منذ بضع سنوات.. وخلال عملي في دولة الإمارات العربية الشقيقة؛ كنت حريصا على حضور معرض أبوظبي للكتاب الذي يُعد عرسا ثقافيا في ذلك القُطر العربي الشقيق.
وخلال تجوالي في أروقة المعرض، بين أجنحة الناشرين العرب المختلفة، توقفت أمام جناح مجلة ماجد، تلك التي كنت أتابعها بشكل أسبوعي في طفولتي، التي قضيتها في قطر عربي آخر، لدى صدورها عن دار الاتحاد الإماراتية.
كانت تجربة مجلة ماجد تجربة فريدة بحق، في تاريخ الكتابة للطفل العربي، حيث استطاعت إدارتها أن تستقطب عددا كبيرا من الكتاب المتخصصين في هذا المجال، مثل الكاتب المصري جار النبي الحلو على سبيل المثال، وأضافت إليهم كتيبة كاملة من فناني الكاريكاتير العرب المميزين، وفي مقدمتهم أحمد حجازي وبهجت عثمان وإيهاب شاكر من مصر إضافة الى محيي الدين اللباد وغيرهم.
وبفضل هذه الكتيبة؛ كانت المجلة تقدم للأطفال كل اسبوع، وجبة طازجة تمزج ما بين الثقافة والمتعة والضحكة الصافية والعبرة والعظة.
ومن بين أصناف تلك الوجبة، شخصية “كسلان” التي جعلها مبدعوها بمثابة ذم للكسل، وشخصيتا “شمسة” و”دانة” الفتاتان اللتان تسكنان جزيرة بعيدة، وتتعاملان مع مخلوقاتها والفكرة من إبداع إيهاب شاكر.
استوقفني في جناح تلك المجلة؛ وجود إصدار يحمل عنوان “دائرة معارف زكية الذكية”، أعادني العنوان أكثر من عشرين عاما إلى الوراء، تذكرت سنوات طفولتي، حين كنت متعلقا للغاية بهذه الشخصية التي ابتكرها الكاتب أحمد عمر، ورسمها المبدع الراحل أحمد حجازي.
كانت “زكية” تطالعنا نحن معشر الأطفال العرب كل أسبوع بمعلومة مختلفة، سواء في السياسة أو التاريخ أو الرياضة…إلخ.
حيث قدمها مبدعوها كشخصية ذات ثقافة موسوعية، وتملك مكتبة ضخمة؛ مرسخين بذلك قيمة القراءة ومدى أهميتها في مخيلة الأطفال.
إلا أن أهم ما قدمه كل من عمر وحجازي، من خلال زكية –في رأيي الشخصي– هو تكريس قضية فلسطين في أذهان جيل كامل.
حيث تزامن ظهور زكية على صفحات المجلة مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، والتي هزت العالم العربي هزاً.
وواكبت زكية الحدث –إذا صح التعبير– فكانت تقدم لمتابعيها، معلومات قيمة عن تاريخ القضية ومسارها وعن مقاومة الشعب الفلسطيني منذ عام النكبة، بل منذ ما قبلها وحتى عام الانتفاضة.
من خلال رسوم حجازي؛ عرف كاتب هذه السطور لأول مرة معنى “لاجئ” وانتفاضة” و”العدو الصهيوني” وما هي مجزرة “دير ياسين” التي ارتكبت بحق سكان تلك القرية الفلسطينية عام ١٩٤٨، وماذا تعني “العنصرية”؟
حيث لم يكن المرء، بحاجة إلى كثير من الذكاء؛ لكي يدرك أن الجندي الصهيوني الذي رسمه حجازي على شاكلة مصاصي الدماء، هو عدو.. وأن الطفل الفلسطيني مقطب الحاجبين والممسك بحجر في يد وبعلم بلاده في اليد الأخرى، هو صاحب الأرض والقضية.
وبفضل “زكية” حجازي؛ صمد هذا الانتماء أمام دعاية منظمة ومركزة؛ تعمدت “شيطنة” الشعب الفلسطيني وتشويه صورة هذا الشعب العربي لدى المصريين بالذات.
ولا أبالغ إن قلت.. أن ما كرسته زكية في داخلي، منذ سنوات صباي، كان إحدى الدوافع التي جعلتني أتظاهر نصرة وتضامنا مع القضية، حين اندلعت الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠، وكنت حينها طالبا في احدى جامعات المحروسة.
لم أستطع؛ وأنا أطالع ذكريات الطفولة هذه، أن أمنع عيني أن تدمع للحظة، وكأني وددت أن أوجه رسالة لروح حجازي في العالم الأخر قائلا: نم قرير العين أيها الفنان المبدع، فقد أديت مهمتك وعلّمت جيلا بأسره معنى الانتماء للقضية.