أكد نقاد وكتاب وروائيون أن الروائية الكبيرة سلوى بكر؛ استطاعت في روايتها الأخيرة “فيلة سوداء بأحذية بيضاء” أن تعالج الكثير من مشكلات المجتمع المصري؛ بمشرط جراح ماهر.. حيث شخّصت بسلاسة الكثير من الأزمات التي عاشتها مصر خلال عصر الانفتاح في السبعينيات، والذي ألحق الكثير من التشوهات بالشخصية المصرية.
وقال الناقد شعبان يوسف خلال الاحتفالية التي أقامتها ورشة الزيتون الإبداعية لسلوى بكر الاثنين 4 أبريل بمناسبة صدور روايتها الاخيرة: أنا أعرف سلوي بكر منذ وقت طويل وتحديدا منذ السبعينات، وأنا بشكل عام ضعيف أمام جيل السبعينات.. وأضاف أنها بدأت كاتبة كبيرة، رغم أنّ كتابة الكاتبات دايما محفوفة بالمخاطر وسلوي لا تملك سوي القلم وحسها الأدبي.
وأكد أن سلوي معروفة بثقافتها العميقة، وأن الثقافة بينهما كانت مثمرة وعامرة؛ خاصة أننا كنا في خندق سياسي واحد، فهي علي المستوي الإنساني سند حقيقي.
وأضاف يوسف أن سلوى ثبتت أقدامها بقوة منذ مجموعتها القصصية الأولي، ثم توالت الكتابات بعد ذلك مثيرة الجدل؛ فهي لا تعتمد إلا على ما تكتبه.. وهي تري دوما الأدب في إطار العلاقة بالناس، وحتي جائزة الدولة التقديرية؛ حصلت عليها متأخرا.
ويكمل يوسف: هناك انحيازات موجودة، في منح الجوائز الثقافية لا تخفى علي أحدٍ، ولكن سلوي عندما حصلت على جائزة الدولة كان هذا انحيازا من الجميع للموهبة وحدها.
وعن الرواية قال شعبان يوسف: الرواية تبدأ بظهور العذراء في كنيسة الزيتون في عام 68 وأظن أن هذا المشهد هام جدا ففي أعقاب نكسة 67 كنا في حاجه لمعجزة فجاء ظهور العذراء.. وسلوي “عامله” بانوراما عن الزيتون، ومن خلالها التقت البطلة عفت شخص اسمه حسام تذكرت أنها شاهدته في التحرير وأنه من حركة 68 وتعرفت عليه فأحبا بعضهما البعض ومن خلال المشاهد عرضت الكاتبة روحا لم نعد نرها الآن.
وأضاف أن هناك حشد معلوماتي جاء موظفا في السياق وفي إطار الحوار بين حسام وعفت.. وهناك تفصيلة استخدمتها الكاتبة استخداما متميزا، ومعها اكتشفنا أن عفت ليست عذراء، حيث بدأ سقوط الأقنعة، وتدمرت العلاقة منذ تلك اللحظة حيث بدأ حسام يتخلى عنها.
يكمل أ. شعبان: هناك تشابك جدلي بين الشخصيات، وخاصة الأب والأم وحسام الذي بدأ يتنازل عن أفكاره الثورية، ويتعاطى بذور التخلف التي بدأت تعمل بداخله، مع تصاعد الصراع بين المادة والمال.
وأشار إلى أن تطور الصراع في الرواية جاء بشكل طبيعي، وفي ثناياه شاهدنا تأثيرات ذهاب السادات للقدس، ورغم سخرية حسام منه، فإنه كان أكثر المستفيدين من الانفتاح الذي حدث في عهده. أما عفت فهي نموذج للبنت المحافظة علي هويتها وثوريتها.
وشدد الناقد والشاعر شعبان يوسف علي أن الرواية لا يمكن وصفها بأنها رواية نسوية، ولكنها تتكلم بصوت العقل فالخناقة دائرة بين حسام وعفت منذ أول الرواية حول الحرية.
د. فاطمة الصعيدي أستاذة النقد الأدبي قالت: إن سلوي بكر تكتب كتابة شجاعة، ترصد فيها ما حدث للمصريين، في نصف قرن قبل أن يأتي الانفتاح الذي قلب المجتمع رأسا علي عقب.
وأضافت: فجأة سافر الفلاحون، وعادوا من الخليج محملين بالمال علي غير ثقافة، فضاع العلم. وقد عالجت سلوي بكر كل هذا بنعومة شديدة وبمشرط جراح ماهر.
وأشارت إلي أنها تدق جرس انذار من خلال صورة النساء المتشحات بالسواد واللاتي يشبهن الفيلة بعد أن تم اختزال وعي المرأة وحصرها في قالب معين.
وأكدت أن سلوى بكر تريد من خلال هذه الرواية، أن تنبئ القارئ الذي لم يعش مثل هذه الأحداث، بحقيقة ما جرى من خلال رصد العلاقات الحميمة بين البشر، دون أن تخدش الحياء، حيث قدمت كلاما علميا يشبه لغة الأطباء.
وأضافت الصعيدي أنها قدمت منطق الحذف في هذه الرواية، وعلى القارئ أن يقرأ ما بين السطور.
وبدوره قال الدكتور محمد طه أن سلوي بكر ليست مجرد كاتبة روائية، وإنما هي روائية بدرجة مفكر لديها موقف من التاريخ والسياسة، ويخيل لدي أن أي قضية لابد أن تمر علي ذهنها لتمحصها وعلى عقلها ليحللها.
وأضاف أن الرواية قصيرة، وليس فيها سوي شخصيتين، وهي تقوم بإيصال رسالتها بشكل مباشر، فهي تري التناقض الغريب بين كون البعض مثقفين ومتأخرين في نفس الوقت فهي تخوض معركة دائمة من أجل التنوير.
وأكد أن هذه الرواية مستدعاةٌ من الذاكرة، وتناقش قضايا ملغّمة فسلوى بكر واضحة، وهي تتحدث عن علاقات خاصة بين جانبي العمل، وعن تأثيرات عصر السادات. فجمال الرواية إذن يكمن في بساطة الأسلوب، وعمق الموضوع الذي تتحدث عنه.
ومن ناحيتها قالت الروائية الكبيرة سلوى بكر أن ورشة الزيتون نوع من المقاومة الفكرية الهامة جدا ودورها يجب أن يُثَمَّن كثيرا في ضوء المتغيرات التي نعيشها.
وأضافت أن ثورة 23يوليو1952، انتهت في عام 70 بوفاة عبد الناصر، وللأسف فإن الكثير من العقول المصرية ذهبت للدول النفطية، وهذه الرواية تتحدث عن التغيرات التي أحدثها النفط حيث حقق بعض أنصاف المتعلمين ثروات هائلة علي حساب المتعلمين من أبناء الطبقة الوسطى.
وأشارت إلى أن كل عمل فني ابداعي يحمل أيدلوجية ما ولكن السؤال كيف نمرر هذه الأيدلوجية؟ هل تكون خطابية مباشرة أو أفكار ورسائل تقرأ من بين السطور.
وشددت على أن الإبداع عموما عملية غامضة ومعقدة؛ فعندما ترسم أو تكتب لابد أن تحدد، أين أنت من الشخصية؟ وأضافت أن الرواية تجسِّد بشكل واضح التراجع الكبير في مكانة المرأة المصرية.