشكاله ما يرقى لحجم الحدث وما يوازى أهميته
فقد جاءت الأغنيات التى تناولت الحدث الكبير سطحية فى معظمها غاب عنها الإبداع وسادت فى معظمها سمة أعمال المناسبات واكتفت بكونها شكلا من أشكال الاحتفال بعيدا عن أى عمق وربما يرجع سبب سقوط معظم الأعمال التي تغنت بيونيو من ذاكرة المواطن إلى هذا السبب .
كما ان الملاحظ هو غياب عدد كبير من نجوم الصف الأول في الأغنية عن التفاعل مع أحداث ٣٠ يونيو فى حينها على عكس ما شهدته الساحة الفنية خلال ٢٥ يناير 2011 التي شهدت إنتاجا كبيرا ومستوى أكثر جودة وعمقا مما كانت عليه الأغنية فى 2013.
ولم تكن السينما أفضل حالا في التعبير عن 30 يونيو حيث جاء الإنتاج الذى تعاطى مع هذه الثورة أقل كثيرا من المتوقع ولم تقدم شاشات السينما سوى عددا محدود ا من الأعمال معظمها أقل من مستوى الحدث سواء فنيا أو فكريا .
ورغم الحضور الواضح للدراما التلفزيونية فى تناول 30 يونيو إلا أن غالبية المسلسلات اهتمت بشكل كبير بمرحلة ما بعد الخلاص من الاخوان وما تعرضت له مصر من مخاطر وأعمال عنف وإرهاب بينما غابت الفترة التي سبقت ٣٠ يونيو و شهدت المواجهات الشعبية ضد حكم جماعة الإخوان
وعن الأغنية فقد سيطرت على الساحة الفنية موجة من الأغنيات التي قدمت خلال الأيام الأخيرة من يونيو وبدايات شهر يوليو التي شهدنا خلالها إعلان عزل مرسي وتفاصيل خارطة الطريق ، واكتفت الأغنيات التي قدمت فى هذه الفترة بقدر كبير من الضجيج والاحتفالية .
أغاني ضد الإخوان
وكانت الأغنية قد شهدت تطورا تميز بالجرأة فى مناهضة جماعة الإخوان خلال العام الذى حكمت فيه مصر، فنجد الفنانة “آمال ماهر ” تقدم فى عام 2012 وفى ظل سيطرة الإخوان أغنيتها الشهيرة ” مصر شالت فوق طاقتها ” من كلمات تامر حسين ولحن عمرو مصطفى وقد تعرضت تلك الأغنية لهجوم إخواني حاد بلغ درجة منع عرضها على شاشات التلفزيون الرسمي خلال فترة حكم محمد مرسي .
وقدم الفنان “على الحجار ” من كلمات مدحت العدل وألحان “أحمد الحجار ” أغنية إحنا شعب وهما شعب تلك الأغنية التي قدمت نقدا واضحا وصريحا لحكم الجماعة في عز قوتها ولم يتردد صناعها في توجيه صرخة حادة ضد محاولات الجماعة تقسيم الشعب والتفريق بين أبنائه فى إطار مرحلة ما سمى بالتمكين الإخواني وقد أثارت الأغنية موجة غضب عارمة من جماعة الإخوان وأنصارها ضد الحجار وصناع الأغنية
كما لم تغب فرقة” إسكندريلا “عن الحدث وقدمت أغنيتها “مصر بتصحى تسقى الورد ” التي حملت سخرية من حكم الجماعة .
أغنيات 30 يونيو
ما ذكرناه آنفا كان بعض النماذج من الأغنيات التى سبقت الحدث الكبير ومهدت له بينما كانت أشهر الأعمال التى حققت نجاحا كبيرا عقب نجاح ٣٠ يونيو هي أغنية “تسلم الأيادى “
وشارك فى غنائها عدد كبير من الفنانين وهم إيهاب توفيق، هشام عباس، حكيم، غادة رجب، خالد عجاج، سمير الاسكندراني، سومة، بوسي، أحمد كامل، بالإضافة للفنان مصطفى كامل، والذي كتب الأغنية ولحنها.
وكذلك حققت أغنية حسين الجسمي ” بشرة خير ” بعد عام من الثورة والتى كتبها أيمن بهجت قمر، وألحان عمرو مصطفى نجاحا كبيرا.
وفى ظهور للفنانة آمال ماهر قدمت أغنية مميزة من كلمات أيمن بهجت قمر ولحن عمرو مصطفى وهى “طوبة فوق طوبة نبنى “.
كما غنت آمال ماهر أغنية “يا مصريين” من كلمات تامر حسين وألحان عمرو مصطفى، وتم تسجيلها على جزأين، وحققت نجاحا كبيرا
وأعاد “محمد حماقي ” تقديم أغنية “بلادي” القديمة كلمات محسن الخياط وألحان بليغ حمدي وتوزيع خالد عز .
فشل سينمائي
بعد 8سنوات ما زال تفاعل السينما شديد التواضع مع حدث بحجم 30 يونيو حيث قدمت حوالى 5 أفلام فقط وغاب عنها تماما أى عمل ملحمي يتناول تلك الفترة وكأن هناك بعض الموانع أو المحاذير التي تحول دون تناول الثورة الكبيرة أو القلق من أن لا تحقق تلك النوعية من الأعمال الفنية الإيرادات المرجوة والخوف من تعرضهم لخسائر مادية !!!
ومن بين الأعمال التي تناولت أحداث 30يونيو وما بعدها كان فيلم “اشتباك ” والذى تم عرضه عام 2016 وهو للمخرج محمد دياب وتدور أحداث الفيلم بعد 30 يونيو 2013 داخل عربة ترحيلات تابعة للشرطة مكتظة بالمتظاهرين من المؤيدين والمعارضين لحكم جماعة الإخوان المسلمين وذلك بعد نجاح الثورة ضد الجماعة ورغم الاحتفاء الدولي بالفيلم وعرضه فى افتتاح مسابقة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي 2016 كما تم اختياره لتمثيل مصر عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار التاسع والثمانين ،رغم ذلك فقد تعرض الفيلم لهجوم حاد داخل مصر بسبب تناوله للأحداث بشكل اعتبره البعض يتضمن مجاملة لعناصر جماعة الإخوان.
وفى فبراير 2016 قدم المخرج “محمد أبو سيف ” فيلم “المشخصاتي 2 ” بطولة تامر عبد المنعم وإيمي سمير غانم وعدد كبير من النجوم وجاء الفيلم فى إطار كوميدي ساخر ويسلط الضوء على الآداء السياسي للرئيس الاسبق محمد مرسى واستقبال المواطنين لهذا الاداء بقدر كبير من التهكم
وفى عام 2017 قدم المخرج “محمد سامى ” فيلم “جواب اعتقال ” الذى تناول المناخ المجتمعي الذى ينشأ فيه الإرهابي وكيف يتم تخليق الإرهاب والفيلم بطولة محمد رمضان ودينا الشربيني وإياد نصار
وفى محاولة للاقتراب من عالم الإرهاب قدم المخرج طارق العريان فيلم “الخلية ” بطولة أحمد عز وأمينة خليل .
واستمرارا للتناول الكوميدي الساخر قدم المخرج “أحمد البدرى ” فيلم “القرموطي فى أرض النار ” بطولة “أحمد آدم ” و” علاء مرسي “
ورغم الإعلان منذ عام 2017 عن عمل فنى ضخم بعنوان ” أيام الغضب والثورة ” وتم تعديل الاسم إلى “سرى للغاية ” والذى يتناول الفترة من ٢٥ يناير 2011 حتى 30 يونيو وقد كتبه الراحل وحيد حامد وتم الاستقرار على أبطال العمل ومن بينهم “أحمد السقا ” الذى يجسد شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي ، ونبيل الحلفاوي والذى يجسد شخصية المشير محمد حسين طنطاوي ، واحمد رزق الذي يجسد شخصية الرئيس المعزول محمد مرسي .
إلا أن هذا المشروع الفني الضخم الذي تناولت عدد من وسائل الإعلام تفاصيل البدء فيه توقف استكماله والحديث عنه مرة واحدة ولم يعد يتذكره أحد. فهل طويت صفحة هذا العمل وتراجع صناعه عن استكماله أم أنه مؤجل فقط ؟
المؤكد أن هناك بعض الأسباب التي أدت إلى ذلك التعاطي السينمائي الباهت مع ثورة 30 يونيو من بينها الأزمة الشاملة التي تعانيها السينما منذ سنوات وأثرت بشكل واضح على معدلات الإنتاج بالإضافة إلى معوقات تتعلق بمساحة حرية الإبداع المتاحة أمام صناع السينما مما ادي في النهاية الي قلة الأعمال التي تناولت حدث ٣٠ يونيو فضلا عن عدم تحقيقها نجاحات توازي الحدث الكبير .