شهدت العلاقات المصرية السعودية خلال الأشهر القليلة الماضية نهجا مغايرا اتسم بشيء من التململ، ما وصفه البعض بالفتور غير المعهود في العلاقات بين البلدين.. تأكد ذلك من خلال بعض التصريحات والمواد الصحفية الصادرة عن الجانبين عبر بعض المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي.
لكن المشهد الاقتصادي بين البلدين مازال يسير في اتجاهه الأول.. فلقد حرصت المملكة العربية على دعم الاقتصاد المصري بشكل مباشر في نهاية نوفمبر الماضي بتجديد وديعة الخمسة مليارات دولار في البنك المركزي المصري.. مساهمة في إقناع صندوق النقد الدولي بمنح مصر قرضا عاجلا بقيمة ثلاثة مليارات دولار.. كأحد الإجراءات العاجلة لحلحلة أزمة الفجوة الدولارية التي قدرها البعض بثلاثين مليار دولار تحتاجها مصر للوفاء ببعض التزاماتها خلال السنوات الخمس القادمة.
وكانت مصر قد أعلنت خلال الساعات القليلة الماضية عن استعدادها اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات من أجل تيسير زيادة الاستثمارات السعودية في البلاد، في خطوة تهدف إلى تأمين التمويل الضروري والعاجل لعملة الصعبة، كإحدى صور مواجهة الأزمة.
جاء ذلك في بيان لوزير المالية المصري اليوم عقب مشاركته في مؤتمر الرياض هذا الأسبوع.. وأشار البيان إلى أن مصر حريصة كل الحرص “على دعم كل ما هو مطلوب لزيادة الاستثمارات السعودية” وفي نفس البيان ورد عن وزير المالية السعودي أن المملكة “استثمرت وما زالت تستثمر في مختلف المشروعات التنموية في مصر”. مؤكدا على أن سجل المملكة العربية السعودية في دعم مصر يتحدث عن نفسه.
وكانت المملكة العربية قد وعدت قبل نحو عام باستثمار عشرة مليارات دولار في مصر؛ لم يضخ منها حتى الآن سوى 1.3 مليار دولار، ثمن شراء “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي، حصصا مملوكة للدولة في أربع شركات مصرية.
ويُرجع البعض تراجع السعودية وعدد من دول الخليج قبل إنهاء بعض الصفقات مع الجانب المصري (صفقة المصرف المتحد على سبيل المثال) إلى حاجة الجانب الخليجي إلى المزيد من الثقة واليقين، فيما يتعلق بوضع العملة المصرية المتراجعة بإطراد في القترة الأخيرة، وبرهنة القاهرة على جدوى الإصلاحات الاقتصادية التي تجريها- بينما أرجع آخرون “التريث” الخليجي إلى ترقب انخفاض جديد للعملة المحلية يصب في مصلحة المستحوذين الجدد على الأصول المصرية.. وكان صندوق مصر السيادي قد أعلن في يناير الماضي أنَّه يضع اللمسات الأخيرة على طرح حصة 30% من رأسمال الشركة القابضة، التي تضم 7 فنادق حكومية، لصناديق خليجية ومستثمرين خلال الربع الأول من العام الحالي.
تشمل الفنادق “ماريوت” القاهرة، و”كتاراكت” أسوان، و”مينا هاوس” الهرم، و”وينتر بالاس” الأقصر، و”سيسل” الإسكندرية، و”موفنبيك” أسوان، و “ألفنتين” أسوان.
وكانت شركة “الشريف للفنادق والسياحة” التابعة لمجموعة “الشريف القابضة” السعودية قد وقَّعت عقدا مع شركة “سياك” المصرية للمقاولات بقيمة 500 مليون جنيه لتطوير فندق “شبرد” التاريخي وسط القاهرة.
وتبلغ التكلفة الإجمالية لتطوير الفندق حوالي 1.4 مليار جنيه، وتموّل “مجموعة الشريف” عملية التطوير الشامل للفندق بما يشمل التأثيث والفرش والتجهيز للتشغيل بمستوى خدمة فندقية فئة خمس نجوم، وتبلغ سعة الفندق 316 غرفة وجناحا.
وكان مطلع الشهر الحالي قد شهد توقيع الشركة الوطنية للنقل البحري السعودية، مذكرة تفاهم غير مُلزمة مع هيئة قناة السويس، لتأسيس شركة مساهمة مصرية مشتركة للنقل البحري.. ووفق تصريحات رسمية، ستختص الشركة بامتلاك وتأجير واستئجار وتشغيل السفن لغرض نقل البضائع العامة والسائبة والكيماويات والنفط وجميع العمليات المرتبطة بالنقل البحري.
يذكر أن أرباح الشركة الوطنية كانت قد قفزت خلال العام الماضي بنحو خمسة أضعاف لتتجاوز مليار ريال، نتيجة تحسن أداء عدة قطاعات وبالأخص قطاع نقل النفط الخام وقطاع نقل الكيماويات، وذلك نتيجة تحسن أسعار النقل، بالإضافة إلى زيادة عمليات النقل وإضافة سفن جديدة.
وبحسب موقع الشرق فإن المجموعة الإيطالية “بريزميان” تعمل على إنهاء أعمال تصنيع وإنزال الكابل البحري لمشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، نهاية شهر ديسمبر المقبل، بتكلفة إجمالية قدرها 221.6 مليون يورو.
ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبي لمشروع الربط الكهربائي بين البلدين والتي تبلغ تكلفته الإجمالية نحو 1.8 مليار دولار، نهاية شهر مايو 2025، على أن يبدأ التشغيل الرسمي للمشروع، على مرحلتين، الأولى في يونيو 2025 بقدرة 1500 ميجاواط، والثانية في نوفمبر من العام نفسه بقدرة 1500 ميجاواط أيضا.
وتسعى مصر لاستغلال القدرات الكهربائية المنتجة لديها يوميا، التي تبلغ نحو 58 ألف ميجاواط، في وقتٍ يبلغ فيه الاستهلاك اليومي 33 ألف ميجاواط.
ويعود مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية إلى عدّة سنوات، منذ الاتفاق الموقع في أكتوبر 2021، مع الشركات الفائزة بمناقصات، طرحتها الجهات المسئولة عن الكهرباء في البلدين.
وتجري معدلات تنفيذ الأعمال في مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية على نحو طبيعي، وتحصل الشركات المنفذة على دفعاتها من قيمة العقود دون مشكلات أو تأخير.
ويبلغ طول الكابل البحري لمشروع الربط الكهربائي نحو 19 كيلومترا، وتبلغ حصة المملكة من التكلفة نحو 114.3 مليون يورو، فيما تصل حصة مصر إلى نحو 107.3 مليون يورو. ومن المخطط أن يوضع الكابل البحري على سفينة مجهزة لتركيب الكابل البحري بين نقطتي الربط في مصر والسعودية بعد تعديل المسار ومنع تعارضه مع مشروع (نيوم)”.
يفتح مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية آفاقاً لتصدير الكهرباء إلى قارّتي آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى التوسع في الربط مع الدول المجاورة.
فهل تفلح كل تلك الإجراءات والخطوات الاقتصادية الجادة في إصلاح ما أحدثته تباينات المواقف والرؤى السياسية من فتور في العلاقات بين البلدين، أم ستوقف الاختلافات السياسية عجلة المصالح الاقتصادية حتى إشعار آخر، كما شهدنا أكثر من مرة في الآونة الأخيرة؟ ربما ستحمل لنا الأيام القليلة القادمة عددا من الإجابات الشافية.