في صيف عام ١٩٧٥، وفي إحدى قاعات الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع بقلب القاهرة – أسعدني القدر بأن أجلس مع الدكتور محمد حلمي مراد وزير التربية والتعليم في أول حكومة شكلها الرئيس جمال عبد الناصر، في أعقاب استفتاء الشعب على بيان “٣٠ مارس” الصادر في عام ١٩٦٨، وكان أغلبها من أساتذة الجامعة، وتولى حينها الدكتور حلمي وعدد محدود من الوزراء اللجنة المُشرفة على تنفيذ البرنامج الذي وعد به عبد الناصر الشعب؛ ليرسخ دولة القانون ويقيم دولة المؤسسات.
كان الدكتور حلمي مراد آنذاك أي عام ١٩٧٥، أحد أهم قيادات المعارضة السياسية للرئيس أنور السادات الذي خرج من حرب أكتوبر باحثا عن شرعية جديدة، بعيدا عن شرعية ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وهو الأمر الذي وجدت القوي الوطنية فيه سببا لرفع لواء المعارضة الوطنية في وجه سياساته، سياسة الانفتاح الاقتصادي ووضع نتائج الحرب في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي إطار ما أسماه الرئيس السادات أن ٩٩ ٪ من أوراق اللعبة أو الحل السياسي في أيدي واشنطن وحدها، ولا أحد سواها!
كان لقاء الدكتور بالنسبة لي فرحة لها وقع خاص عندي لسببين، أولهما: أنه كان اللقاء الثاني لي بالرجل، حيث كان اللقاء الأول عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس، في عام ١٩٦٧، وكنت أنا وقتها أخطو الخطوات الأولى إلى هذه الجامعة العريقة.. وكان الدكتور حلمي أحد أعلام مصر والعرب الكبار، في عالم القانون والاقتصاد السياسي.
ذهبت إليه لشأن خاص بمشكلة طالب مُبتدئ يرغب في دخول كلية تهتم بقضايا التاريخ والفلسفة والاجتماع، بدلا من الكلية العلمية التي ذهب إليها بحكم توزيع مكتب التنسيق.
فوجدت في الدكتور –وهو من هو– حنانا أبويا صادقا ورقيقا؛ ناصحا إياي بالإبقاء على الدراسة العلمية، شارحا أسبابه في ذلك، ما جعلني مُقتنعا بما قاله، مُخلصا لنصيحته.
مرت السنوات، وتوثقت العلاقة بين الطالب وأستاذه، أستاذ الأساتذة وعميدهم في الوطنية والنقاء وطهارة اليد والمسلك –رحمه الله– حتى جاء اللقاء الثاني، حيث أعطاني –على سبيل الاستعارة– كتابا هاما كنت أسمع عنه، وعن أهميته ولم أره، كان كتاب “الطريق إلى رمضان” للأستاذ محمد حسنين هيكل!
أخذت الكتاب منه شاكرا مع وعد بإرجاعه في الموعد المحدد؛ غير أنه فاجأني عند إعادته إليه، بأنه أعطاني إياه على سبيل الهدية، وعندما سألته عن سبب هذا الكرم قال لي: “هناك أكثر من سبب يجعل هذا الكتاب هدية لا تُرد؛ منها أني لاحظت شغفك واهتمامك بما يُكتب عن حرب اكتوبر، أما السبب الثاني فيرجع إلى التزامك بالموعد الذي حددته لك، وهذا في حد ذاته فضيلة طيبة؛ قليل من الناس من يلتزم بها”.
ثم توقف فجأة وقال: “لعل هذا الكتاب الهام، وبرغم أنني لست كاتبه، يبقى ذِكرى لا تنساني بعدها أبدا”!
رحم الله أستاذي ومُعلمي الكريم.
كتاب الأستاذ هيكل أعتبره واحدا من أهم الكتب الرائدة التي تناولت حرب أكتوبر، وإن لم يكن أهمها، حتي بالنسبة للأستاذ هيكل نفسه، إذ أصدر فيما بعد أوائل التسعينيات كتابه الشامل “حرب أكتوبر ٧٣: السياسة والسلاح” كما أصدر الأستاذ بين هذين الكتابين، مجموعة من الأعمال الأساسية، منها “ملفات السويس” عن حرب ١٩٥٦، ثم كتاب “سنوات الغليان” التي عالج خلاله قضايا الصعود الناصري والمد القومي، ثم كتابه بالغ الأهمية الذي حمل عنوان “الانفجار” والذي عرض من خلاله وقائع حرب يونيه ١٩٦٧، وتفاصيلها الحزينة والمؤلمة.. وحسبي أنه واحد من أهم ما كتب الأستاذ هيكل على طول تاريخه المهني والبحثي والتأريخي، ثم يأتي كتابه أو المجلد الرابع عن حرب أكتوبر من سلسلته البحثية الهامة “حرب الثلاثين عاما”.. غير أن الأستاذ هيكل له مجموعة هامة من الكتب سبقت كتابه الرائد “الطريق إلى رمضان” الصادر عن دار النهار في بيروت، والذي منع الرئيس السادات دخوله إلى مصر بٍدعوى أنه تضمن وقائع غير حقيقية ومُختلقة، لا يتسع المجال هنا لفحصها وإثبات صدقها.
من أهم هذه الكتب، كتاب “في مفترق طرق” والذي ضم بين دفتيه سلسلة مقالات الأستاذ هيكل بصراحة، والتي تناولت وقائع حرب أكتوبر وتطوراتها من موقعه كرئيس تحرير جريدة الأهرام، وحتى قرار الرئيس السادات في ٢ فبراير من عام ١٩٧٤، بإقالته من موقعه في تلك المؤسسة الصحفية العريقة، إثر تفاقم الخلاف السياسي بين الرجلين، بعد مقال الأستاذ هيكل الشهير الذي حمل عنوانا لافتا هو “الظلال والبريق” والذي حدد فيه أسباب تحفظه على توجه السادات إلى واشنطن، في الوقت الذي رأى هيكل – بعد حوار شامل جرى في القاهرة في نوفمبر٧٣، مع هنري كيسنجر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون– أن الأضواء تنسحب عن إدارة هذا الرئيس، وأن الظلال تتصدر المشهد في واشنطن، فالرئيس نيكسون الذي حنث بالقسم في بلاده، بات في شبه المؤكد -حينها- خروجه مهانا مطرودا من البيت الأبيض.
في أعقاب الحرب صدرت مجموعة من الدراسات الرائدة، كان أبرزها مُجلد كبير أشرف عليه الباحث العربي الكبير الدكتور أنيس صايغ رئيس مركز الأبحاث الفلسطينية التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان هذا العمل البحثي يتسم بأعلى قدر من الموضوعية والمنهجية، وقد شارك فيه عدد كبير من الخبراء العرب في الشئون السياسية والعسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، فكان عملا شاملا بحق.
ولم تنقضِ بضعة أسابيع حتى أصدرت هيئة البحوث العسكرية المصرية كتابها الرسمي بعنوان “حرب أكتوبر” بأقلام ثلاثة من أبرز وأهم القادة والخبراء والمؤرخين العسكريين في تاريخ الجيش المصري آنذاك وهم: اللواء طه المجدوب واللواء حسن البدري واللواء ضياء الدين زهدي رحمهم الله جميعا، فقد كانوا فخر العقل العسكري العربي على صعيد البحث والتأريخ، وقد سبق أن قدمت تلك المجموعة الذهبية ومعها اللواء حسن مطاوع واحدة من أهم الدراسات البحثية التي صدرت عن مؤسسة الأهرام عام ١٩٧١، وتحت الإشراف المباشر والمساندة الكاملة من الأستاذ هيكل وكان عنوانها “العسكرية الصهيونية” وموزعة على ثلاثة مجلدات.
وفي الفترة التالية لحرب أكتوبر، نظمت هيئة البحوث العسكرية المصرية وأكاديمية ناصر العسكرية ندوة دولية دعت فيها عددا كبيرا من أهم خبراء العالم في شئون الحرب والقتال والتفكير الاستراتيجي لبحث حرب أكتوبر، وأصدرت في نهاية أعمالها ثلاثة مجلدات شاملة، تناول المجلد الأول منها القضايا السياسة للحرب، وعالج الثاني الموضوعات العسكرية والاستراتيجية، أما المجلد الثالث، فقد شمل التأثيرات الاقتصادية ومعركة البترول وتأثيراتها على السوق الاقتصادي العالمي.
وبعد عدد من السنوات، وفي أعقاب الحرب، وترجل الكثير من قادة الحرب المجيدة، وتركهم ميدان القتال والحرب والسلاح، بدأ المُحارب استراحته، فما كان عليه إلا أن يمتشق القلم عوضا عن سلاح بات من الذكريات!
هنا كان للفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب السادس من أكتوبر فضل الريادة في نشر مذكرات هؤلاء القادة العظام عن الحرب المجيدة، فصدرت مذكراته في طبعة أولى في باريس عن دار الوطن العربي، والتي حوكم بسبها في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقضى عقوبة السجن بدعوى نشره أسرارا سياسية وعسكرية، وهو ما برأته القوات المسلحة منه قبل تنحي مبارك أثناء ثورة يناير٢٠١١، وتحديدا خلال جلسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مساء يوم الأربعاء الموافق التاسع من فبراير، برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والقائد العام، وقد رُدت أوسمة الحرب إليه بعد أن نزعها مبارك منه!
وبدا قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلى درجات التكريم للرجل بوصفه القائد الأول لحرب السادس من أكتوبر.. غير أن ثمة مشروع كتاب للفريق الشاذلي نرجو أن يرى النور، فقد نشر خلال سنوات المنفى دراسة بالغة الأهمية نُشرت في جريدة الوطن الكويتية، وكانت بعنوان “الخيار العسكري العربي” موزعة على ٢٤ حلقة، بدأ في نشرها في ٧ مارس ١٩٨٥.
وبعد الفريق الشاذلي يأتي المشير محمد عبد الغني الجمسي رئيس شعبة عمليات القوات المسلحة خلال الحرب، ثم رئيس الأركان ووزير الدفاع بعد ذلك، ليُصدر مذكراته الشاملة عن عمليات السادس من أكتوبر، في طبعتها الأولى في باريس ومن ذات الدار التي صدرت عنها مذكرات الفريق الشاذلي، وهي دار الوطن العربي.
ثم تأتي مذكرات الفريق كمال حسن على قائد المدرعات خلال الحرب، ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء فيما بعد، في كتابين: الأول هو “محاربون ومفاوضون” صادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر. والثاني هو “مشاوير العمر” وهو سيرة ذاتية للرجل، وقد أصدرته دار “الشروق” في القاهرة.
ثم تأتي مذكرات الفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميداني خلال حرب أكتوبر، ومذكرات اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني، فيما شارك المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، بكتيّب هام يُركز فقط على دور سلاح المدفعية التي كان يقودها خلال العمليات العسكرية وأبلت بلاء حسنا طوال الحرب، وأعطى لها عنوانا صحفيا هو “…وانطلقت المدافع عند الظهر” وأعتقد أنه عنوان مأخوذ من كتاب الأستاذ أحمد بهاء الدين “…وتحطمت الأسطورة عند الظهر” والذي جاء ردا سياسيا وعسكريا ساحقا من الأستاذ بهاء الدين على الكتاب الذي أصدرته المخابرات الإسرائيلية في أعقاب حرب يونيه وكان عنوانه “…وتحطمت الطائرات عند الفجر”.
بعد ذلك تأتي سلسلة قادة الحرب المُتقاعدين، والذين تركوا السلاح لسبب أو آخر، ولعل أهمها مذكرات الفريق أول محمد فوزي القائد العام غداة نكسة يونيه، وأبو العسكرية المصرية الحديثة، فقد أصدر ثلاثة كتب عسكرية مُتخصصة ومُدققة، ومن واقع إلمامه بتفاصيل الحرب، كان أولها مذكراته بعنوان “حرب الثلاث سنوات: ١٩٦٧ -١٩٧٠” وهو كتاب مُكرس للتأريخ لحرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، ثم كتابه الثاني “حرب أكتوبر” أما الثالث فكان بعنوان “استراتيجية المُصالحة” ويتناول حجم التناقض بين النتائج العسكرية الكبيرة للحرب والنتائج السياسية المحدودة لها، على نحو ما جاءت بها اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام الموقعة في مارس عام ١٩٧٩.
ويأتي كتاب اللواء متقاعد جمال حماد وهو أقرب إلى مجلد تصل صفحاته إلى نحو ألف صفحة بعنوان “المعارك الحربية على الجبهة المصرية” ويتناول فيه أدق التفاصيل ووقائع الحرب بمراحلها المختلفة، موثقة بعدد كبير من الخرائط الميدانية والوثائق العسكرية، ومن بينها حديثه عن وقائع تطوير الهجوم شرقا، وأسباب الخلاف بين الرئيس السادات والفريق سعد الشاذلي في كيفية التعامل مع الثغرة.
يبقى في الذاكرة ستة كتب أقرب إلى التناول السياسي والاستراتيجي لقضايا الحرب، أولها كتاب الرئيس السادات وعنوانه “البحث عن الذات” وهو سيرة ذاتية للرجل الذي قاد الحرب، ثم كتاب جمال حمدان “٦ اكتوبر في الاستراتيجية العالمية” وهو دراسة سياسية واستراتيجية بقلم واحد من أهم من أنجبتهم مصر وأمة العرب على صعيد الدراسات الاستراتيجية، وقبل ذلك تأتي مذكرات محمود رياض وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية والتي صدرت أجزاؤها الثلاثة موزعة بين بيروت والقاهرة وأخذت عنوانا هو “البحث عن السلام والصراع في الشرق الأوسط” وقد أفرد جزءا كاملا من مذكراته لمعالجة قضايا الأمن القومي العربي، ويأتي كتاب محمد حافظ إسماعيل الذي أّرّخ لحياة مصر والعرب طوال أكثر من خمسة عقود، وعنوانه “أمن مصر القومي في عصر التحديات” ويكتسب كتابه الأهمية القصوى من واقع دوره كمستشار سياسي واستراتيجي للرئيس السادات قبل وأثناء وفي أعقاب الحرب، وبعد ذلك تأتي مذكرات إسماعيل فهمي والذي تولّى وزارة الخارجية المصرية، خلال الحرب خلفا للدكتور محمد حسن الزيات والتي صدرت في القاهرة تحت عنوان “التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط” وقدم استقالته للرئيس السادات احتجاجا على زيارته لإسرائيل في نوفمبر ١٩٧٧، وهناك أكثر من كتاب صدر في القاهرة وبيروت لعل أهمها، كتابات الأستاذ موسى صبري عن الحرب، وأهمها “وثائق حرب أكتوبر” وكذلك كتابه “السادات: الحقيقة والأسطورة” الذي صدر بعد اغتيال السادات، فضلا عما جاء في مذكراته الصادرة عن دار الشروق المصرية وتحمل عنوانا صحفيا جميلا هو “خمسون عاما في قطار الصحافة”.
ثم يأتي إسهام اليسار المصري ببعض الكتابات الهامة من بينها كتابات المفكر الاستراتيجي محمود عزمي -رحمه الله- الرئيس السابق لتحرير مجلة “الفكر الاستراتيجي العربي” والذي أثرى المكتبة العربية بأبحاثه العسكرية والاستراتيجية عالية القيمة على أكثر من صعيد، سواء من حيث التوثيق والدقة والأمانة العلمية، ومن بينها كتابه الموسوعي عن حربي الاستنزاف وأكتوبر، وقد صدر في طبعة خاصة من المجلة التي كان يرأس تحريرها، مجلة “الفكر الاستراتيجي العربي” وقد تجاوزت صفحاتها الـ ٦٠٠ صفحة، ثم يأتي الكتاب الهام للأستاذ عبد الستار الطويلة الصحفي بمجلة روز اليوسف، وهو دراسة صحفية استقصائية عن المواجهة العسكرية المصرية الإسرائيلية بأبعادها السياسية والدولية، فضلا عن كتاب محمود حسين وهو اسم مُستعار لكاتبين مصريين يعيشان في باريس منذ زمن الخمسينيات من القرن الماضي، وهما: عادل رأفت وبهجت النادي والكتاب عنوانه “العرب في الحاضر” ويتحدث من زاوية سياسية يسارية عن دوافع الحرب ومآلاتها الاستراتيجية والحضارية، وقد سبق أن أصدرا كتابهما المثير للجدل “الصراع الطبقي في مصر:19٥٢ – ١٩٧٠”.
غير أن هناك طائفة من الكتب والدراسات الرائدة التي تناولت التاريخ العسكري والسياسي للصراع العربي الإسرائيلي، وقد توقفت بالشرح والتحليل عند حرب أكتوبر، ومن بينها كتاب الأستاذ أمين هويدي رئيس المخابرات العامة ووزير الحربية المصري في أعقاب نكسة يونيو ٦٧ وعنوانه “الفرص الضائعة: القرارات الحاسمة في حربي الاستنزاف وأكتوبر” والصادر عن دار المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت عام ٩٢، وفي ظني أن هذا العمل الاستراتيجي الكبير يرقى إلى وصفه بالوثيقة التاريخية، لأهمية المواقع والمسئوليات الخطيرة التي تولاها الأستاذ أمين هويدي طوال حياته العسكرية والمهنية والدبلوماسية، وتأتي الدراسة الموسوعية للدكتور هيثم الكيلاني عن “الاستراتيجية العسكرية في الحروب العربية الإسرائيلية من ١٩٤٨ – ١٩٨٨” في طليعة ما أصدره مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، على صعيد أبحاثه الجادة في مجال البحث العسكري والاستراتيجي، وقد سبق للدكتور الكيلاني أن أصدر له مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت كتابه الرائد في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي “المذهب العسكري الإسرائيلي” فيما أصدرت مؤسسة الأرض في دمشق عام ١٩٧٩، كتاب الباحث العسكري المرموق بسام العسيلي “جيش العدوان الصهيوني”.
وفي عام ٩٦ تصدر مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت كتابا موسوعيا شاملا عن إسرائيل تحت عنوان “دليل إسرائيل العام” تحت إشراف الباحثين الفلسطينيين: صبري جريس وأحمد خليفة وقد خصصا الفصل الثامن عن المؤسسة العسكرية وحرب أكتوبر، وفي القاهرة يصدر كتاب “ديمونة والتوبوليف: العاملان الوحيدان للحرب والسلام بين العرب وإسرائيل” عام ٢٠٠٢، للباحث المصري الدكتور محمد حسام الدين ومراجعة المفكر الاستراتيجي الكبير العقيد الركن أكرم ديري. وكتب المؤرخ الفلسطيني الكبير عبدالقادر ياسين كتابه المُهم “المفاجأة الاستراتيجية في حرب أكتوبر” وصدر عن دار سيناء للنشر بالقاهرة. ويأتي كتاب “…وعليكم السلام” الصادر عن دار المستقبل العربي بالقاهرة عام ١٩٨٤، للرائع الأستاذ محمود عوض -رحمه الله- ليكون نموذجا للكتابة الجميلة والشيقة عند معالجة أعقد القضايا، ومن بينها قضية حرب أكتوبر وسلام كامب ديفيد!
وبعد ذلك تأتي طائفة من الكتب الأكاديمية تتفاوت قيمتها من كاتب لآخر وفق توجهاته السياسية ومن بينها كتاب الدكتور صلاح العقاد “حرب أكتوبر ومحكمة التاريخ” وكذلك كتابات الدكتور عبدالعظيم رمضان الذي انقلب على تاريخه السياسي اليساري كله بوصفه أحد تلاميذ الدكتور محمد أنيس شيخ مؤرخي مصر والعصر.. وقد أصدر رمضان أكثر من كتاب عن حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف كان أسوأها كتابه “تحطيم الآلهة”!
ثم يدخل الأستاذ أنيس منصور -رحمه الله- بكتابه “أوراق السادات” الصادر عن دار المعارف المصرية بالقاهرة، والذي يحمل الكثير من أنيس منصور والقليل من السادات.. ففيه من الادعاءات والتلفيقات ما يضيق المجال عن حصرها، وأعتقد أنه آخر كتب الأستاذ أنيس قبل أن يغادر دنيانا.
وبعد ثورة يناير ٢٠١١، صدر أكثر من كتاب لقادة الحرب، وكان أهمها كتابين: الأول بعنوان “مشير النصر” وهو عن المشير أحمد إسماعيل علي القائد العام ووزير الحربية خلال حرب أكتوبر، وكذلك كتاب “حسني مبارك وحرب أكتوبر” وأغلب صفحات الكتاب تتحدث عن دور مبارك المركزي في القوات الجوية المصرية، منذ أن كان قائدا للكلية الجوية في أعقاب حرب يونيه ٦٧ إلى وصوله لقيادة سلاح الجو المصري خلال حرب أكتوبر، والدور الكبير الذي لعبه هذا السلاح طوال أيام المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني.
والكتاب الأول عن المشير اسماعيل من إعداد مجدي الجلاد والكتاب الثاني من إعداد عبدالله كمال -رحمه الله- والذي تولى لفترة طويلة رئاسة تحرير مجلة روزاليوسف الأسبوعية قبل أن تطيح به ثورة يناير.
وبكل تواضع كان لصاحب هذه الكلمات هذه الكتب التي تناولت قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، ومن بينها حرب أكتوبر بطبيعة الحال، وهي: “حرب أكتوبر وفلسفة الأمن الإسرائيلي” والصادر عن اللجنة المركزية لمنظمة الشباب في مطلع عام ٧٤، وطبعت منه آلاف النسخ ووزع عَلى وحدات المنظمة في كل مصر، ثم كتاب “نظرية الأمن الإسرائيلي” في طبعتين إحداهما في القاهرة عام ٧٥، والأخرى في بيروت عام ١٩٨٥، ثم كتاب “بعض قضايا الاستراتيجية العربية” الصادر في بيروت عام ٨٣، وبعد ذلك صدر في كلٍ من القاهرة وبيروت على التوالي، كتابان هما: “الأيديولوجية والأمن: دراسة تطبيقية في الاستراتيجية الإسرائيلية” أما الثاني فهو كتاب “تجديد الفكر المقاوم: نحو نظرية للأمن العربي”.
واخيرا كتاب أخي وصديقي محمد سيد أحمد، الكاتب والمفكر السياسي اليساري البارز -رحمه الله- ليكون حُسن الختام في تلك السلسة وهذه الرحلة في بحر الفكر والسياسة والاستراتيجية، رحلة البحث عن أكتوبر.. إذ نختم بكتابه الرائد “بعد أن تسكت المدافع” ليكون فاتحة خير في علوم السياسة والاستراتيجية والعلاقات الدولية والصراعات الإقليمية.