بقلم: عامر سلطان، نقلًا عن البي بي سي
كشفت وثائق بريطانية أن لندن كانت واثقة من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أي قدرة على الحصول على أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى، قبل غزوه بعامين على الأقل.
وتعد وثائق مجلس الوزراء البريطاني، التي أفرج عنها، الأولى من نوعها التي تثبت علم رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، توني بلير بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة وفقا لقرارات الأمم المتحدة الصادرة قبل وبعد إخراج الجيش العراقي من الكويت في شهر فبراير/شباط عام 1991 في أعقاب عملية سميت باسم عاصفة الصحراء.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت الغزو، بدعم قوي من حكومة بلير، بعملية جوية في 19 مارس/آذار عام 2003، بزعم أن صدام كان يخفي أسلحة دمار شامل، ما يجعل نظامه تهديدا للسلم في الشرق الأوسط والعالم.
وفي هذا الوقت، عرضت الإدارة الأمريكية ما زعمت أنها أدلة دامغة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. ولم تعبأ الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما بتحذير العراق من الترويج الأمريكي للحرب عليه بلا أي مبرر.
بعد انتهاء الحرب، التي أدت إلى تدمير العراق ونزوح ملايين العراقيين وإسقاط نظام صدام حسين، تبين أن ادعاءات وجود أسلحة دمار شامل لدى النظام بلا أساس.
وفي شهر يوليو/تموز عام 2016 أدانت لجنة تشيلكوت الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب، وتحدثت بالتفصيل، في تقرير مطول، عن المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأسس القانونية المشكوك فيها التي استند إليها غزو العراق.
ورد بلير مدافعا بقوة عن المشاركة في الغزو، معبرا عن “شعور بقدر من الأسى والندم والاعتذار أكثر مما يمكن تصوره عن الأخطاء التي ارتكبت في الإعداد لحرب تسببت في حدوث شرخ عميق في المجتمع البريطاني”.
بعد مرور عشرين عاما على بدء الحرب، تكشف وثائق رئاسة الحكومة البريطانية عن أن سياسة الاحتواء والعقوبات الدولية الصارمة التي فرضت على العراق بعد تحرير الكويت من احتلال جيشه عام 1991، قد حققت هدفها في منع صدام من القدرة على تطوير أسلحة غير مسموح بها.
“عقد جديد”
جاء الاعتراف البريطاني بفعالية العقوبات العسكرية والتسليحية والتكنولوجية في سياق مراجعة أجرتها إدارة بلير في عام 2001 للسياسة الأمريكية البريطانية بشأن العراق، وفقا للوثائق.
واتُفِق على هذه المراجعة في أثناء أول زيارة لرئيس الوزراء البريطاني إلى واشنطن بعد تنصيب جورج بوش الابن، الذي سيطر المحافظون الجدد على إدارته، رئيسا للولايات المتحدة.
وعرضت بريطانيا، حينها، على أركان إدارة بوش سياسة جديدة أسمتها “عقد مع الشعب العراقي” تستهدف استعادة المساندة، خاصة من دول وشعوب المنطقة العربية، للسياسة الأمريكية البريطانية في التعامل مع العراق.
وكشأن المراجعات من هذا النوع، استندت مراجعة السياسة تجاه العراق على تقارير الأجهزة الاستخبارية والدبلوماسية والعسكرية، وفريق تقدير المواقف في مجلس الوزراء البريطاني.
وأكدت المراجعة بوضوح أنه “بدون سياسة الاحتواء التي نتبعها، كان من المرجح أن يمتلك العراق الآن صاروخا بعيد المدى قادرا على الوصول إلى بريطانيا وأوروبا، وكذلك رؤوسا كيماوية وبيولوجية ونووية لمثل هذا السلاح (الصاروخ)”.
وخلصت إلى أن حظر الأمم المتحدة على تصنيع العراق صواريخ لا يتجاوز مداها 150 كليومترا “هو قيد رئيسي يمنعه من تطوير صاروخ كهذا”.
وأقر البريطانيون، حينها، بقلقهم من تأثير تراجع المساندة الشعبية والرسمية العربية لطريقة تعامل واشنطن ولندن مع العراق.
واقترحوا على الأمريكيين أن يتضمن الـ “عقد مع الشعب العراقي” ما وصفوه بـ”خطوط لسياسة مستقبلية” تجاه العراق، تقوم على أهداف أهمها “احتواء النظام العراقي، ومنعه من تطوير أسلحة دمار شامل”.
ويستدعي هذا، وفق التصور البريطاني “إعادة بناء إجماع دولي على هذه الأهداف وإعادة توجيه تركيز الاهتمام العالمي على وقف برنامج العراق الصاروخي”.
مليارات العراق
وتقول الوثائق إن إدارة بلير سعت إلى التواصل الفعال مع الفرنسيين لإقناعهم بأن “يُضَمِّنوا عناصر العقد مع الشعب العراقي في أي بيانات تصدر للترويج لنهجنا الجديد في الأمم المتحدة”.
واقترحت المراجعة أنه “ربما نطلع دولا عربية رئيسية مثل مصر والسعودية والكويت على النهج الجديد كي تصدر بيانات مساندة”.
وشملت المقترحات البريطانية “استراتيجية إعلامية” لحشد التأييد، بعدما تصاعد الغضب الشعبي العربي والعالمي بسبب التقارير التي كشفت معاناة الشعب العراقي من العقوبات الدولية القاسية.
وكان هدف هذه الاستراتيجية الرئيسي هو كشف ما رأته “استغلالا” من جانب نظام صدام لمنظومة العقوبات لحشد تأييد العراقيين والشعوب العربية له في الصراع.
وأسهمت إدارة الإعلام في الخارجية البريطانية بدور في تحديد ملامح هذه الاستراتيجية التي سعت إلى إقناع المعارضين للسياسة الأمريكية البريطانية بأن:
• رفع القيود التي تفرضها الأمم المتحدة لن يساعد الشعب العراقي، ويساعد النظام على إنزال مزيد من المعاناة بالعراقيين.
• الذين ينتقدون سياستنا سيكونون هم أول من يهاجمنا إن تجاهلنا هذا النوع من الوحشية (من جانب نظام صدام) في أي مكان آخر، فلماذا هم مصممون هكذا على تطبيق معايير مختلفة على العراق؟
عندما جرت مباحثات الولايات المتحدة وبريطانيا، لم يكن البلدان راضيين عن سير برنامج النفط مقابل الغذاء، الذي طبق في شهر أبريل/نيسان عام 1995 بهدف تمكين العراق من بيع جزء من نفطه لشراء احتياجات شعبه في ظل العقوبات .
• لماذا لم يطلب العراق شراء أي أدوية على الإطلاق لمدة ستة أشهر في نهاية العام الماضي (2000)؟
• لماذا لا تزال 4 مليارات دولار راقدة دون إنفاق في حسابات برنامج النفط مقابل الغذاء بالأمم المتحدة؟
• لماذا يُصدِّر العراق أغذية وأدوية بينما يحرم الشعب العراقي منها.
• كيف تستمر المعاناة بينما يوجد لدى العراق 14 مليار دولار منذ نهاية عام 1999 للإنفاق على الاحتياجات الإنسانية، أي أكثر من ميزانية الصحة والرعاية لكل من مصر والأردن وسوريا وإيران؟
وفي 19 أبريل/نيسان عام 2001، أرسل مكتب بلير رسالة، موقعة باسم جون سوريز، سكرتيره الشخصي، إلى الأمريكيين، تتضمن التصور البريطاني، بعد مناقشات أولية سابقة معهم بشأنه.
وأوصت إدارة الشرق الأوسط “بانتظار الرد الأمريكي قبل طرح الفكرة على نطاق أوسع يشمل الاتحاد الأوروبي”.
العراق وإسرائيل
وجرت النقاشات مع الأمريكيين تنفيذا لنتائج لقاءات بلير مع بوش، ونائبه ديك تشيني، ووزير خارجيته كولين باول في واشنطن.
وكان رئيس الوزراء البريطاني أول زعيم أجنبي يتصل ببوش هاتفيا ويزوره، في أواسط شهر فبراير/شباط 2001، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، التي أطاحت بالحزب الديمقراطي.